كبرتُ على مشاهِد اعتداءات المستوطنين على أهل بلدتي الفلسطينيين

هــآرتــس
الكاتب ناشط حقوقي وصحافي: باسل الغدرة
ترجمــة حضـــارات

كبرتُ على مشاهِد اعتداءات المستوطنين على أهل بلدتي الفلسطينيين

وها هم يزدادون عنفًا ... أنا خائف جدًا

رأيتُ عام 2005، وتحديدًا في يوم ميلادي العاشر، مستوطنين يعتدون ولأول مرة على عائلتي. أذكر  ذاك اليوم جيدا، كان أبي يحرث أرض عائلتي الواقعة في تلال مدينة الخليل الجنوبية، بينما راقبته وأمي عن كثب.

 أمسكتُ بيد أمي وشددت عليها عندما هرولت صوبنا مجموعة من الرجال الملثّمين، الذين قدموا من البؤرة الاستيطانية المجاورة ليلقوا الحجارة على أبي. بدأ أبي بتصوير المُعتدين بآلة التصوير التي بحوزته، بينما حاولت بدوري السير باتجاهه، ولكن أمي شدّتني نحوها والذعر بعينيها وقالت: "إياك أن تتحرك".

بلغتُ عامي الـ 25 وشببتُ على مشاهدة هذه الاعتداءات التي تصاعدت وتيرتها شيئًا فشيئا، إلى أن أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتي الشخصية خاصة عقب التصعيد الذي حصل خلال الأشهر الأخيرة.

 أسكن في قرية فلسطينية صغيرة تقع على تلال الضفة الغربية الجنوبية وتُدعى التواني، سرتُ على خطى والديّ وأصبحت ناشطًا يؤمن بمقــــ اومة الاحتــــ لال سلميا. فليس بحوزتي سوى آلة تصوير ومفكرة.

ازدادت خلال الأشهر الأخيرة وعقب الحرب الأخيرة على غزة، اعتداءات المستوطنين علينا، بل وباتت أكثر تنظيمًا كما وشملت استعمال أسلحة نارية.

كشفت مقالة استقصائية ساهمتُ مؤخرًا باعدادها أن أربعة فلسطينيين من مناطق عدة في الضفة الغربية قتلوا خلال يوم واحد فقط في شهر أيار، بالتزامن مع قصف الطائرات المقاتلة الإسرائيلية قطاع غزة، جراء عيارات نارية أطلقها مستوطنون هجموا على قراهم، بينما وقف الجنود الإسرائيليون متفرجين بل وأحيانا شاركوا بهذه الهجمات.

يعتبر استخدام الرصاص الحي المتزايد خلال اعتداءات المستوطنين المتعمدة على الفلسطينيين، ظاهرة جديدة وخطيرة استهدفت قريتي أيضًا.

 شنّ وخلال الشهريين الأخيرين، مستوطنون من البؤرة الاستيطانية "حافات ماعون" هجمات عنيفة على بيوتنا. تمكنتُ بعدستي من التقاط أربعة من هذه الاعتداءات فقط.

لا يمكن نعتُ اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين بالعشوائية أبدا، كما ولا يمكن اعتبارها مجرد هيجان عنيف لحظي. فكل ما يحاول المستوطنون فعله، هو خلق واقع جديد يستولون من خلاله على أراضينا.

بنى المستوطنون وخلال الشهرين الأخيرين، ثلاثة بؤر استيطانية جديدة بجوار منزلي. وكيف لا؟ فقد  منحهم الجيش الإسرائيلي 4000 دونم صادرها من الفلسطينيين خلال سنوات الثمانينات وصنفها لاحقا  كـ"أراضي دولة".  

يستخدم العديد من السكان الفلسطينيين هذه الأراضي يوميًا للزراعة ولرعي الغنم أيضا، وعليه فإن استعمال العنف ضدهم ما هو إلا محاولة لإقصائهم عن أرضهم بالقوة. 

سلبت الدولة هذه الأرض من الفلسطينيين بسبل "قانونية"، ومارست ضدهم عنفا "قانونيا"، أما ما يمارسه المستوطنون فيكمّل سيرورة النهب.  

وعليه ففهم العلاقه بين اعتداءات المستوطنين والقوانين العنصرية التي تفسح المجال لاستمرار السلب  والنهب مهمة جدا. يستخدم الحكم العسكري بهذا السياق، أربع آليات وممارسات قانونية جديرة بالاهتمام:  

أولًا، تصادر الدولة أراضٍ فلسطينية من خلال الإعلان عنها كـ "أراضي دولة"، مطبقة بذلك قانونا يقوم على التمييز السافر. ثم تقوم بعدها بتخصص 99.76 من هذه الأراضي للمستوطنين فقط.  

ثانيًا، يتغاضي الجيش الإسرائيلي عن بناء البؤر الاستيطانية غير القانوني على "أراضي الدولة" المزعومة، لا بل ويسمح بتوصيل مبانيها بشبكتي الكهرباء والماء الوطنيتين.

ثالثًا، يمنع الجيش الإسرائيلي معظم المواطنين الفلسطينيين القاطنين في منطقة سُكناي، أي منطقة "سي" الخاضعة للسيطرة العسكرية المباشرة كما جاء في اتفاقية أوسلو، من توصيل بيوتهم بالكهرباء والماء؛ هذا بالإصافة إلي رفضه لأكثر من %98 من طلبات استصدار تراخيص البناء.

رابعًا، وفي سياق النهب والمصادرة هذا، لا تحقق الشرطة في هذه الجرائم بشكل ناجع، بل ونادرا ما تعتقل مشتبهين بهذه الاعتداءات. 

حيث أشار بحث أجرته منظمة "ييش دين"، أنّ %91 من الشكاوى المتعلقة بجرائم أيدولوجية اقترفها إسرائيليون بحق فلسطينيين بالضفة الغربية خلال الأعوام الواقعة بين 2005-2014، قد أغلقت بدون تقديم لوائح اتهام.


يفعل المستوطنون ما يحلو لهم لعلمهم أنهم فوق القانون. تضرر ونتيجة لهذه الممارسات غالبية سكان بلدتي، لا بل وخسر العديد منهم مصادر رزقهم. 

لكن، سيدفع المزيد منا حياتهم ثمنا لهذه الممارسات؛ المستمرة، متى سيتحرك العالم؟

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023