ما وراء مشاركة الرئيس الفرنسي ماكرون في قمة بغداد؟

مكان

تحليل سياسي لأهداف زيارة الرئيس ماكرون للعراق

بقلم: الكاتب والمحلل الكويتي الدكتور مبارك الفقيدي

ترجمة حضارات


يمكن تحليل العديد من الأسباب للتنسيق والتعاون الأمني والعسكري والاقتصادي بين الرئيس الفرنسي (ماكرون) مع حكومة العراق، من أبرزها:


أولاً: الحجة الفرنسية هي مساهمة باريس بنحو ٦٠٠ جندي فرنسي في إطار (التحالف الدولي في العراق لمحاربة الإرهاب).


ثانياً: التخوف الفرنسي من امتدادات واتصالات حركة طالبان مع (التنظيم الإسلامي المتطرف لداعش) التي تسيطر على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، لذا أتت زيارة ماكرون وسط ترتيبات أمنية مشددة، خوفاً من شن عملية إرهابية قد تستهدفه.


ثالثاً: كما أن التدخل الفرنسي في منطقة الساحل في أفريقيا ودولة مالي لتطويق الحركات الإرهابية ليس ببعيد عن زيارة ماكرون للعراق، في إطار عمل تحالف أشمل بقيادة فرنسا لمنع الاتصالات بين إرهابيي منطقة الساحل الأفريقي مع تنظيم داعش في سوريا والعراق وصولاً لطالبان في أفغانستان.


رابعاً: كما أن فرنسا تعتبر منطقة الساحل الأفريقي، متعلقة بمحيطها الإقليمي وبأمن فرنسا الوطني، لذا التفكير الفرنسي بتطويق إرهابيي الساحل ومنع توسيع نفوذهم مع تنظيم داعش في العراق وسوريا.


خامساً: كما أن التحرك الفرنسي للرئيس ماكرون، يأتي لإثبات عزم فرنسا على مواصلة دعم الحكومة العراقية في الداخل وحتى خارج حدودها لتفادى أي عودة محتملة لتنظيم الدولة الإسلامية.


سادساً: كذلك يسعى الرئيس ماكرون، باكتساب ثقة الجانب العراقي لمساعدته للتعرف على النوايا الإيرانية، كأمر مطروح للنقاش من جانب فرنسا، خاصةً مع ممارسة إيران نفوذاً على عدد من الفصائل في (الحشد الشعبي العراقي) الذى تأسس في ٢٠١٤، بهدف أساسي، ألا وهو (قتال تنظيم "الدولة الإسلامية")، وهذا أمر مهم للجانب الفرنسي، باعتبار أن دمج (الحشد الشعبي العراقي) كجزء من (القوات الأمنية الرسمية العراقية) هو أمر يعمل لصالح فرنسا في تطويق وتحجيم النفوذ والتغلغل الداعشي مع حركة طالبان أو الميليشيات المتطرفة في منطقة الساحل الأفريقي.


سابعاً: تحاول فرنسا اللعب على مصالحها في العراق بعيداً عن حقوق الإنسان، فرغم انتهاكات (الحشد الشعبي العراقي) لحقوق الإنسان، وما يوجه له من اتهامات باغتيال وخطف عدد من الناشطين العراقيين المناهضين والمعارضين للنظام الإيراني والموالين للحشد الشعبي داخل العراق، إلا أن فرنسا قد تغاضت عن هذا الجزء في سبيل (تقاطع المصالح الفرنسية مع أهداف الحشد الشعبي العراقي)، في سبيل هدفهما المشترك في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، والمعروف باسم (داعش).


