نصيحة للمقاومين في عموم فلسطين

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني



بقلم: الخبير العسكري والأمني
عبد الله أمين

14 09 2021
​​​​​​​

لقد فجعنا في بالأمس القريب بتمكن قوات العدو المحتل من إلقاء القبض على الأسرى الست الذين انتزعوا حريتهم لأيام معدودة من براثن هذا الغاصب، فقد تمكنوا من الخروج إلى الحرية وتنسم عبقها لستة أيام متتالية، جاسوا خلالها بعض مدنهم وقراهم، إلى أن قضى الله أمراً كان مفعولاً، وله سبحانه في أمره شؤون وحِكَمٌ قد تخفى علينا، فكما خفيت علينا حكمة خروجهم وتحررهم؛ فقد تخفى علينا حكمة عودتهم إلى سجونهم وزنازينهم، آملين من المولى عز وجل أن يمنّ على بقيتهم بالستر وأن يأخذ بأيديهم ويكون عوناً وسنداً لهم. تأتي هذه المقالة في ظلال هذا الحدث وهذه الملمة التي أصابتنا لتكون على هيئة خارطة طريق في قالب نصيحة ننصح بها أنفسنا ابتداءً، والمقاومين في فلسطين انتهاء، آخذين بعين الاعتبار أنه لم تجرِ العادة أن يفتي قاعد لمجاهد، ولكنها النصيحة التي أمرنا أن نؤديها لأهلها، مقدمين بين يدي الحديث، الاعتذار، فالجهة التي نسدي لها النصح؛ شخوصاً وهيئات؛ هم القادة وهم السادة، وبظل سيوفهم نستظل، ومن قوت رماحهم نقتات، فإن أحسنا النصح؛ فمن الله وبمنّه، وإن تجاوزنا الحد؛ فمن أنفسنا والشيطان. 

أيها الكرام؛ إن العمل العسكري والعمل المقاوم، في أبسط صوره لا تعدو أركانه الأركان الثلاثة، وما دونها وإن كثرت عناوينه ودوراته وتدريباته؛ فتفصيل، ولأن ظروفكم وما تعيشون من تضييق يمارس عليكم من العدو القريب والبعيد قد لا تسمح بعقد دورات أو تنظيم ندوات وورش عمل للحديث وبناء المعرفة في هذا المجال، فسنجتهد أن توجز هذه المقالة الحديث والتفاصيل، لتصبح في نهايتهاكخارطة طريق، نزعم أنها قد تفيد في النهوض بالعمل وكفايته المخاطر وتساهم في إطالة عمره وعمر العاملين فيه. أما الأركان الثلاثة فيه: 

  1. أهداف: إن أول ركن من أركان العمل ــ مطلق عمل ــ هو الهدف، وهو ذاك الشيء المتصور ذهنياً والذي تُجمع وتحشد له كامل الطاقات وتخصص الموارد والمقدرات من أجل تحقيقه وإنجازه. وما لم يكن الهدف واضحاً متفقاً عليه، مفهوماً من جميع العاملين على تحقيقه، غير مختلف على الطرق الكلية للوصول له، مسموحاً الاجتهاد في السبل الفرعية للتقرب منه، حتى لا يُضيق واسع ويستدرك حيث يتطلب الاستدراك، ما لم يكن ذلك كذلك؛ فالإنجاز صعب والهدف بعيد المنال. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه قد لا يتسنى لنا الوصول للهدف الكلي بشكل مباشر،حيث قد يتطلب الوصول له، تحقيق أهداف ثانوية يساعد إنجازها على الوصول للغاية الأسمى والهدف الكبير، وما في ذلك من بأس، بشرط أن لا ننزاح عن الهدف الرئيسي، وأن تكون مجمل الأهداف الفرعية في سياق الهدف الكلي. فاعرفوا أهدافكم معرفتكم أنفسكم تظفروا بنصركم. 

