المواجهات المحدودة في غزة و مصيدة الاستنزاف . بقلم / ناصر ناصر

المواجهات المحدودة في غزة و مصيدة الاستنزاف :

من غير الواضح ما إذا كان التصعيد الذي بدأ ظهيرة 20-7 باستهداف قناصة المقاومة لجندي أو ضابط اسرائيلي على حدود القطاع ردا على قيام جيش الاحتلال في 19-7 بقتل الشهيد عبدالكريم رضوان ، هو حلقة أخيرة أم إضافية من نموذج للتصعيد يبدو انه قد تطور في الأسابيع أو الأشهر الأخيرة ، نتيجة لعجز الإحتلال عن مواجهة المقاومة في غزة ، و لتوصله لقناعة أن هذا النموذج هو أهون الشرين في مواجهتهم للشعب الفلسطيني في غزة ، و على ضوء تقديره الواضح باستعداد أو حتى رغبة المقاومة في غزة لتعجيل حل مشكلة حصار غزة من خلال المواجهة الواسعة .

لقد وجدت اسرائيل نفسها مضطرة و بضغط المقاومة للدخول في معركة استنزاف مضنية و مريرة ، أركانها قدرة فلسطينية عالية في الصبر في مقابل قدرة اسرائيلية محدودة ، إضافة الى مواجهة عسكرية لساعات ، و بالونات و طائرات ورقية لم تجد لها بعد حلا تكنولوجيا ، ومظاهرات شعبية على طول السلك الفاصل ، مما أدخل اسرائيل فيما كانت تتجنبه دوما لاعتبارات مجتمعية و أمنية و هو مصيدة الاستنزاف .

من الصعب توقع استمرار احتمال الجبهة الداخلية الاسرائيلية المدللة لأعباء و تبعات مثل هذا الاستنزاف ، الذي يستهدف بالاساس نفسية احتلالية مضطربة تعلم في قرارة نفسها أنها تعيش على أراضي غيرها و على خيرات أبناء اللاجئين الفلسطينيين الذين تقصفهم في جباليا و خان يونس و سائر أنحاء القطاع ، مما جعل اسرائيل تعيد النظر و تبحث عن حلول   تنقذها هي من سياساتها القائمة على الاحتلال و الحصار .

لا يقتصر تأثير حالة الاستنزاف التي تقودها المقاومة ضد اسرائيل على الجغرافيا الجنوبية فحسب ، بل إنها تتخطاها للتأثير الملحوظ على المنطقة و الاقليم من جانبين أساسيين : الاول - استراتيجي و الثاني - سياسي ، أما الاستراتيجي فيتعلق بفرض غزة نفسها على أعلى سلم أجندة حكومة اسرائيل ، بدلا من الجبهة الشمالية الأكثر خطورة عليها ، و ما يحمله ذلك من معاني استراتيجية حول مدى جاهزية و استعدادية الجيش للشمال .

و أما السياسي فيتعلق برغبة إدارة ترامب في عرض خطتها المعروفة بخطة القرن ، و هذا يتطلب هدوءا نسبيا و مؤقتا على الأقل في جبهة غزة . التي تبدو جبهة المقاومة الرئيسية لترامب و سياساته المتماثلة مع الاحتلال الاسرائيلي .

و هكذا أصبحت نتائج و تداعيات خيار " أهون الشرين " و هو الاستنزاف لا تقل خطورة على الأقل من النواحي السياسية العامة ، و ما زالت اسرائيل تبحث لنفسها عن مخرج من غزة ، و لن تجد إلا إنهاء الحصار و الاحتلال .

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023