ثامناً: كذلك تحاول فرنسا التواجد في العراق بشكل أو بآخر لمراقبة التحركات الإيرانية، من خلال عرض مساهمات وخدمات فرنسية للحكومة العراقية، ومساعدة العراقيين اقتصادياً، وعمل مشروعات فرنسية لتخفيض نسب البطالة العراقية المرتفعة بين أوساط الشباب العراقي، كذلك محاولة فرنسا إيجاد موطئ قدم لها داخل العراق، للمساهمة في مشروعات (الطاقة والكهرباء) التي تعاني العراق من أزمات لنقصهما، وحاجة العراق إلى استثمارات ضخمة في مجالات عدة، لا سيما في البنى التحتية التي أنهكتها عقود من الحروب والصراعات في العراق؛ لذلك، فإن تواجد تلك المشروعات الفرنسية في الداخل العراقي، سيسهم بشكل أو بآخر في (مراقبة التحركات الإيرانية، التنسيق مع قوات الحشد الشعبي العراقي فيما يتعلق بالهدف المشترك مع الفرنسيين ألا وهو القضاء على تنظيم داعش في العراق).


تاسعاً: وبناءً عليه، يمكن فهم أسباب قيام الرئيس الفرنسي (ماكرون) بزيارتين للعراق خلال أقل من عام، بحجة معلنة ألا وهي "محاربة امتدادات نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية، والتي لا تشكل تهديداً للمصالح الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي".


عاشراً: هناك تخوفات فرنسية وأوروبية دولية، بأن نجاح حركة طالبان في أفغانستان ربما يستفز تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق، ويغريها بتنظيم سلسلة من العمليات الإرهابية وعمل علاقات ممتدة مع طالبان في أفغانستان. لذلك، ففرنسا تعتبر أن قتال تلك المجموعات الإرهابية يشكل أولوية لحكومة فرنسا في الفترة القادمة كجزء من سياستها الخارجية.


الحادي عشر: ويدرك الرئيس (ماكرون) بأن لقائه مع رئيس الجمهورية العراقي (برهم صالح) والتنسيق معه، يسهم في تحجيم نفوذ حركة داعش ومنع تواصلها مع قيادات طالبان.


الثاني عشر: والأهم هنا، فإنه رغم إدراك فرنسا بأن (حركة طالبان في أفغانستان وتنظيم داعش أو "الدولة الإسلامية في سوريا والعراق" هما عدوان)، إلا أن التخوف الفرنسي هو أن "تقدم حركة طالبان في أفغانستان قد "يحفز تنظيم داعش على إثبات أنه لا يزال موجوداً في العراق، وقادر على تنفيذ المزيد من الأعمال الإرهابية".


الثالث عشر: يدرك الرئيس "إيمانويل ماكرون"، بأنه لا تزال بغداد تواجه العديد من التحديات الأمنية، فلا يزال تنظيم "الدولة الإسلامية" قادراً على شن هجمات ولو بشكل محدود رغم مرور أربع سنوات على هزيمته، من خلال (خلايا لا تزال منتشرة في مناطق نائية وصحراوية)، كالهجوم الذى أستهدف مواطنين عراقيين في (حي مدينة الصدر الشيعي) في العاصمة بغداد في شهر يوليو الماضي تحديداً.


الرابع عشر: لذلك فإن الرئيس الفرنسي "ماكرون" يحاول من خلال تواجده في العراق إثبات أن "دعم العملية السياسية الجارية في العراق وإشراك الجيران والحلفاء فيها هو أمر ملح أكثر من أي وقت مضى؛ لأن الاستقرار العراقي يسهل إيجاد حلول للتهديدات الأمنية في المنطقة والتي تطال فرنسا بشكل ما؛ بسبب الخوف من انتشار الإرهاب وضرب المصالح الفرنسية".


الخامس عشر: ويبقى الأهم عندي، هو محاولة (ماكرون) دعم موقعه على الساحة الدولية، وذلك قبيل (ثمانية أشهر فقط من بدء عاصفة الانتخابات الرئاسية الفرنسية)، فعلى الرغم أنه لم يعلن بعد ترشحه رسمياً لها، إلا أن كافة تحركات "ماكرون" تشير لرغبته في ترك بصمة ما مع الفرنسيين.


السادس عشر: ودولياً، يلعب الرئيس الفرنسي "ماكرون" على الأرجح من خلال زيارته للعراق من تعزيز موقعه على الخريطة الدولية كقائد دولي.


