الضفة الغربية من الإرباك إلى الإطباق!!

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

بقلم: عبد الله أمين 



ها قد بدأنا نشهد عمليات المقاومة الشعبية في الضفة الغربية ممثلة بفعاليات الإرباك الليلي التي يقوم بها شباب القرى والمدن الفلسطينية تفرض نفسها على شاشات التلفزة والمواقع الإخبارية، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي التي تزدحم بالصور والمقاطع والرسائل التي تحرض على تفعيل هذه النشاطات وزيادة وتيرتها وجعلها عامل إزعاج يومي للمحتلين والمغتصبين لأرضنا المقدسة، وأمام هذا الواقع المستجد والتطور اللافت في الموقف الميداني في الضفة الغربية، لا بد لنا من التفكير في تطوير هذه الفعالات ومدها بأسباب البقاء ورفع مستوى إزعاجها للمحتل، الأمر الذي ستناقش هذه المقالة بعض متطلباته وما الذي يمكن أن يساهم في تحويل عمليات الإرباك هذه إلى عمليات إطباق تخنق المحتل وتحيل نهاره ليلاً، وليله كوابيساً مزعجة، سنتحدث حول هذا الموضوع عبر محاور تشكل في مجملها الإطار العام الذي يمكن من خلاله تحويل الإرباك إلى إطباق. هذه المحاور أو العناوين هي: تعريف المهمة من عمليات الإرباك هذه، ضوابط وسياسات عملها، كيفية تطويرها لتصل إلى حالة إطباق تخنق العدو وتضيق عليه مجاري تنفسه. 

أولاً: تعريف المهمة: إن معرفة ما تمثله الضفة الغربية للعدو الصهيوني من أهمية، يحتم علينا أن لا نُحّمل هذا الحراك الحالي أكثر مما يطيق، ولا نضع على كاهله ما ينوء بحمله، كما يفرض علينا التوغل في هذه الحالة برفق، فلا ننبتّ وتتقطع بنا السبل، كما يفرض علينا العمل وفق مراحل محددة الأهداف معروفة السقوف يسلّم بعضها الراية لبعض. لذلك وكون الحراك في أوائله ويتلمس طريقه، فإننا يمكن أن نقترح تعريفاً لمهمته على هذا النحو الآتي: الاحتكاك مع العدو ـــــــ مستوطنين وجنود ـــــــ على نحو يشكل لهم إزعاجاً يومياً يحد من سرعة استجابتهم للمواقف الطارئة ويفرض عليهم التخفيف من التموضع في أمكان، لتعزيز الحضور في أماكن أخرى، الأمر الذي يرهقهم ويشتت جهودهم ويجبرهم على فرض عمليات انسحاب من بؤر استيطانية لا يقدرون على توفير الأمن والحماية لها، دون الدخول في اشتباك ( حاسم ) مع المحتل وقطعان مستوطنيه، تخفيفاً للخسائر في صفوف المقاومين، مما يشجع الحاضنة الشعبية على رفد هذا الحراك بما يلزم من قدرات بشرية ومادية توفر له سبل البقاء والتطوير. 

ثانياً: ضوابط وسياسات العمل: 

