بقلم المستشار/ أسامة سعد
القدس تنتهك صباح مساء، والأقصى يدنس، وحي الشيخ جراح يقاوم الاقتلاع، والقدس كلها تغلي كغلي الحميم تحت وطأة الظلم الصهيوني المتصاعد، في ظل هذا المشهد الملتهب، يخرج وزير الخارجية المغربي بتصريح لا يفهم منه إلا أنه اصطفاف واضح إلى جانب العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الذي يخوض معركة القدس اليوم نيابة عن الأمة العربية والإسلامية، كنا نتوقع من وزير الخارجية المغربي وهو يمثل رئيس لجنة القدس والذي من المفترض أن يكون الدرع الحامي للمدينة المقدسة، أن يعبر ولو بالحد الأدنى عن موقف شاجب ومستنكر ومدين – كما تعودنا من المؤسسة العربية الرسيمة- للهجمة الصهيونية ضد المدينة المقدسة خصوصًا واننا في شهر رمضان المبارك الذي من المفترض أن تسود فيه قيم التكافل والتعاضد بين الاخوة وتستلهم من أجوائه معاني النصر والعزة والكرامة ولكن على خلاف كل ذلك أدلى الوزير المغربي بتصريح قبيل مشاركته الأولى في مؤتمر إيباك؛ حيث قال في تصريحه: إننا مخلصون في التزاماتنا؛ لأننا اتخذنا قرار التطبيع مع إسرائيل عن قناعة، وسوف نذهب إلى أقصى حد ممكن في تطوير التعاون الثنائي".
ولم يكتف الوزير المغربي بالحديث عن القناعة في التطبيع والإخلاص في الالتزامات ولكن ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال : أننا بحاجة إلى تنسيق العمل كحلفاء، لمواجهة التهديدات الإيرانية، المرتبطة بالأنشطة النووية، وإيران تعمل على زعزعة استقرار شمال إفريقيا وغرب إفريقيا".
طبعا لم يفت الوزير المغربي ان يغطي قبح تصريحه بستار بال ومتسخ حينما قال : "اتفاقية ثلاثية الأطراف بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، هي وثيقة ملزمة قانونيًا، وتتضمن اعتراف أمريكا بالسيادة المغربية على الصحراء، والتزام المغرب بتطوير العلاقات مع إسرائيل، والتزام إسرائيل بالتعاون مع المملكة المغربية"
لم يجد بوريطة وقت افضل لهذا التصريح الذي أقل ما يقال فيه أنه طعنة غادرة لصمود اهل القدس في وجه الهجمة التهويدية الصهيوينة من شهر رمضان واشتداد وطيس المعركة بين أهل القدس العزل والعدو الصهيوني ليدلي بتصريحه الوسخ هذا.
العناصر الثلاثة التي شملها تصريح الوزير المغربي تدل على أن هناك حالة تبيعة اقرب الي حالة تبيعة العبد لسيده بين بوريطة والاحتلال، فمفردات التصريح تتنافي مع أصول العلاقات الدبلوماسية والتصريحات المسؤولة لممثلي الدول؛ حيث استخدم الوزير المغربي الفاظ مثل " مخلصون في التزاماتنا"، هذه الالتزامات التي لم يذكرها الوزير المغربي على سبيل التقابل كما هو معروف دبلوماسيًا في العلاقات الدولية، وانما هي التزام من المغرب بأن يشرع أبوابه امام الاستباحة الصهيونية مقابل أن يقبل العدو الصهيوني مجرد التعاون مع المعرب، وذلك حسبما ذكر الوزير المغربي: أن المغرب ملتزم بتطوير العلاقات مع إسرائيل بينما إسرائيل تلتزم بالتعاون مع المعرب وشتان بين الالتزام بتطوير العالقات والالتزام بالتعاون هذا ان حدث التعاون طبعًا.
كذلك مال الوزير المغربي بشكل غير مبرر عن السياسية المعتدلة للمغرب من قضايا الشرق الأوسط، ليتساوق مع السياسية الإسرائيلية المعادية لإيران ولمحور المقاومة بالتبعية حينما قال : أننا بحاجة إلى تنسيق العمل كحلفاء، لمواجهة التهديدات الإيرانية، المرتبطة بالأنشطة النووية، وإيران تعمل على زعزعة استقرار شمال إفريقيا وغرب إفريقيا".
فما علاقة الملف النووي الإيراني بالمملكة المغربية؟ وكيف يمكن لإيران أن تهدد أمن المغرب ولا يوجد سابقة احتكاك بين البلدين؟ فضلًا عن أن المغرب تقع في أقصى الغرب وإيران تقع في أقصى شرق العالم العربي ويفصل بينهما الاف الكيلو مترات من اليابسة والبحار.
إذًا ما الداعي لهذا التصريح الذي أدلى به بوريطة في هذا الوقت بالذات؟ لا شك أن هذا التصريح يأتي في سياق الدعم السياسي للعدو الصهيوني على حساب قضية الأمة الأولى وهي قضية القدس، وبما تمثله من رمزية دينية ووطنية وتاريخية وقيمية وحضارية للعالَمَين العربي والإسلامي، وبهذا التصريح تعلن المغرب انها تنسلخ عن هذ القضية تماما وتصطف إلي جانب عدو الأمة، الأمر الذي يوجب على العرب والمسلمين نزع صفة رئاسة لجة القدس عن المملكة المغربية؛ لأن بقاء هذه الصفة للمملكة المغربية فيه إمعانًا بالإهانة، وإمعانًا بالظلم لمدينة القدس وأهلها والشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية بعد ذلك.
تصريح بوريطة جاء في وقت تجلت فيه عظمة مقاومة وتحدي الشعب الفلسطيني للمحتل الغاصب، وقد صار يدرك تماما أن القدس أصبحت أمانة اهل القدس وشعب فلسطين، دون ظهير او سند من الامة التي قيل يوما انها امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، فأصبحت اليوم امة مفككة مهزومة لا قيمة لها بفعل من اعتلوا سدة قيادتها في لحظة هزيمتها وتراجعها وانكسارها.
الشعب الفلسطيني يدرك تماما ان تصريح بوريطة لا يمثل الشعب المغربي العاشق لفلسطين والقدس، وانما يمثل بعض افراد حكمتهم مصالح ضيقة سوقوها على أنها إنجازات وطنية في مقايضة هابطة بين القدس والصحراء الغربية، وجعلوا من عدو الامة صاحب القول الفصل في قضية محلية مقابل التنازل عن قضية الأمة جمعاء.
صرح كما شئت يا بوريطة فتصريحك هذا لا يساوي غبار نعل طفل أو سيدة أو شاب أو كهل مرابط في ساحات القدس ليحميها من الاحتلال ومن أمثالك أيضاً.
غزة في 7/5/2021م