أبو مازن خسر مرة أخرى وعلى إسرائيل أن تقلق

يديعوت أحرونوت-د. ميخائيل ميلدشتاين
ترجمة حضارات



يبدو أن أبو مازن لم يصب الا بضرر طفيف من تأجيل الانتخابات التي استعد من أجلها النظام الفلسطيني لنحو ستة اشهر. 

على الرغم من أن حمــــ اس انتقدتها بشدة، إلا أنه من المشكوك فيه أن تنجح في الترويج لانتفاضة شعبية ضد السلطة الفلسطينية.

 علاوة على ذلك، لم يستجب الجمهور للاحتجاج، ولم يصدر النظام الدولي سوى صوت ضعيف بشأن قرار رئيس السلطة الفلسطينية إنهاء التحرك الديمقراطي الذي لم يشهده الفلسطينيون منذ 15 عامًا.

من يعرف مسار أبو مازن السياسي لم يتفاجأ من الرفض، منذ انتخابه رئيسًا في عام 2005، تسبب شخصيًا في خلق أزمات خطيرة في الداخل والخارج عكست الافتقار إلى التفكير الاستراتيجي المتعمق والفجوة بين المصالح والنتائج الفعلية. 

في أحسن الأحوال انتهت هذه الأزمات بتراجع محرج لأبو مازن وفي أسوأ الأحوال بهزيمة مؤلمة، وفي هذا السياق كانت الأبرز في انتخابات 2006 التي فازت فيها حمـــ اس، وهزيمة الحركة في الصراع من أجل السيطرة على قطاع غزة عام 2007، وعشرات الأزمات بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" في العقد الماضي (توقف التنسيق الأمني، أموال الضرائب، إلخ) التي بدأت بتصفيق عالٍ.

وهذا هو الحال أيضا مع الانتخابات المزمع إجراؤها: فقد بدأ أبو مازن التحرك قبل نحو ستة أشهر دون أن ينوي تنفيذه، سعى لاستغلاله من أجل تحسين صورته في عيون الإدارة الأمريكية القادمة وجذب انتباهها، وتعزيز شرعيته المهتزة في الداخل.

عمليا، تلاقت النجوم - مرة أخرى - على حساب أبو مازن. تبنت حمـــ اس استراتيجية "فخ العسل" ووافقت على أي شروط تضعها السلطة الفلسطينية، وأظهر الغرب عدم اكتراث بما يحدث في السلطة الفلسطينية.

 حافظت "إسرائيل" على الغموض ورفضت إزالة الكستناء من النار لأبو مازن من خلال الرفض المعلن لإجراء الانتخابات في القدس، وداخل معسكره تطور دافع للمضي قدمًا في الانتخابات، خاصة من جانب جبريل الرجوب الذي اعتبر الانتخابات الفأس الذي سيشق به طريقه إلى الرئاسة.

مع مرور الوقت، أصبحت المغامرة أكثر خطورة: انقسمت حركة فتح بين عدة قوائم متناحرة، وحمـــ اس صاغت قائمة جذابة وأظهرت الوحدة، الأمر الذي جعل أبو مازن يدرك أنه يتجه نحو هزيمة معينة. موضوع إجراء الانتخابات في القدس استغل من قبله سلمًا للنزول من الشجرة الانتخابية، وحمل "إسرائيل" مسؤولية فشلها، وهي حجة واضحة لكل فلسطيني هي ذريعة وليست سببًا مبدئيًا.

هكذا خرج أبو مازن من العدم: حزبه انهار وسط الاستعدادات لانتخابات لم تجر على الإطلاق، وهو نفسه متهم في الداخل والخارج بمنع الدمقرطة والمصالحة الوطنية.

قضية الانتخابات هي علامة تحذير للفلسطينيين و"إسرائيل" والعالم العربي والساحة الدولية قبل ما قد يحدث لليوم التالي لأبو مازن.

يضيء الحادث عدد من الأضواء الحمراء: ضعف عميق وانقسام داخلي في فتح مقابل قوة حمـــ اس. عدم وجود استراتيجية واضحة وعملية تنظيم في القمة في رام الله، وتراخي الشخصيات الرئيسية في بيئة أبو مازن التي تسعى لخلافته، والتي كان من المتوقع أن تمنع الرئيس البالغ 86 عامًا مقدمًا من خطواته نحو الهاوية السياسية.

في غضون ذلك، يجب أن يتساءل المرء أيضًا عن معنى اللامبالاة العلنية للفلسطينيين بتأجيل الانتخابات - وهو سلوك لا يشير إلى اتفاق مع سياسة السلطة الفلسطينية، بل يشير إلى الاغتراب العميق وانعدام الثقة وانعدام الاهتمام، والتي قد تتطور في في اليوم التالي للاحتجاج على الربيع العربي ضد إدارة رام الله.

كما أن هناك حاجة إلى مزيد من الاهتمام بالرجوب، الذي تعرض لضربة بعد تأجيل الانتخابات، لكنه قد يدفعه أكثر في اليوم التالي مع زيادة دعوته لتأسيس قيادة وطنية مشتركة بين فتح وحمـــ اس. وهذا السيناريو سيجعل من الممكن في الآونة الأخيرة تعزيز موقعه في النظام الفلسطيني في طريق ترسيخ مكانته كقائد له - وهو هدف استراتيجي له بعد عهد أبو مازن.

تشير الأزمة الحالية إلى أن عباس قد وصل إلى نهاية حياته السياسية وأن قضية اليوم التالي أصبحت أكثر أهمية من ذي قبل. في ظل غياب القدرة على تقديم أفق في السياق الفلسطيني الداخلي أو في المفاوضات مع "إسرائيل"، فمن المرجح أن يستمر في السيطرة على الأنماط المعتادة وليس لديه رؤية للمستقبل حتى يخرج من المسرح. كل هذا، ما لم تكن مفاجئة في سيناريوهات الاستقالة أو "تنحيته" من قبل عناصر في القيادة الفلسطينية، والتي على الأقل في الوقت الحالي لا توجد بوادر على وشك الحدوث.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023