الدلالات التعبوية للمشاركة الإماراتية في المناورات اليونانية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

بقلم: عبد الله أمين


أمر غير مستغرب أن تشارك الدول في مناورات مشتركة بين جيوشها بمختلف صنوفها وتخصصاتها، فهذه من مسلمات الأمور وبديهيات رفع كفاءة القوات وبناء مسارات رقيها وتكاملها ورفع وإدامة جاهزيتها، فالدول التي تتقاطع مع غيرها من الدول على تهديد واحد أو تتشارك مع بعضها البعض في مصلحة واحدة مرجوة؛ غالباً ما تلجأ إلى تكثيف تعاونها وتنسيق خطوات عملها في جميع المجالات؛ السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من أوجه التعاون. وفي هذا السياق فقد أعلنت وسائل الاعلام المختلفة من أن سبعة دول هي: أمريكا وكندا واسبانيا وقبرص وسلوفاكيا والإمارات العربية المتحدة ستشترك في مناورة جوية واحدة تحت اسم " Iniochos 2021 " في كامل منطقة معلومات الطيران في أثينا، بمشاركة ومواكبة من البحرية اليونانية، اللافت في هذه المناورات هو مشاركة سلاح الجو الإماراتي وغياب ذكر سلاح الجو الإسرائيلي عن هذه المناورات، حيث كانت صحيفة معاريف الإسرائيلية قد أعلنت عن خبر إجراء هذه المناورات في عددها الصادر في تاريخ 15 01 2021 مشيرة إلى أن الكيان سيشارك في هذه المناورات والتي تهدف إلى تعزيز شبكة العلاقات بين الدول المشتركة والمحافظة على الاستعداد المشترك والقدرة على التعاون الثنائي، فإذا ما أضفنا إلى هذا الخبر حالة الاشتباك التي تجري الآن بين إيران والكيان الإسرائيلي والتي مسرحها بحري بامتياز، حيث تم بالأمس استهداف سفينة إسرائيلية قبالة سواحل إمارة الفجيرة، بعد أن كانت ترسو قبل 48 ساعة من استهدافها في الموانئ الكويتية، إذا ما أضفنا هذا الخبر إلى خبر المناورة؛ نستطيع أن نقرأ أن العدو الإسرائيلي ودولة الإمارات العربية يطوران علاقات عسكرية مصاحبة لحالة التطبيع المتسارع التي تشهدها علاقات الدولتين منذ توقيع اتفاقية ( السلام ) بينهما في 13 آب 2020 الأمر الذي تُعنى هذه المقالة بتحليل دلالاته التعبوية وما يمكن أن يجره من مخاطر على دولة الإمارات العربية في حال وقوع نزاع مسلح بين إيران والكيان الصهويني في قادم الأيام، على قوع حالة التسخين الحالية بينهما. إلا أننا سنتطرق بشكل سريع إلى الأهداف التي ترجوها الدول من قيامها بالمناورات المشتركة بين مختلف صنوف واختصاص قواتها العسكرية، التي منها على سبيل المثال لا الحصر: 

