أعطوهم ما يخسرون تكبلونهم من حيث لا يشعرون_ هكذا يفكرون !!

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني


بقلم: الخبير العسكري والأمني
عبد الله أمين


نشرت صحيفة الأيام الصادرة في رام الله بالأمس 13 09 2021 ما قيل أنه خطة وزير خارجية العدو يائير لبيد للتعامل مع غزة تحت عنوان " الاقتصاد مقابل الأمن "، الأمر الذي يعيدنا إلى مربع نقاش كنا قد دخلناه في مقال سابق تم نشره في تاريخ 06 09 2021 تحت عنوان "الأرض المحتلة بين التثوير والتعمير "، حيث قلنا في تلك المقالة أن عقيدة كاتبها قائمة على أنه فيما يخص الأرض المحتلة، فإن التثوير مقدم على التعمير، لاعتبارات ناقشناها هناك، ولا طائل من العودة لها هنا.
 كما أن ما ذهب له الوزير في خطته هو فحوى ما يجادل فيه ويتحدث عنه كبار جنرالات العدو ذوو الوزن الثقيل الذين تقاعدوا من الخدمة وأصبحوا ينظرون للمشهد من الخارج، وعلى رأسهم الجنرال " غيورا آيلاند " والجنرال " عمرام لفين " والجنرال "عامي أيلون " ورئيس الموساد السابق "أفرايم هليفي " وغيرهم ممن يرون أن ما دفع غزة ـــ على حد زعمهم ــــ إلى ما وصلت إليه الآن من تعاظم للقدرات وشبها عن الطوق، هو أن أهلها ليس لديهم ما يخسرونه، وأنه من أجل الضغط على المقاومة فيها، لابد من وجود روافع ضغط على هيئة مشاريع وبنى تحتية ومراكز ترفيه وتسوق، وباقي التسهيلات الحياتية، تُستخدم في وقت الحرب كمراكز ثقل يُهدَدُ بضربها، أو في وقت السلم من خلال غلق مصادر التمويل والتشغيل عنها، فتتحول إلى عناصر ضغط تستخدمها البيئة الداخلية على قيادة المقاومة، انطلاقاً من أن فعل المقاومة هو السبب في تدميرها أو تعطيلها، فتقع المقاومة بين فكي كماشة وحجري رحى المحتل القابض على مصادر تشغيل وتمويل هذه البنى التحتية، والبيئة الداخلية التي تريد التمتع بالاستفادة من هذه التسهيلات الحياتية. وفي مثل هذا الموقف فإن المقاومة تكون كمن يسير على حد السيف أو كــ ( بالع ) السكين، الذي يتضرر في كلا الحالتين؛ ابتلاعاً أو إخراجاً. إنها معادلة صعبة ومقاربة خطيرة، إنها تشبه حامل قنبلة مضيّعٌ مسمار أمانها، فأعان الله حاملها. نعود على خطة لبيد؛ إنه يتعامل مع غزة وكأن أهلها ليسوا فيها أو أنهم ليسوا مسؤولين عن أنفسهم، أو أنهم بصمودهم لم يمرغوا أنف ( دولته ) في وحل غزة، ولم يعفروا جبينه بترابها، إنه لا يلحظ مشاركتهم في هذه الخطة، إلا من باب أنهم مادة التلقي ومختبر التجارب، فالمسؤولون عن الخطة تنفيذاً ومراقبة وإشراف هم: مصر وكيانه وسلطة رام الله  والمجتمع الدولي ممثلاً ببنكه وصندوقه وما فيه من  NGOs، ثم يضم لهم الأوربيين كمستثمرين والإماراتيين كمشرفين ومستثمرين! 
وهنا لا تحتاج غزة وأهلها مع هؤلاء (الأصدقاء ) المستجدين لأعداء معادين، فهم ــــ الأصدقاء الجدد ــــ يفون بالغرض ويقومون بالمطلوب!! ثم تقترح هذه الخطة روافع الضغط التي ستبنى لتفعّل عند الحاجة، وهي على هيئة مشاريع بنى تحتية، وميناء وماء وكهرباء، مفتاح فتحها أو غلقها بيد الكيان، فيفتح متى شاء ويغلق متى أحب !! والاستثمارت الأجنبية والأوروبية لها مكان في هذه الخطة، فستتدفق على غزة لتحولها إلى سنغافورة الشرق الأوسط كما وعد الراحل عرفات عندما قيل له غزة وأريحا أولاً، فسار خلف هذا السراب الذي حسبه ماء، فإذا به سمٌ زعافٌ أودى به، وهنا لا بد من الإشارة إلى مبدأ تجاري تقوم عليه حياة التجار وتجارتهم وصفقاتهم ألا وهو " أن رأس المال جبان " ولا يمكن أن يعمل في بيئات غير آمنة يتهددها التخريب في كل وقت، لذلك ذكرت الخطة المقابل لكل ما سيقدم من ( تسهيلات ) والقاضي بتكرار