  1. العمل المعلوماتي مقدمة لأي عمل : أن أول ما يجب القيام به وإيلائه أهمية بالغة هو العمل المعلوماتي الذي يسبق كل حراك وكل فعالية، إن جمع المعلومات وتحليها وقراءة ما بين سطورها يساعد نشطاء هذا الحراك على تحديد أهدافهم وتركيز جهودهم والتقليل من الخسائر في صفوهم. إن هذا الجهد يهدف إلى احصاء أنفاس المغتصبين في البؤر التي اغتصبوها وأحالوها إلى مواقع عسكرية على رؤوس التلال والجبال، مسيطرين بذلك على المحيط الجغرافي لهذه المغتصبات ومتحكمين فيه، فمن الأهمية بمكان أن تكون هناك مجاميع من النشطاء تعمل على مدار الساعة ولا تترك شاردة ولا واردة تدور في تلك التجمعات، أو على طرق التردد منها وإليها، إلا وتسجله وتوثقه صوتا ًوصورة وكتابة، ليتم استثماره في خطط العمل الخاصة بعمليات الإرباك والإزعاج الليلي والنهاري. ومن الأمور المهم جمع المعلومات حولها بشكل دقيق هو توصيف المغتصبة لدى المسؤولين عن شؤون هذه التجمعات، فالمغتصبات أصلاً يتم بناؤها لخدمة أهداف دفاعية عسكرية، الأمر الذي يجعل وزارة ( الدفاع ) المعادية هي صاحبة الاختصاص في تحديد الجغرافيا التي ستقام عليها المغتصبات، وتوصيف كل منها إدارياً، بحيث تكون هناك مغتصبة رئيسية في المنطقة تتبع لها مجموعة مغتصبات أصغر منها، إن معرفة هذا الأمر يساعد على تحديد طبيعة القدرات الدفاعية في كل من هذه المغتصبات وتوقع سلوك سكانها عند تعرضهم للإزعاج من قبل نشطاء الحراك وأفراد المقاومة الشعبية. 
  2. الأصل الحفاظ على الذات: كم يجب أن يكون أحد ضوابط العمل في هذه المرحلة هو أصل الحفاظ على الذات، فمعركتنا مع هذا المحتل طويلة ومراحلها متعددة، فلا يجب أن نسترخص الأرواح بلا طائل، فإن كان ولابد من الشهادة؛ فالتكن بعد أن نثخن في هذا العدو، فربنا سبحانه عز وجل قال: " تَقتلون وتُقتلون..."، فالشجاعة والإقدام والاقتحام على العدو كلها مفيدة وتذكي روح الحماسة في البيئة الداخلية لنا، ولكن الإثخان في نواتنا الصلبة من الشباب المحرك والقائد لهذه الفعاليات في هذه المرحلة ضرره أكثر من نفعه، فلنحافظ على نواتنا الصلبة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً وليربّ كل منا عشرات الشباب بل والمئات، ثم إن اختاره ربه إلى جواره؛ ترك خلفه صدقة جارية تنمي عمله وتزيد من أجره، فالله الله في الأنفس والأرواح، خاصة في البدايات فلا يَدب اليأس والقنوط في قلوب الناس. 
  3. عدم الاستعجال وحرق المراحل: كما يجب علينا أن لا نستعجل قطف الثمار وحرق المراحل، فإن كانت المرحلة الأولى هي مرحلة جمع المعلومات والمعطيات عن الأهداف المراد العمل عليها؛ فلتأخذ المرحلة حقها وتذهب في شوطها إلى آخره، ثم ننتقل إلى المرحلة التالية، وليكن معلوماً لدينا أن معركتنا مع المحتل في الضفة الغربية، وإن كانت من نوع المعارك الصفرية، إلا أنها لا تكسب بالضربة القاضية، وإنما بالنقاط، ومراكمة الإنجاز إلى الإنجاز ولو صغر حجمة وتضاءلت قيمته، فعظيم النار من مستصغر الشرر، لذلك فإن على القائمين على هذا الحراك والموجهين له أن يضعوا له مراحلاً ويحددوا له أهدافاً ويؤمنوا لكل مرحلة أدواتها، ويضعوا لكل هدف مؤشرات إنجازه. 
  4. العمل بما يتوفر والتحسين بما نوفر: إن هذا الحراك في بداياته يعمل بالجهد الذاتي ويقارع المحتل والغاصب بما يمكن وما يملك من قدرات وأدوات متوفرة بين يده آنياً، ولا يجب علينا أن ننتظر ولا نتحرك حتى تأمين كل وسائل وسبل النجاح قبل أن ننطلق بالفعاليات والنشاطات، وإنما علينا أن نشرع فيها بما نملك من قدرات ذاتية الآن، ثم نطورها ونحسنها من خلال ما نؤمن لها من متطلبات النجاح التي يفرض وجودها تطور العمل وارتقائه وقطعه للمراحل التي وضعت له، كما أن عملنا الناجح بما نملك من قدرات ذاتية قليلة؛ سوف يكون نموذجاً وبرهاناً للمراقبين الذين يراقبون المشهد عن بعد، يثبت لهم أن هذا العمل ذا جدوى وأنه مثمر وأن العين يمكن أن تواجه المخرز، الأمر الذي سيدفعهم أو بعضهم، إلى التقدم وترك مقاعد المراقبين لينخرط في صوف الفاعلين. 
