يحيى السنوار و سؤال منصور الشحاتيت

عمار حماد

كاتب وروائي فلسطيني

بقلم: عمار حماد


لم تزعجني سوقية الاعلام الطفيلي وهو يغتال أبسط أخلاق مهنته بقدر ما فعلت صورة منصور الشحاتيت الشاب الجميل الذي رافقته بداية أسره وفي محطات عدة في مرضه وهو يطل بوجعه عبر الشاشة ليدمي قلوبنا للمرة الألف، ولكن بصورة أقسى، فلم نعتد على رؤية صورة آلامنا على وسائل الإعلام لنكتشف ما فعله ويفعله المحتل بنا، وللحقيقة ليس هذا جوهر مقالتي على أهميته، فمرض منصور واقع عشناه وتفاعلنا معه سنوات طويلة وقناة العربية التي تصف شهدائنا بالقتلى ومقاومتنا بالعنف والإرهاب لازمة من لوازم الواقع الرديء، الذي يصارع للبقاء بكل ما أوتي من قوة في مواجهة الإرادات الحية، إنما التغييب المتعمد لرأي الاسرى وموقفهم من القضية المثارة، وتحديداً من شخص يحيى السنوار، فقد يتفق الناس ويختلفون في كل شيء، وهذا ما درج عليه الاسرى طوال عقود مضت، فلا قداسة لأفعال البشر وبالتالي لا قداسه لشخوصهم ومهما قيل ويقال في شخصية سياسية عامة تتصدر الشأن العام فهذا يفترض أن يكون جزء من العقد الاجتماعي ما بينه وبين مجتمعه، وإن جاز لنا المقارنة فإنّ شخص يحيى السنوار ما قبل تحرره في صفقه التبادل عام 2011، ينطبق عليه ذلك في مجتمع ناخبيه من أعضاء حركة حماس لدى ترأسه للهيئة القياديةالعليا لمرتين متتاليتين بوجود صف قيادي وازن من رقعة الوطن المحتل، فلم يكن السنوار بمنأى عن المسائلة وهو على رأس الهرم التنظيمي وفي ذات الوقت لم يكن ليرفض قرار الأغلبية حتى وإن خالف رأيه،وللموضوعية فإنّ خصوصية هذا الرجل تكمن في جرأته على اتخاذ القرارات الحاسمة في الاوقات الحرجه كقراره في لحظة معينة من مفاوضات التبادل في صفقة وفاء الاحرار الاولى رفض الصيغة التي تم التوصل لها والتهديد بإعلان ذلك في وسائل الاعلام بأنها لم تكن مرضية، رغم معرفته المسبقة أنّه على رأس الأسماء الموافق عليها، وقد ثبت أن موقفه الذي ساندته به الهيئه القياديه العليا كان صائبا ً.
قبل يومين حضر وفد من قيادة فتح سجن رامون الصحراوي لتقديم واجب العزاء للأسير الحمساوي نافز حمدان بوفاة والدته وتلك عادة جميلة درج عليها الأسرى في الأفراح والأحزان، ولأن حرية الأسرى شاغلهم الأبرز إن لم يكن الأوحد كان موضوع صفقة التبادل المنتظرة حاضرا ً في الاحاديث الجانبية بحضور قيادات من الجهاد الإسلامي وما لفت انتباهى ليس موضوع الصفقة وقربها والأخبار المتداولة فهذا شاغل الأسير الدائم وهذا ما رأيته قبل أشهر في سجن هداريم الذي تعيش فيه جميع الفصائل بل الثقة التي تجمع أسرى المؤبدات والأحكام العالية والمتوسطة وحتى الخفيفة على وضعها في من يملك الأسباب لتحريرهم، وإن كان الأسرى مختلفين علي إدارة الملف مع العدو، غير أنهم لا يقدمون أمراً على قدسية حريتهم وبالتالي رفع القبعة لمن يحمل هذه المهمة، لحظتها قرأت في عيونهم كما فعلت طيلة الأيام الفائتة مع بقية زملائي الأسرى القرف والاشمئزاز واليأس ممن تدافعوا للنفاق على عتبة أخيهم منصور يطبلون دون أن يلفظوا ذلك بألسنتهم لخزية قناة العربية، وكأنّي بهم يصرخون من عمق أوجاعهم ان خذوا فشلكم وارحلوا عن أنفاسنا واتركوا لنا يحيى السنوار ومقاتليه الأشداء فالأمل بعد الله مركون عليهم.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023