  1. تبادل الخبرات وتوحيد المفاهيم والمصطلحات: إن أول وأهم ما تتوخاه الدول من مشاركة جيوشها في مناورات مشتركة مع دول أخرى هو: تبادل الخبرات واكتساب مهارات جديدة ترى فيها الدول مصلحة لها ولقواتها لرفع كفاءتها واكسابها مهارات قتالية غير متوفرة عندها، ففي مثل هذه المناورات تكتسب القوات معارف وعلوم ومهارات وخبرات لا تقدر بثمن، تجنبها الوقوع في أخطاء قاتلة ومميتة ثمنها الهزيمة عند تشغيل القوات في ظروف تعبوية حقيقية. 
  2. التعرف على ما يمتلكه كل طرف من قدرات: كما ترمي هذه الدول من مثل هذه المناورات إلى التعرف على ما يمتلكه شركاؤها في المناورات من قدرات قتالية وخبرات تعبوية كجهد استطلاعي أولي لعقد معاهدات الدفاع المشتركة، بحيث يوفر لها ما تجمعه من معلومات أثناء المناورات، أرضية مناسبة لتقدير وحساب الجدوى والتكاليف من الدخول في مثل هذه المعاهدات والأحلاف المشتركة. 
  3. سد الثغرات وتقوية نقاط الضعف: ومن الأهداف المرجوة أيضاً، رفع نقائص مسار بناء القوات وتطوير القدرات من خلال ما يمكن أن يتم جمعه من معلومات وتحصيله من تجارب وسماعه من معطيات أثناء الأعمال الركنية التي تسبق الأعمال التعبوية، فتؤشر هذه المعلومات للقادة والمسؤولين على نقاط ضعف عندهم قد تكون سهت أعينهم عنها أو لم تلحظها إجراءاتهم أثناء التخطيط لتطوير القدرات والقوات، كما أن قادة الجيوش من خلال التمارين التعبوية قد تزداد قناعتهم بنقاط قوة لم تختبر تعبوياً وإنما تم إيرادها كنقاط بحاجة لتثبت وتثبيت. 
  4. تنظيم وسائل القيادة والسيطرة المشتركة: كما أن من أهداف المناورات المشتركة تعريف نظم القيادة والسيطرة C4I لدى المشاركين والعمل على تعريف بروتوكلات ثنائية وجماعية تساعد على تفعيل هذه النظم ومنظوماتها عند الحاجة لها، كما يتم التوافق على أنظمة التشفير ونقل البيانات والتحقق من كفاءتها في التمارين التعبوية التي تتخلل هذه المناورات من أجل رفع نقائصها قبل أن يتم اعتمادها وتثبيتها كأدوات قيادة وسيطرة ونقل بيانات آمنة يمكن أن تستخدم في المواقف التعبوية الحقيقية. 
  5. دمج القدرات لتوحيد المنظومات القتال: حيث أن الجيوش تختلف في مصادر تسليحها بين المحلي والمستورد، وحيث أن الأسلحة إذا لم تكن متناغمة من حيث القدرات وطرق العمل ومرونة المناورة والقدرة على مواكبة بعضها بعضاً تعبوياً؛ فإن نشرها وتشغيلها في عملية مشتركة يكون ضرباً من الخيال ولا يعدو نشرها أن يكون ترتيب وتكديس أدوات قتال غير قادرة على التقاطع نارياً على هدف واحد؛ لذلك تأتي هذه المناورات من أجل التحقق من قدرة هذه الأسلحة من الاندماج والتوحيد والعمل كمنظومة نار واحدة تخدم في عملية تعبوية واحدة لتحقيق هدف واحد تحت قيادة واحدة.   
  6. التهيئة لعمليات مشتركة: في النهاية فإن أخطر ما في هذه المناورات هو التهيئة النفسية والتعبوية للقوات للمشاركة مجتمعة أو بشكل ثنائي للعمل مستقبلاً في مهام قتالية واحدة، فما لم تكن هذه القوات مهيئة نفسياً وتعبوياً وقبل مدة من قيامها بالعمليات القتالية الفعلية؛ فإنها لن تقوم بما يطلب منها من مهام عند الحاجة بالشكل المطلوب وبأقل الخسائر وأقصر الأزمان. 

ما يريده العدو من تقاطعه مع الإمارات في ساحة العمليات: تحت هذا العنوان يمكن إيراد ثلاثة أهداف رئيسية ومهمة يسعى العدو الإسرائيلي لتحقيقهما من مثل هذه المناورات المشتركة بين مقاتليه وباقي المقاتلين خصوصاً الإماراتيين منهم، على اعتبار أن ما يجمع مقاتليه ومقاتلي باقي الدول المشاركة من حيث البعد النفسي، أكثر بكثير مما هو حاصل مع مقاتلي الإمارات؛ لاعتبارات موضوعية ونفسية قائمة على تشاركه مع تلك الدول في منظومة قيمية تكاد تكون متطابقة، على عكس ما هو قائم بينه وبين مقاتلي الإمارات، فالأهداف الإسرائيلية الممكن تصورها يمكن أن تكون على النحو الآتي: 