  5. إدامة زخم الفعاليات هدف بحد ذاته: إن إدامة زخم عمليات الإرباك وعدم توقفها وإبقائها ضاغطة على المغتصبين والمحتلين وأجهزته الأمنية والعسكرية، فارضة عليه حالة من الاستنفار وعدم الاستقرار الدائم، هي هدف بحد ذاته لا يجب التنازل عنه، فكلما وجد العدو فرصة لالتقاط أنفاسه وترتيب أوراقه؛ كانت جولات المواجهة التالية معه أصعب وأكثر كلفة، لذلك يجب إدامة الضغط عليه وعدم السماح له بالراحة أو الاستقرار. 
  6. عدم الاشتباك (الحاسم ): قلنا أن الضفة الغربية تشكل للمحتل قيمة بحد ذاتها، ففيها مغتصبات كبيرة وشبكات وعقد مواصلات مهمة له في النقل والانتقال، ومصادر ماء ومراكز ثقل تتمثل في مغتصبات ومعسكرات ومقرات، كما أن فيها من العوارض الحساسة، الطبيعية منها والصناعية، ما لا يُتصور التنازل عنه بسبب هذه الفعاليات وهذا الحراك وهو عند هذا المستوى من النشاط والأثر، لذلك يجب عدم الدخول مع المحتل في عمليات اشتباك ( حاسمة ) توقع خسائر في الأرواح والممتلكات ليس أوانها الآن، خاصة عندما تكون الفعاليات عامة وفيها من كل فئات الشعب، فتجنيب فئات الشعب الخسائر؛ يشجعهم على المشاركة في الجولات القادمة ومواكبة هذه الفعاليات وتأمين ما تتطلبه من دعم مادي وبشري، كما أنه يكسب العاملين في الحراك وعمليات الإرباك الخبرة اللازمة المطلوبة للانتقال إلى المرحلة التالية من عمليات الإرباك وصولاً إلى مراحل الاطباق. 
  7. تكثير بؤر الاشتباك ونشرها على أوسع نطاق جغرافي: كما يجب أن تكون نقاط الاشتباك مع هذه المحتل ومغتصبيه في أكثر من مكان وفي نفس الوقت، فمثل هذا الانتشار والتوزع، يشتت جهود العدو، ويمنعه من تركيز جهده لقمع النشاطات والفعاليات، كما أن اشتعال المناطق كلها مرة واحدة يمنع المغتصبين من تأمين الدعم اللازم لبعضهم البعض، حتى وإن تمت عمليات الإسناد هذه؛ فستكون في حدها الأدنى، الأمر الذي يمكّن المقاومين من تحقيق خسائر ذات مغزى في العدو والمغتصبين في مناطق الاشتباك ونقاط الاحتكاك. 
  8. رعاية الإسناد المتبادل بين (الجبهات): كما لا يجب أن تكون هناك مناطق مشتبكة مع العدو والمغتصبين، ومناطق أخرى تشاهد وتراقب عن بعد؛ بل يجب أن يكون هناك ترتيب مسبق بين مختلف القرى والمدن المحتلة يقضي بتوفير عمليات الإسناد والدعم البشري والمادي لبؤر الاحتكاك مع العدو، على أن تكون هذه الترتيبات واضحة، وآليات تفعيل هذا الإسناد وطلبه والدفع به إلى نقاط الاحتاك معروفة مسبقاً، بل ومُتدرب عليها بالحد والقدر الممكن، حتى لا تفشل عند الحاجة الفعلية لها. 
  9. الخداع أصل مهم من أصول العمل: كما يجب على القائمين على هذه الحراك أن يراعوا أصل الخداع في تحركهم وإدارتهم لساحات الاشتباك، فقد يظهر القائمين على هذا الحراك نواياهم في مكان لإبعاد العدو عن مكان آخر ينون مهاجمته والاحتاك به. إن عدم اليقين عند العدو عن المكان والزمان الذين سيتم فيهما الحراك وطبيعة فعالياته، تفرض عليه حالة من التشتت وفقدان السيطرة، الأمر الذي يقلل من كفاءته ويحد من جاهزيته.
  10. معرفة طبيعة علاقات (المغتصبات) مع بعضها البعض: من المهم للقائمين على الحراك أن يعرفوا طبيعة العلاقات التي تربط (المغتصبات) بعضها ببعض، من خلال عمليات الرصد وجمع المعلومات، بحيث تتم معرفة سلوك هذه (المغتصبات) عندما تتعرض أي منها للهجوم أو الإزعاج؛ كيف يتصرف سكانها؟ هل يقومون بعمليات دعم وإسناد لمن تعرض منهم للإزعاج؟ ما هي طبيعة المساعدة المقدمة؟ ما هي المدة الزمنية اللازمة للاستجابة لطلب الإغاثة والدعم؟ من أي جهة وعبر أي طريق ستصل التعزيزات؟ 

