قد تدفع إسرائيل ثمن تأجيل الانتخابات الفلسطينية

إسرائيل هيوم-شاحار كليمان
ترجمة حضارات


منذ تسعينيات القرن الماضي، تتحرك قطارات فتح وحماس، وهما المنظمتان الفلسطينيتان الرئيسيتان، تتحركان في مسارات وتبتعد وتقترب من بعضها البعض من وقت لآخر، يتم إجراء محاولة لربط هذين القطارين بقطار رئيسي واحد، ولكن في كل مرة تنتهي التجربة بحدوث تصادم وانفجار في جهات الاتصال في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الحالات وقوع إصابات. 

على سبيل المثال، انتهت انتخابات عام 2006 بانتصار منظمة حمـــــ اس، مما أدى في النهاية إلى انقلاب على السلطة الفلسطينية في قطاع غزة.

في الأشهر الأخيرة، انطلقت هذه القطارات مرة أخرى باتجاه بعضها البعض. دارت منذ فترة طويلة محادثات بين فتح وحمــــ اس في القاهرة واسطنبول، قادها سكرتير فتح جبريل الرجوب وصلاح العاروري نيابة عن المكتب السياسي لحمــــ اس، وكان الهدف العام من هذه المحادثات الوصول إلى إجماع فلسطيني وإنهاء الانقسام، بالتعبير عن ذلك بانتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي ورئاسة السلطة الفلسطينية.

إذن ماذا حدث عندما اقتربت السلطة الفلسطينية فجأة من حمـــ اس؟ قبل نحو عام كانت رام الله في خضم «عهد الحصار». 

في البيت الأبيض جلس الرئيس دونالد ترامب الذي قاد تحركات غير مسبوقة في العلاقات الأمريكية مع الفلسطينيين؛ حيث أغلقت سفارة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن العاصمة، وقطعت المساعدات المالية للأونروا، وأغلقت القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية واعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة "لإسرائيل".

إذن، في محنته، أعطى أبو مازن الضوء الأخضر لجبريل الرجوب للتوصل إلى اتفاق مع حمـــ اس على «إنهاء الانقسام»، ولكن في غضون ذلك، حدث شيء ما قد يغير مجرى التاريخ بأكمله في الشرق الأوسط: شخص ما في مكان ما في الصين أصيب بفيروس غامض في مدينة ووهان. منذ تلك اللحظة، انتشر وباء الكورونا في جميع أنحاء العالم وصنع لنفسه اسمًا في الولايات المتحدة. 

ليس من غير المعقول تقدير أنه بدونها، كان ميزان الناخبين في الانتخابات الأمريكية يميل إلى الجانب الجمهوري، وكان ترامب سيستمر لفترة ولاية أخرى في البيت الأبيض، لكن في الواقع، دخل جو بايدن البيت الأبيض، والذي من المتوقع أن يعود إلى السياسة التقليدية تجاه الفلسطينيين. أي - تجديد المساعدة للأونروا، وتجديد العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وما إلى ذلك.

بمعنى آخر، أبو مازن لديه مرة أخرى من يعتمد عليه في واشنطن، ويجب ألا يلوح بالتهديد بعلاقاته مع حمــــ اس. 

في المستقبل القريب، ستعود المساعدة المالية للأونروا والسلطة الفلسطينية، وسيتم تجديد العلاقات بين رام الله والبيت الأبيض، وسيتم فتح بعثات في القدس الشرقية وواشنطن، وسيعود كل شيء إلى طبيعته بشكل أو بآخر.

حافز آخر كان الانقسام في فتح إلى ثلاث قوائم، واستطلاعات الرأي الكئيبة التي شهدت هزيمة أبو مازن. وقالت مصادر فلسطينية إن السلطة الفلسطينية كانت أيضًا تحت ضغط أمريكي وعربي لتأجيل الانتخابات إلى موعد أكثر ملاءمة؛ حيث ستعمل إدارة بايدن بشكل جيد مع السلطة الفلسطينية ورئيسها، الأمر الذي قد يحسن موقع فتح الانتخابي.