  2. وسائل العمل: أما الركن الثاني؛ فهي الوسائل، فلا يمكن تحقيق أهداف بدون إمتلاك وسائل بشرية ومادية لتحقيقها، فمن مقتضيات سنن الله في خلقه أن جعل لكل شيء سبباً، وامتلاك الوسائل سببٌ لتحقيق الأهداف، وما نملك من وسائل هو ما يحدد طبيعة الأهداف التي نختار العمل عليها وبذل الجهد لتحقيقها، وقد يكون من المناسب أن نختار من الأهداف ما يتطلب كماً ونوعاً أكبر مما نحوز ونملك، وهنا يأتي دور سد عجز القدرة المادية بالقدرة المعنوية. ولكن أن يكون الهدف أكبر بكثير مما نطيق وما نملك من وسائل، فهذا الانتحار بعينه، فلا معنىً لخوض معركة لا تتناسب فيها القوى، أو على الأقل تقترب من بعضها البعض كمّاً ونوعاً ــــــ الحديث عن العدو الذي نواجهه بشكل مباشر على الأرض وليس عن كل منظومته وما يملك ــــــ دون الركون لهذا التقارب أو التناسب، فكم من فئة قليلة غلبة فئة كثيرة بإذن الله؛ وإذن الله كائنٌ ما استنفذ الوسع والجهد، ثم ترك الأمر لقدر الله وقدرته. فاعرفوا ما بين أيديكم من قدرات ــ مادية وبشرية ــ تتنزل عليكم سكينة الله وتنالوا الفتوحات.   

  3. طرق عمل: أما الركن الثالث من أركان العمل، فهو طرق العمل؛ فعندما تُحدد الأهداف وتحصى وتشحذ القدرات، يأتي دور اختيار طريق العمل التي يجب أن تتناسب مع ما نملك من قدرات وإمكانات. فنوع الهدف ونوع القدرات ونوع الأرض التي سيجري عليها العمل؛ هي التي تفرض على الجميع اختيار طريق العمل الأنسب التي توصل إلى الهدف بأسرع وقت وبأقل الأكلاف.
     ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فحددوا كيف تصلون إلى أهدافكم بما تملكون من قدرات، تُزل من طريقكم العقبات وتُنجِزون بالقليل من الإصابات.

كانت هذه الأركان الثلاثة التي لا يمكن أن يتصور عمل بدونها، أو أن توضع خطط ويجند بشر دون إتمام وضوح جدلياتها، وحتى يتم تحقيق الأهداف المتفق عليها باستخدام الوسائل المملوكة، عبر طرق العمل المقرة، لابد من توفر متطلبات عمل أربع هي: 

  1. معرفة المهمة: ما هي المهمة المناطة بكل فرد من الأفراد أو مجموعة من المجموعات؟ هل هذه المهمة تعد مهمة رئيسية أو أنها مهمة فرعية تفضي إلى الرئيسية؟ هل جميع المشاركين في تنفيذها لديهم نفس الفهم والتصور عن هذه المهمة؟ هل يمكن تأجيلها؟ أم أنها ذات أولوية وفورية عالية لا تحتمل معها التأجيل؟ هل هي ضمن القدرة المتاحة لنا؟ أم أنها أكبر مما بين يدينا من قدرات ومعدات؟ هل يمكن الخروج لتنفيذها بشكل مباشر؟ أم أنها بحاجة إلى استعدادات وترتيبات مسبقة؟ هل جدوى هذه المهمة أكبر بكثير من أكلافها؟ ما هو أثر الإخفاق في تأديتها؛ علينا وعلى البيئة الداخلية والخارجية للعمل؟ هل يمكن تحقيق هذه المهمة بأدوات غير الأدوات الخشنة؟ أسئلة كثير يمكن أن تساق في هذا السياق فقط للتأكد من أن هذه المهمة شيء معروف غير مبهم ولا حمّالة لأوجه تتعدد فيها الأفهام والآراء، حتى تصب المياه كلها في طاحونة واحدة؛ فيحصل النفع وتتم الفائدة. فاعرف المهمة، تعرف الوسيلة وترسم الطريق. 

  2. معرفة الأرض: إنها المكان الذي فيها وعليها سنقاتل، وفيها وعليها سنحيا، ومن أجل حريتها وحرية أهلها ستسفك الدماء، إنها تلك المدينة أو القرية أو الخربة أو المخيم، بل أكثر من ذلك، إنها قد تكون ذاك السجن وتلك الزنزانة التي حبسنا فيها، وقيدنا إلى أرضها وجدرانها، هذه الأرض التي تَقتُل كل جاهل بها، ويَقتُلها كل عالم بخفاياها. هذه الأرض يجب أن نعرف عنها: 

