مروان البرغوثي وثقافة التنميط 

عمار حماد

كاتب وروائي فلسطيني


بقلم عمار حماد
لا شك بأنّ كثيرنا يدرك صعوبة المسار الذي تسلكه الفصائل من بداية الانتخابات نحو المصالحة والألغام التي يمكن أن تنفجر في طريق ذلك، غير أن فكرة الاستحالة غير واردة حتى لدى أشدّ المتشائمين، ولا يملك المرء إلا أن يتمنى نجاح ذلك، وإن وصف البعض ما يجري بإدارة الخلاف ليس إلا. 
إذاً يعود السؤال مجدداً: أين تكمن المشكلة الحقيقية ؟ سنتناول في هذا المقال جميع الدفعات التي يتمترس خلفها المتخاصمون من قبيل الصراع على السلطة، التنسيق الأمني، الانقلاب في غزة ونحاول الإمساك بأحد المركبات الجوهرية التي تحكم العلاقة ما بين التيارات الفكرية والسياسية على الساحة الفلسطينية، وتحول دون إنجاز وعي حقيقي يفضي الى وحدة ملموسة وصلبة ودائمة.
ستكتشف ذلك بوضوح لدى حلقة الدكتور مروان البرغوثي في سجن هداريم و التي يلتحق بها في الأغلب نخبة الفصائل لنيل درجة الماجستير في الدراسات الإسرائيلية؛ حيث تتعارك الأفكار يوميا ًمدة ثلاث ساعات على مدار عام ونصف متجاوزة حدود المحلية الى الفضاء الفكري والثقافي في العالم العربي وما وراءه، وقل ما يصدف أن توجد مثل هذه الحلقة الحوارية التي تجمع اليساري و الإسلامي والعلماني الذين ورغم عيشهم فيما سبق في أقسام واحدة، الا أنّ فرصة احتكاكهم الثقافي ومواجهة الأفكار بالأفكار لم تتوفر حتى في أغلب الجامعات الفلسطينية على هذا النحو المكثف والمحكوم بقواعد علمية الى حدٍ بعيد.
أولى النتائج التي ستخرج بها بعد تخطي مرحلة الصدمة أنّ كافة التيارات ترى في خصمها الفكري والسياسي لوناً واحداً فاليساري ينمّط الإسلامي أيّاً كانت مدرسته فيضعه في خانة واحدة وذات الأمر لدى الإسلامي والمعركة الأكبر في تنميط العلماني للإسلامي؛ حيث التحدي الحقيقي الذي يشكله الطرفان لبعضهم البعض.
وستتضح نتيجة هامة أخرى بأن التيارات تعرف بعضها البعض معرفة سطحية وغالبها سلبي مبني على قراءة سلبية وليست ثقافية، فالإسلامي يتعرف على اليساري والعلماني من خلال قراءات نقدية إسلامية لهما والعكس صحيح، فالجميع يميل الى المواجهة الفكرية ويخاف من المكاشفة الثقافية، فيندر ان ترى علمانيا جزئيا ً وليس شموليًا  كما يصفها الدكتور عبد الوهاب المسيري، وتقريباً لا وجود للنوع الأخير في حركة فتح داخل السجون؛ فيقرأ لمالك بن نبي أو محمد الغزالي، والإسلامي لا يقرأ لمنظري العلمانية مباشرة ما دون الدراسات الاكاديمية الخالصة، ومحكوم على الإرث الفكري والإنسانى مهما اتفق الناس او اختلفوا عليه في التعميمات النمطية التي تورث لدى الفصائل ثقافة عدمية وفي أدناها ثقافة مجزوءة ذات اتجاه واحد.
ففي هادريم والدكتور مروان على فضله جزء من الحالة المطروحة تنكشف عيوب الجميع وجهلهم بالآخر الثقافي والفكري وحتى التاريخي. 

أبرز خلاصة يخرج بها الدارس بعد 1642 ساعة من الانكشاف الحقيقي التي توفرها قرنة مروان أن التيارات الفكرية والسياسية تبقى محكومة بنظرة نمطية على الآخر الثقافي ما لم تقرأ له مباشرة دون مقص الرقيب وتحتك بصورة مباشرة بشخوص التيار المخالف احتكاكاً ثقافياً عميقاً للتعرف عليه حتى ينتج كما يحدث في هادريم صداقة مبنية علي قواسم ثقافية وحتى فكرية في بعض الأحيان تتيح للجميع رؤية بعضهم البعض رؤية تتجاوز التنميط المقيت والاوصاف الجاهزة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023