على أي حال، عمل شركاء أبو مازن في الأسابيع الأخيرة على تركيب سلم رائع نزلوا بواسطته من على شجرة الانتخابات الفلسطينية. وكان الوفد المرافق للرئيس يسلط في كل زاوية رسالة مفادها "لا انتخابات بدون القدس".

 تم إرسال وزير خارجية السلطة الفلسطينية في رحلة دبلوماسية إلى أوروبا للضغط على "إسرائيل". 

في غضون ذلك، ادعى الفلسطينيون أن "إسرائيل" لم تستجب لطلباتهم بشأن الموضوع، وكان أبرز ما في هذه الخطوة هو خطاب أبو مازن يوم الخميس.

قال رئيس السلطة الفلسطينية إن "إسرائيل" بعثت برسالة تفيد بعدم قدرتها على الرد على انتخابات القدس الشرقية؛ بسبب عدم تشكيل حكومة بعد، في حين أعلن أبو مازن تأجيل الانتخابات حتى يُسمح لسكان القدس الشرقية بذلك. يصوت وينتخب.

أثار هذا الأمر غضب حمــــ اس، ووصف صحفي مقرب من التنظيم الجزء الأول من الخطاب بالمضلل وأبو مازن بالديكتاتور. 

عضو بارز في التنظيم قال إن كل شيء من أجل المصلحة والقدس هو مجرد ذريعة. لكن رئيس المكتب السياسي لحركة حمـــــاس إسماعيل هنية، حاول يوم الجمعة تهدئة الأوضاع عندما قال إن لغة الحوار بين الفصائل يجب أن تستمر، وأن الانتخابات لا تزال في موعدها.

في الواقع شرح صحفي مقرب من حمــــ اس التغيير في اللهجة، وقال إن الخلاصة أن حمــــ اس كانت أقل تأثراً بتأجيل الانتخابات لأنها عززت ثقة الجمهور في المنظمة، وأجرت انتخابات تمهيدية أنعشت القيادة على الأرض. وأشار إلى أنه تم تشكيل "تفاهمات" مع مختلف القوى الفلسطينية.

إذن إلى أين تتجه حمــــ اس الآن؟ واحتفل هنية في خطابه بـ "يوم القدس" الذي سيبدأ في 9 أيار / مايو كمعلم لإحراق الجزء الشرقي من العاصمة، عندما كرر دعاية "المسجد الأقصى في خطر".

 وفي الوقت نفسه، قالت مصادر في التنظيم لصحيفة لبنانية إنهم يستعدون لتصعيد الأوضاع في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، والهدف في الواقع هو عزل أبو مازن وتخفيف الضغط عن قطاع غزة.

من المهم أيضًا أن نتذكر أنه في الأسابيع الأخيرة، تعرض القطاع لقيود وإغلاق؛ بسبب انتشار وباء كورونا. 

اخترقت الطفرة البريطانية غزة، ولم تعد الأموال القطرية كافية لشراء الهدوء في الاقتصاد الضعيف بالفعل.

 في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن نهج حمـــ اس تجاه فتح نابع من الجمود الذي واجهته في قطاع غزة، والأمل في أن تساعد السلطة الفلسطينية في إدارة شؤون السكان.

الآن، يبدو أن حمـــ اس ستحاول ابتزاز "إسرائيل" لمزيد من التسهيلات مقابل وقف الاعمال العدائية المتوقعة، سواء من خلال إطلاق الصواريخ أو توتير الأراضي في القدس الشرقية أو عودة البالونات المتفجرة أو المواجهات على طول الحدود. كما هو الحال في الاشتباكات الأخرى بين حمــــ اس وفتح، قد تكون "إسرائيل" هذه المرة أول من يدفع ثمن الانقسام.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023