  • زوايا النار والنظر: من أين نرى أفضل صورة للمشهد فيها؟ ومن أين يمكن أن نستخدم نار أسلحتنا بشكل مؤثر على العدو؟ وبالعكس تماماً؛ من أين يمكن أن يسيطر علينا العدو برؤيته وناره؟ كيف يمكن أن نزيد من فاعلية زويا النظر والنار هذه؟ يجب البحث عن أفضل مكان نتمكن فيه من السيطرة بالنظر والنار على ساحلة العمل، التي قد تكون ساحة في حارة أو شارع في سوق، أو زقاق في حي، أو بستان في سهل أو تلة في مرتفع، ولا يجب التساهل في ضوابط الاختيار أو التموضع والانتشار. فبضبط الزوايا؛ تفعل فعلها النار.  
      
  • اختفاء واستتار: كما أنه يجب البحث عن أفضل زاوية للرؤية وإجراء النار، لتحقيق التماس مع العدو والاشتباك معه؛ يجب أيضاً البحث عن أفضل الأماكن التي توفر لنا اختفاءً عن أعين العدو واستتاراً عن ناره ونظره، فنصيبه بالعمى، ونأتيه من حيث لا يحتسب، ونسلبه ميزة تقانة السلاح والأدوات، بتقنيات التخفي والاستتار، وكلما عرفنا الأرض أفضل؛ عرفنا كيف نستفيد منها ونستثمر ما فيها للحد من قدرات العدو البصرية والنارية، وكلما تهاونا في أخذ الحيطة والحذر وتنفيذ الإجراءات المتفق عليها؛ كانت لعدونا اليد الطولى علينا، فكن شبحاً، ودبَّ على الأرض دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، تصب من عدوك مقتلاً وتكونَ له الداء الذي لا يرجى له دواء. 

  • عوارض حساسة: وفي الأرض من العوارض الحساسة التي تعطي لمالكها ميزة قتالية على عدوه، ما لو تُنبه لها وأحصيت عدداً وحددت موقعاً، لقلبنا السحر على الساحر، وهذه العوارض الحساسة، إن كانت في عرف الجيوش النظامية عبارة عن مرتفعات وجبال وعمارات، فإنها في عرف مدننا وقراننا وخربنا قد تكون سطح منزل من طابقين، أو مئذنة جامع في حي، أو شجرة مرتفعة في حقل، أو بئر ماءٍ مرتفع في حارة، وهنا من المهم معرفتها واحصاؤها وتوصيف دور كل واحدة منها في معركتنا مع العدو، والتحديد المسبق لكيفة الوصول لها والانسحاب منها، ومدى عمرها القتالي ــ كم تصمد ــ ومدى خطرها علينا إن وصل لها العدو قبلنا. فأحصوا ما بين أيدكم من عوارض حساسة، تكن بعد فضل الله سبباً في خلع عدوكم من أساسه. 

  • موانع: إن العدو إذا رأى أرضاً سائبة سهلة الجواز؛ جازها مسرعاً غير متعنٍّ، فيصل إلى أهدافه بدون خسائر، مرتفع المعنويات نشيط الحال، وكلما عاقه عائق؛ حط من معنوياته والحق به خسائر، والموانع هي التي تحد من سرعة تقدم العدو، وهي التي تفرض عليه تغيير اتجاه حركته، وهي التي نضعها لنفرض على العدو أرض المعركة المناسبة لنا فنسوقه لها سوقاً، وهي إن كانت في عرف الجيوش أسلاكاً شائكة وحقول ألغام؛ فإنها في عرفنا وبيئة عملنا، أبسط بكثر مما يتصور البعض، إنها إطار سيارة يُشعَل في منتصف الطريق لسدها أو يحول السير عنها، إنها مستوعبٌ للنفايات قد يوضع في مقدمة زقاق الحي أو الحارة، فيحيله إلى طريق غير قابل للعبور، وهي كومة من مسامير تنثر على الأرض، فتبطئ سير المركبات وتعطب إطاراتها، فتحيلها من وسيلة مطاردة إلى مانع عبور، إنها شجرة تقطع في عرض الطريق فتسده، وأيضاً هنا يجب أن تعرف هذه الموانع وأين وكيف ومتى ستُفعّل، وما هو السلوك العسكري للعدو عند اصطدامه بها، كيف يتصرف؟ وما هي وسائل حله لهذه المعضلة؟ فاعرفوا كيف يتحرك عدوكم، تعرفوا كيف تعيقون حركته وتسدون أو تحولون مسيره. 