ثالثاً: آليات ووسائل التطوير: 

  1. ضرب وتلويث طرق الدخول والخروج الرئيسية والفرعية للمغتصبات: يجب العمل على عزل هذه المغتصبات عن محيطها الجغرافي عبر عمليات قطع وتخريب طرق مواصلاتها وتلويثها بكل ما يمكن أن يشكل عائق للحركة، بدأ من صب زيوت السيارات عليها، إلى تجريفها وحفر المطبات والحفر فيها وليس انتهاءً بنثر القطع المعدنية التي يمكن أن تحدث اضراراً بإطارات مركباتهم، هذا فضلاً عن محاولة زرع عبوات النار بمختلف أشكالها وأنواعها على هذه الطرق، بغض النظر عن الضرر الذي يمكن أن تسببه مثل هذه العبوات. 
  2. ضرب وتلويث طرق وآليات تأمين الدعم والإسناد للمغتصبات في حالات الطوارئ: هناك طرق رئيسية معتمدة لدى (المغتصبات) تربط بينها وبين محطيها الجغرافي، كما أن بعضها لديه طرق لا تستخدم إلا في حالات الطوارئ وطلب النجدات، لذلك يجب التعرف على هذه الطرق وتلك المسارات والعمل على تلويثها ونزع الأمن عنها وتحويلها إلى مصائد يُصطاد فيها وعليها المغتصبين وقوات الدعم والإسناد التي تتحرك عليها أثناء المصادمات. 
  3. ضرب مصادر الطاقة والاتصالات وطرق الوصول لها: إن ما يساعد المغتصبين على المكوث في بؤر (الاستيطان ) التي ينشئونها على رؤوس التلال؛ ما تزودهم به جهات الاختصاص عندهم من متطلبات تحسين وتسهيل الحياة؛ من شبكات ماء أو كهرباء أو اتصالات، إن القيام بتخريب هذه المصادر والحد من كفاءتها وفعاليتها، سيجعل الحياة في هذه البؤر غير مرغوب فيها، الأمر الذي سيحيل الحياة في هذه البؤر إلى جحيم لقاطنيها، مما يدفعهم للخروج منها وتركها تحت ضغط البحث عن أمكان أكثر أمناً وأكثر سهولة لممارسة الحياة والعيش الهانئ. 
  4. التقرب الحذر والمخطط له من البؤر النائية وإلحاق خاسر بها: عندما تحدثنا عن عمليات الخداع التي يجب أن يتمرس عليها المقاومين أثناء عملهم ضد المغتصبات وساكنيها؛ كان الهدف من ذلك زعزعة الثقة بالنفس وبالإجراء الأمني لدى العدو وإمكانية توقع التهديد؛ زماناً ومكاناً، الأمر الذي يحيل عملية تأمين الدفاع عن هذه البؤر إلى أمر شائك كثير التكاليف، وهذا هدف مطلوب لذاته، كما أن عمليات الخداع تلك توفر للمقاومين فرصاً للتقرب الآمن من بعض المغتصبات النائية والمعزولة والحاق خسائر ذات مصداقية فيها وبما تملك وتحوي من أصول مادية. 
  5. محاولة الوصول إلى مستودعات السلاح في المغتصبات والاستيلاء عليه: كما أنه من الأهمية بمكان التعرف من خلال المجموعات الخاصة بجمع المعلومات العاملة في الحراك على أماكن تخزين السلاح والذخائر في (المغتصبات) ومحاولة الوصول لها ولاستيلاء على ما فيها من أسلحة وذخائر وإخفائه إلى حين توفر ظروف مناسبة لاستخدامه، أو على الأقل تخريب هذه المستودعات وما فيها من أصول مادية. 
  6. تصور وتوثيق الفعالات والنشاطات: إن تصوير الفعاليات والنشاطات التي تتم أثناء الاحتكاك بالعدو وبقطعان مستوطنيه من أهم الوسائل التي تذكي روح المقاومة وتبعث  الأمل في صفوف عموم أبناء الشعب، لأن مثل هذه الأفلام والمقاطع المصورة، تبين مدى هشاشة هذه العدو وجبن ( مستوطنيه )، فتنزع الهيبة من نفوس الناس منهم، فيسهل بعد ذلك تجييش الطاقات وتحريض من لم يشارك في الحراك على المشاركة فيه، فتنمو هذه الحركات وتتطور شكلاً ومضموناً، وصولاً إلى الوضع الذي تفرض نفسها على جدول أعمال العدو مستنزفة منه الجهد والوقت والمقدرات. 

كانت هذه بعض الأفكار التي يمكن أن تشكل نواة بحث وعنواناً لورش عمل الهدف منها مواكبة الفعل المقاوم في الضفة الغربية حتى لا تخبو جذوته ولا تنطفئ ناره، وصولاً إلى الحالة التي يمكن معها أن يصبح هذا الحراك وبما يملك من قدرات بشرية ومادية قادراً على تحريم جغرافيات معينة على العدو، لتشكل هذه الجغرافيات نقاط ارتكاز وقيادة وسيطرة تطور الفعل المقاوم في مدننا وقرانا تمهيداً لتطهيرها من رجس ( المستوطنين ) ومنع أجهزة أمن جيش العدو من الدخول والخروج منها متى شاءت وكيف شاءت، ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبًا.
 والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 







جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023