  1. كسر الحاجز النفسي بين المقاتلين: حيث يعد كسر الحاجز النفسي بين مقاتلي الإمارات ومقاتلي العدو الصهيوني من أهداف العدو من مثل هذه المناورات، فمهما قيل عن تطبيع وعلاقات على المستوى الرسمي؛ تبقى هناك فوارق ومختلفات قيمية ــ بغض النظر عن حجمها ــ بين الأفراد العاديين فضلاً عن العسكريين، والمشاركة في مثل هذه المناورات وما يحصل فيها من احتكاكات فنية أو شخصية أثناء العمل، كفيلة بأن توجد شرخاً في الحاجز النفسي الموجود بين المقاتلين والأفراد، كما أن ما تتركه أيضاً هذه المناورات من علاقات وانطباعات كفيل بأن يبنى عليه مستقبلاً للوصول إلى حالة من تقبل الآخر والتعايش معه على أنه جزء من المنطقة الجغرافية، له ما لنا وعليه ما علينا، نشترك وإياه في معاداة جهة ما ونتقاسم وإياه مصلحة محددة. 
  2. التعرف على طرق عمل وتكتيكات سلاح الجو الإماراتي للتخفي والتمويه تحتها عند الحاجة: كما أن هذه المناورات تسبقها جلسات عمل ركنية في غرف العمليات وبين الخرائط، تشرح فيها كل جهة كيف تواجه المخاطر وما هي تكتيكات عملها على الأهداف، وكيف تتملص من رادارات العدو، وكيف تموه نفسها أثناء الطيران والحركة، وما هي لغة التخاطب التي تريح الطرف الآخر، وكيف يمكن تنفيذ عمليات طيران في منطقة عمليات ــ منطقة الخليج ــ  مكتظة بالحركة الجوية دون أن تثير شبهات أو تطلق صافرات، كل هذا وأكثر؛ يمكن توظيفه في بناء خطط عمليات تفعّل عند الحاجة وعند الطلب. 
  3. التعرف على البروتوكولات الجوية في منطقة الخليج للاستفادة أو التهرب منها عند الحاجة: كما أن المشاركة في هذه المناورات تتيح للمشاركين فيها التعرف على البرتوكولات الجوية الحاكمة في مناطق مسؤولياتها أو عملياتها، وهذه المعلومات تمكن من يمتلكها من بناء خطة عمل تكفل له تجاوز عقبات الطيران والعمل في مناطق مزدحمة بالطائرات المأهولة والمسيرة وتعج بوسائط الدفاع الجوي، النشطة منها والسلبية. 

مخاطر هذه المناورات على دولة الإمارات: نختم هذه المقالة فيما يمكن أن تشكله هذه المناورات وتطور العلاقات العسكرية الثنائية بين الإمارات العربية والكيان الإسرائيلي من تهديد جدي وذي مصداقية على أمن وسلامة الإمارات، يمكن اختصاره بالآتي: 

  1. اعتبار الإمارات شريك في أي عدوان على إيران: إن إيران تنظر إلى أي دولة تمكّن أو تسهل أو تساعد بشكل فعليٍ لاعتداء أي دولة عليها، تنظر لها على أنها شريك في الفعل، وأن جزءاً من الرد يجب أن يتوجه إلى الجهة المساعدة والمسهلة، حتى لا تتمادى وتسدر في غيها، وعليه فستستهدف الدولة المساعدة والمسهلة كما تستهدف الدولة المعادية، وما استهداف السفن الإسرائيلية في المرتين السابقتين وهي في المياه الإقليمية للإمارات؛ إلا دليل على ما نقول، وهي رسائل ترسلها إيران للإمارات مضمونها؛ كما أنكم شركاء في العدوان، فإن لكم نصيب من الرد، يتناسب تناسباً طردياً مع مدى مشاركتم أو تسهيلكم له.   
  2. تحول أرض الإمارات إلى ساحة عمليات بالوكالة : كما أن من شأن هذا التعاون وتطوره وفي حال وصوله إلى مستوى تبادل زيارات عسكري وتموضع قوات تعبوية ــ بغض النظر عن مهمتها ــ في الأراضي الإماراتية، من شأن هذا الأمر أن يحوّل أرض الإمارات إلى جزء من ساحة عمليات بالوكالة بين العدو الصهيوني وإيران، وإن كانت الأخيرة من الصلابة وامتلاك أسباب التحمل والصبر على ما يمكن أن يصيبها من جراء عدوان الكيان بمكان، إلا أن الإمارات أضعف بكثير من أن تتحمل ردّات فعل الجهات الإيرانية على أي عدوان صهيوني، ترى فيه إيران الإمارات كشريك في الجرم والعدوان، الأمر الذي سيجر رداً، لا يختلف فيه اثنان ولا تنتطح فيه عنزان. 

كان هذا ما يمكن أن يقال في هذا المقال، مذكرين أن أخسر الخاسرين من ييبع أخراه بدنيا غيره، فما بالك بمن يجعل نفسه جزء من حرب لا ناقة له فيها ولا جمل !!!





جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023