الاتفاقية الإيرانية الصينة بعيون عسكرية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني



وقع الطرفان، الإيراني والصيني في 28 03 2021 اتفاقية ثنائية للتعاون الإستراتيجي في مختلف المجالات، التجارية والثقافية والعسكرية والأمنية والسياسية، حيث ستمتد هذه الإتفاقية على طول ربع قرن من تاريخ توقيعها، اللافت في هذه الاتفاقية أنها جاءت بعد مباحثات ولقاءات بهذا الخصوص بدأت منذ عام 2016 وامتدت إلى أن تم التوقيع عليها في التاريخ المشار له أعلاه. جاءت هذه الاتفاقية في تسعة بنود رئيسية وثلاثة ملاحق تفصل أوجه التعاون ومجالات العمل التي ستتم خلال عمرها. 
وبعيداً عن الخوض التفصيلي في الفرق بين التحالفات وطبيعة عقدها والأهداف التي تنشأ من أجلها، والاتفاقيات الثنائية ومسار عقدها والأهداف التي تتم بناءً عليها، نجد أنفسنا بحاجة إلى تعريف الفرق الجوهري بين التحالف والاتفاقية، حيث أن الأول يكون بين طرفين تربطهما ببعضهما البعض علاقات جذرية عميقة تلزم كل منها بالدفاع عن مصالح الآخر بشكل كامل ودون أن يحد ذلك أي إطار زمني أو موضوعي ينتهي عنده التحالف، بينما الاتفاقية هي عبارة عن تفاهم على تعاون محدد في أمور محددة لفترة زمنية محددة.

وبالعودة إلى الاتفاقية محل البحث وعنوان المقال، فإننا نريد أن نبحث في البعد العسكري وما يمكن أن نستنبطه من أوجه تعاون في المجالين العسكري والأمني من خلال النصوص التي جاءت في ثنايا الاتفاقية، حيث تم التطرق لهذين الموضوعين في الملحقين الثاني والثالث من الاتفاقية، حيث ورد في الملحق الثاني من الاتفاقية وتحت عنوان التعاون العسكري والدفاعي والأمني الثنائي: 

  • التعاون الدفاعي والاستشاري في المجالات الإقليمية والدولية بما في ذلك في مجال الشؤون الاستراتيجية ومكافحة الإرهاب.
  • تطوير التعاون الدفاعي في مجالات التعليم وتبادل الأساتذة والطلاب، والبحث والتدريب وتبادل الخبرات العسكرية والدفاعية والتكنولوجيا وصناعة الدفاع.

أما في الملحق الثالث والذي عنوانه التدابير التنفيذية، فقد ورد تحت عنوان الجيش والدفاع والأمن:

  • دعم الانعقاد المنتظم لاجتماع اللجنة المشتركة للتعاون في صناعات الدفاع الوطني ومحادثات التعاون التجاري والصناعي العسكري. 
  • توسيع التعاون التعليمي والبحثي بين المنظمات العسكرية والدفاعية والأمنية وتبادل الخبرات، بما في ذلك في مجال الحرب غير المتكافئة ومكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود والاتجار بالبشر ـ تجارة المخدرات. 
  • إجراء مناورات بحرية ـ برية وجوية مشتركة وفق أساس منتظم. 
  • توسيع التعاون في مجال التكنولوجيا والصناعة الدفاعية مع التركيز على تنفيذ المشاريع الاستثمارية والتصميم وتطوير الإنتاج المشترك وتوريد المعدات. 

إن هذه الاتفاقية في شقها العسكري تتحدث عن مؤسستين عسكريتين عريقتين تتكون الصينية منها من مختلف صنوف القوات المسلحة التي تغرف من محضن بشري لائق للتجنيد العسكري يصل عديده إلى 19.550.000 نسمة، كما يصل استعداد قواتها العاملة إلى 2.335.000 جندي عامل يقابلهم ما يصل إلى 2.300.000 جندي في الاحتياط بناء على احصائيات عام 2015، بميزانية سنوية تصل 175 مليار دولار وهو ما يعادل 1.9 % من الناتج الإجمالي للبلد وفق احصائيات عام 2018. أما عن المؤسسة العسكرية الإيرانية فإننا نتحدث عن مؤسسة عسكرية لديها من اللائقين للخدمة العسكرية ما يقارب 1.4 مليون شخص سنوياً، واستعداد القوات العاملة عندها يصل إلى ما يقارب 545 ألف جندي يردفهم في الاحتياط ما لا يقل عن 1.8 مليون شخص، بميزانية سنوية قدرت بــــ 6.3 مليار دولار حسب أرقام 2015. فما الذي ستقدمه مثل هذه الاتفاقية لدولتين تعلنان أن عقيدتهما القتالية عقيدة دفاعية لا تبادر للهجوم ما لم يتم التعرض لها والاعتداء على مصالحها؟ لن نطيل البحث والتدقيق ولن نفصل في كل ما يمكن أن يستنبط من النصوص الواردة في الشقين الأمني والعسكري، ولكننا سنتطرق إلى أهم ما يمكن أن تقدمه هذه الاتفاقية لهاتين الدولتين ــ لن نجزىء المصالح لكل دولة على حدة ــ 

في الشق العسكري والأمني من المصالح والتي منها على سبيل المثال لا الحصر: 