  • معابر موصلة: والأرض شوارعٌ وطرقات، وزقاقٌ ومدقات، وكلها في عرف حربنا مع عدونا، معابر موصلة إلى أهداف، قد توصل عدونا لضرب أهدافنا، ومنها ننفذ للوصول له، إنها مساحات جغرافية تستوعب عدداً معيناً من البشر، فما يصلح لمجموعة قد لا يفي بغرض فصيل، وما خصص لفصيل قد لا يتسع لأكبر منه، إنها في عرفنا زقاق الحي و( زاروب ) الحارة، إنها قناة ماء تحت الأرض حفرها الرومان، أو طريق لدابة بين سنسالين من الصخور بناها أجدادنا وهم ( يسنسلون) في حقولنا ومزارعنا، يقينا السير فيها عن أعين العدو، وتوصلنا بالقرب منه، فاعرفوا أهدافكم تعرفوا طرق وصولكم لها، وقدروا أهداف عدوكم تعرفوا من أين سيأتيكم. 

  1. معرفة العدو: ولا تفيد معرفة الأرض دون معرفة من فيها من أعداء؛ أصلاء كانوا أم وكلاء، والعدو هو كل من عدا على حق لنا فاغتصبه، أو صال علينا فآذانا، إنه نبات خبيث نبت في أرضنا فسمم تربتها وحجب الضوء عنها فأحالها بوراً بعد كانت خضراء يانعة. إنه أصل الهدف الذي تتوجه له كل القدرات للقضاء عليه وتدميره، إنه من يجب توحيد الجهود عليه وتتبيره، لا يصلح العمل ضده بشكل فردي أو بعقل شخصي، إنه يعمل ضدنا بعقل جمعيّ؛ فيجب العمل ضده بعقل جمعيّ، ولا يجب إغفال وكلائه وعملائه، فما لا يستطيعه هو يقومون به هم، وهم أُذنه التي يجب أن تقطع، وعينه التي يجب أن تفقأ، ولا يجب أن يراعى فيهم إلّا ولا ذمة، فلا ذمة ولا عهد لهم. يجب أن تحصى أنفاس هذا العدو ولا تبقى شاردة أو واردة عنه إلا علمناها، وكلما عرفناه أكثر؛ بان عواره وضعفه وقلة حيلته، فلا تبقى له هيبة في نفس ولا خشية في فؤاد. فاعرفوا عدوكم يَهُن في أعينكم.    
  2. معرفة الذات: نختم بما يجب معرفته عن الذات والنفس، وما تستطيعه وما هو خارج عن طاقتها، كيف نُكسبُ هذه النفس قوة فوق قوتها، وكيف نزيد له لها طاقة إلى طاقتها. إن من يعرف نفسه؛ يعرف متى وكيف تقتنص الفرص، وكيف يتقي شر عدوه فلا ينال منه في مقتل. وأهلنا وحلفاؤنا وبيئتنا؛ ذواتٌ تضاف إلى ذاتنا، فيسدون عجزاً، ويقوون ضعفاً. 
    لذلك يجب أن نسهر على تأمين كل ما يقوي ضعفنا ويشد أزرنا، ويعيننا على الصمود في وجه أعدائنا، ولنتواضع في التوصيف ولا يغرينا ما يقال من شعر ونثر، فأهل مكة أدرى بشعابها. فاعرفوا ذواتكم؛ تعرفوا ضعفكم ،فتسهل التقوية ويسهل الستر. 

الخلاصة:

أيها الكرام: تعرفوا على مهمتكم فلا تتكلفوا فوق طاقتكم، واعرفوا ما بين أيديكم من وسائل وقدرات، واجترحوا بناء على ذلك ما هو مناسب من الخطط والإجراءات، واعرفوا الأرض التي تسيرون عليها معرفتكم كفوف أيديكم، عندها لن تخذلكم وستضمكم وتستركم، ولا تخطئوا في تشخيص عدوكم، وكيله قبل الأصيل، فميلوا عليه وصمّوا أذنيه وافقأوا عينه، فلا يصلكم قبل أن تصلوه، ولا يؤذيكم إلا وقد آذيتموه، ونفسكم فاعرفوها، فقووا ضعفها واستروا عجزها، واعقلوا دواب جهادكم، ثم توكلوا على بارئكم، ينصركم على أعدائكم. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023