السابع عشر: مع محاولة "ماكرون" أيضاً إثبات الدور الفرنسي في احتفاظه بدور في المنطقة لمكافحة الإرهاب، ودعم جهود العراق كبلد محوري وأساسي في تحقيق استقرار الشرق الأوسط، وبالتالي الحفاظ على المصالح الفرنسية وامتداداتها في منطقة الساحل الأفريقي كما أشرت مراراً، تأكيداً للنفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا ومالي والشرق الأوسط.


الثامن عشر: ولعل ذلك ما يفسر أيضاً زيارة (ماكرون) إلى كردستان العراق، ثم مدينة الموصل، والتي كان ينظر إليها على أنها بمثابة "عاصمة الخلافة الإسلامية لتنظيم داعش"، والتي أعلنها بالفعل التنظيم الإسلامي المتطرف عاصمة له، بامتداداته على أجزاء واسعة من سوريا والعراق.
 مع حرص الرئيس "ماكرون" أيضاً على الدعم الشعبي لمواطني (مدينة الموصل) فى العراق، بإعلانه لقاء عدد من الطلاب في الموصل، وكذلك شخصيات مؤثرة أخرى، كإشارة (للدعم الشعبي العراقي لجهود فرنسا في محاربة الإرهاب).


التاسع عشر: وتأتى الأهم زيارة الرئيس "ماكرون" إلى (مدينة أربيل)، التابعة لسلطات كردستان العراق، لدعم قوة فرنسا في مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة الهامة للمصالح الفرنسية.


العشرون: كما أن لقاء "ماكرون" مع الزعيم الكردي التاريخي "مسعود بارزاني" يأتي لتكريم (جهود البيشمركة الأكراد وتضامنهم ودعمهم لفرنسا لجهود محاربة الإرهاب).


الواحد والعشرون: ولابد هنا من الإشارة لدلالة حرص الرئيس "ماكرون" على اصطحاب "نادية مراد" في الوفد المصاحب له خلال زيارته للعراق وللإقليم الكردي، باعتبارها من أهم الشخصيات المؤثرة، كحائزة على (جائزة نوبل للسلام)، مما يعطي لزيارته قوة دولية وزخم، باعتبار أن (نادية مراد) هي إحدى (السبايا السابقات لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم داعش)؛ حيث ترفع "نادية مراد" الآن بدعم فرنسي واضح قضية (انتهاك حقوق الأيزيديات المغتصبات على المنابر الدولية)، فضلاً أيضاً عن مصاحبة الكاتبة والناشطة النسوية (كارولين فورست) لوفد الرئيس "ماكرون" لما لها من ثقل دولي للدفاع عن قضايا وحقوق المرأة فى المنطقة.


الثاني والعشرون: كذلك يلعب الرئيس "ماكرون" كمشارك في تلك القمة الإقليمية من خارجها أساساً أي من خارج محيطها الإقليمي لتعزيز التغلغل الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط وإعادة إحيائه بقوة خلال الفترة المقبلة.


الثالث والعشرون: ويلعب الرئيس "ماكرون" أيضاً كهدف بعيد الأمد، لإظهار دعمه إلى (المسيحيين في الشرق الأوسط)، بإعلانه زيارة (كنيسة سيدة الساعة) في العراق، مما يتيح لفرنسا لعب دور مستقبلي في ملفات الأقليات الدينية في المنطقة، وبالأخص المسيحيين كقوة أكبر في الشرق الأوسط.


الرابع والعشرون: كما أن زيارة "ماكرون" لموقع (إعادة إعمار مسجد النوري السنى) الذى دمره التنظيم المتطرف لداعش، هو إشارة فرنسية خطيرة بأن الإرهاب يستهدف أيضاً المسلمين ولا يفرق بين أصحاب الديانات المختلفة، وبأن فرنسا تدعم جهود المسلمين في المنطقة في الحفاظ على مقدساتهم الدينية ومساجدهم من انتشار تلك الحركات والميليشات المتطرفة.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023