تجربة دايتون في الضفة، عندما تحدث عن الفلسطيني الجديد الذي نشأ وتربى على عين أعداء بنى جلدته، فنراه يسحلهم على دوار المنارة، ويقوم بما قد يأنف العدو عن القيام به  ضدهم، إن خطة لبيد تقول أنها تريد " إعادة تأهيل إنساني متطور لغزة... " تريد اعادة هندسة هذا الانسان وترتيب أولوياته من جديد، فالمول أهم من النفق ! والسينما أفضل من الخندق ! والحديقة العامة أولى من ميدان التدريب ! أنبوب الماء والغاز أجدى من سبطانة المدفع وفوهات الراجمات ! ليتحول هذا الإنسان المعاد هندسته إلى أهم رافعة ضغط يمكن أن تستخدم عند الحاجة في وجه المقاومة الفلسطينية في غزة خصوصاً وفلسطين عموماً، تضغط على المقاومين قيادة وأفراد، فتثبط من عزائمهم وتفت في عضدهم، ليشارك هذا الإنسان المهندَس من جديد هو والأصدقاء ( اقرأ أعداء ) الجدد الذين جئنا على ذكرهم في تحقيق أصل هدف خطة هذا الوزير المبتدئ والتي ترمي للعمل في " جهد منسق ضد الحشد العسكري لحركة حماس"، نعم إنه جهد منسق يشارك فيه النظام المصري والإسرائيلي وسلطة رام الله والمجتمع الدولي ممثلاً ببنكه وصندوقه وعربان ممالك الرمال في الجزيرة العربية، تُتَقاسم فيه الأدوار وتوزع فيه المهام، فما لا يستطيعه العدو الأصيل قام به العدو الوكيل، وما ليس في استطاعة مصر النظام؛ فالإمارات أهلٌ له، ومن لم تستطيع وحدة 504 من تجنيده والضغط عليه، فستوكل المهمة لأجهزة سلطة رام الله، والفلسطيني الجديد الراغب في الحياة المنهك من تقنين الكهرباء والماء الباحث عن ترياق لعلاج ابنه أو ابنته في غزة، له دور ـــ هذا ظنهم ـــ ، سيتحول إلى أذن تسمع وعين تبصر ومُخبر يخبر !! لقد أجلب الكفر بخيله ورجله، وانقسم الناس إلى فسطاطين، وما عاد الحياد بنافع ولا الدبلوماسية تطعم خبزاً !! لذلك وأمام هذا الموقف المستجد، وبغض النظر أوضعت خطة الوزير لبيد حيز التنفيذ أم لم توضع، يجب على محبي المقاومة وداعميها، المحليين والاقليميين  أن يقاربوا هذا المشهد عبر مقاربة غير التي كانت إلى الآن فاعلة، والتي تقوم على تأمين المتطلبات الحياتية لأهل غزة من ماء وكهرباء وسلع غذائية وطرود مساعدات وحقائب دعم ودولارات، تصرف تباعاً وعلى القدر بالضبط، مبقية على رأس أهل غزة طافٍ فوق الماء فلا يغرقون، يعطون فضول الوقت والمال على سبيل ( الرشوة ) لشراء هدوء للمحتل، هو في أمس الحاجة له، يجب أن تتم المقاربة بشكل آخر قائم على بناء البنى التحتية التي تخدم عجلة الاقتصاد الذاتي الذي ينتج ما هو ضروري لأهل بلد محتل، فلا تنفق الموازنات والنفقات على الكماليات، يجب الخروج من حالة الاقتصاد الريعي إلى حالة الاقتصاد المنتج المقاوم، يجب على المقاومة في غزة كسلطة حكم أمر واقع، أن تحدد ما هي المشاريع وأبواب الصرف التي تساعد في تحرير الفرد والمجتمع من عوز المعونة الشهرية وكرتونة الاعاشة الغذائية، ثم تشرح لمجتمعها وحاضنتها الداخلية أهمية هذه المشاريع في التنمية المجتمعية والبشرية على المستويين المتوسط والبعيد، دون إغفال المستوى القريب العاجل والضروري، فالناس بحاجة إلى ما يسد عوزهم ويقيم أودهم، ثم تفرض على كل من يريد أن يتبرع أو أن يساعد، صديقاً كان أو حليفاً، قريباً كان أو بعيداً، أن يصرف وفق هذه البنود وبناء على هذه الأولويات، عندها، وعندها فقط نتحكم بمصيرنا ونملك قرارنا.

 ثم نختم فنقول لهذا الوزير الناشئ يبدو أنكم لم ولن تتعلموا من دروس الماضي، ولا تتقنون لغة المقاومة الفلسطينية، فالحرة لا تأكل بثدييها، فإن تم ما تخططون؛ فستنفقون ثم تكون عليكم حسرة ثم تغلبون. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023