  1. التدريب المشترك وتبادل الخبارت: إن اللافت في نص الاتفاقية أنها جاءت على ذكر تبادل الخبرات في مجال الحرب غير المتكافئة، وهي خبرات لدى إيران منها الشيء الكثير، فقد خاضت حرب الخليج الأولى مع العراق في ثمانينات القرن العشرين انطلاقاً من هذه النظرية، وبقيت تقاتل استناداً لها، فطورت مفاهيمها وطرق عملها وما يلزمها من أدوات قتالية وقدرات فنية، حتى أصبحت إيران من الدول ذات الباع الطويل التي تُقصد للتعلم منها في هذا المجال، ولما كانت الصين قد بنت قدرتها القتالية استناداً إلى نظريات القتال النظامية والتي تقول معظم الدراسات؛ لأنها أصبحت غير فاعلة في مواجهة التهديدات ودفع المخاطر الحديثة في عالم أصبح كقرية كونية صغيرة، كان لابد للصين من أن تنهل من معين إيران في هذا المجال، غير مغفلين أن لدى الصين من التجارب في هذا المجال ما لو أضيفت إلى ما لدى إيران من خبرات، فسنكون أمام نموذج مميز في مجال الحرب غير المتكافئة، يجب البحث فيه والتعلم منه. 
  2. تبادل المعلومات على المستوى الإستراتيجي: كما يُرجى من هذا الاتفاق فتح مجال التعاون وتبادل المعلومات في المستوى الاستراتيجي بين الدولتين، خاصة وأنهما تتقاطعان وتلتقيان في نقطة العداء الأمريكي، وإن كان هذا العداء يبدو جلياً ظاهراً فيما يخص إيران، ومستتراً ومحجوباً فيما يخص الصين. لذلك ستجهد هاتان الدولتان في تقديم ما يفيد من معلومات تساعد كل منهما في تقدير نوايا العدو المشترك ــ أمريكا ــ ورصد تحركاته، بما يملكان من قدرات فنية وميدانية وبشرية تعمل في هذا المجال. 
  3. أتمتة القدرات القتالية ودمج الذكاء الصناعي في أدواتها: من المعروف أن الصين تعد من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، كما أن إيران تعد من الدول ذات السبق في هذا المجال، لذلك فإن هذه الاتفاقية وهذا التعاون سوف يوفر لكلا البلدين مجالات عمل مشتركة في هذا المضمار، بحيث تدمج القدرات القتالية مع وسائل الذكاء الاصطناعي لدى الدولتين، بما يجعل من هذه القدرات أكثر كفاءة وفتكاً وتدميراً. كما يمكّن العمل في هذا المجال كلا الدولتين من تطوير ما لديهما من قدرات قتالية ناعمة تدار من خلف شاشات البلازما ومفاتيح الكمبيوترات وفئرانها. 
  4. تأمين مساحات عمل جغرافية تخدم التوجهات الثنائية: كما تمكن هذه الاتفاقية من توسيع هامش مناورة قوات كلا البلدين، فإن كانت أمريكا تسبب قلقاً للصين في بحرها الجنوبي، فإن هذه الاتفاقية قد جاءت بالصين إلى جوار قواعد أمريكا في المنطقة وبجانب أسطولها الخامس في منطقة الخليج، كما أنها ستخرج الأسطول البحري الإيراني من عزلة مياه الخليج إلى رحابة مياه بحر الصين والمحيط الهادئ وتوفر له قواعد استراحة ودعم لوجستي لم تكن متوفرة سابقاً، كما أن العمل ضمن هذه المسافات الشاسعة البعيدة عن القواعد البحرية للدولتين، ستكسب جنودها وبحارتها خبرات ومعارف في مجالات العمل البحري بعيد المدى لا تقدر بثمن. 
  5. الاستفادة من فرص الهندسة العكسية: من المعروف أن إيران ومنذ ثورتها عام 1979 نهجت نهجاً قائماً على بلوغ مراحل الاكتفاء الذاتي في شتى المجالات، وتوطين الصناعات بمختلف أنواعها، مستفيدة من مبدأ عمل قائم على الهندسة العكسية، بمعنى أنها إن ابتاعت خمسة صواريخ أو خمسة طائرات بل خمسة مسدسات من نوع معين من دولة معينة، فإنها ترسل أربعة منها للعمل والميدان، والخامس يرسل إلى مصانع التفكيك وورش التدريب من أجل صناعة شبيه هذا المسدس أو تلك الطائرة أو ذاك الصواريخ، وقد استفادت إيران من هذا المبدأ وقاعدة العمل تلك أيما فائدة، فهي الآن تصنع اسلحتها الفردية والمتوسطة والثقيلة وذخائرها بذاتها ولا تستورد منها شيء، بل إنها تصدر من منتوجها إلى الدول الراغبة بذلك وبأسعار زهيدة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من قدرات إيران القتالية المصنعة محلياً قد إجتازت معمودية النار من خلال نجاحها في العمليات العسكرية التعبوية الفعلية، ولم تبق حبيسة النجاح المخبري أو المناوراتي التدريبي. 

لقد التقى في هذه الاتفاقية حائك السجاد الإيراني مع غازل الحرير الصيني على أرضية صلبة قائمة على التخادم المصلحي، الذي نعتقد أنه سيكون نواة لتجمع جغرافي في منطقة غرب آسيا، قد يشمل مع قادم الأيام الباكستان وكتحصيل حاصل أفغانستان، فإن نجح هذا التقارب وانضمت له تركيا مستقبلاً، فإننا سنقف أمام كتلة جغرافية تشمل قدرات بشرية واقتصادية ومالية وفنية ومواد أولية لقاعدة صناعية كبيرة متعددة الاختصاصات، قادرة على أن تعيد حالة التوازن المفقود بين الشرق والغرب، الأمر الذي يستدعي من الجميع البحث في ميزات الإنضمام لمثل هذه الاتفاقات وتلك التكتلات. 

عبد الله أمين 

01 04 2021

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023