هجوم في قالب دفاع !!

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

بقلم الخبير العسكري والأمني:
عبد الله أمين 
07- 10- 2021


فجأة استفاقت حكومة الكيان على الجرائم في مدننا المحتلة عام الثمانية والأربعين، وعلا صوتها عبر أكثر من مسؤول حول ما وصلت له نسبة الجرائم في المدن العربية، فهذا ما يسمى مفوض الشرطة الإسرائيلية " يعقوب شبتاي " يوصى بالعمل على إنشاء مقر قيادة لما تسمى " شرطة الحدود " في المنطقة الوسطى في الداخل بهدف منع الجرائم الخطيرة والقتل في أوساط الفلسطينيين، كما أُعلن في وقت سابق عن تشكيل وحدة "مستعربين" جديدة تابعة لقوات " حرس الحدود " الشرطية تعمل في البلدات العربية حصراً ( ركز حصراً العربية ) تحت ذريعة مكافحة الجريمة والعنف، وقد أطلق على هذه الوحدة اسم " سيناء " وسوف تعزز هذه الوحدة بقدرات قتالية خاصة، من دراجات نارية وكلاب بوليسية وآليات مختلفة، بهدف القيام بنشاطات سرية ضد العصابات الإجرامية في جميع أنحاء البلاد. 
ثم ختم الكيان جهوده هذه يوم الأحد الفائت، بمصادقة رئيس حكومته "نفتالي بنيت " وفي ختام اجتماعات اللجنة الوزارية لمحاربة ( العنف ) و ( الجريمة ) في المجتمع العربي على الخطة التي عرضها نائب وزير الأمن الداخلي " يواف سيغالوفتس " والتي تقضي بتنفيذ أعمال منسقة بالتعاون بين الشرطة والشاباك ومجلس الأمن القومي والمستشار القضائي للحكومة وسلطة الضرائب وتبييض الأموال، كما تقضي الخطة بتنفيذ " مواجهة مركزة في قضية السلاح غير القانوني في المجتمع العربي ( ركز في المجتمع العربي ) بمشاركة الجيش الإسرائيلي، وسَتُسَن مجموعة قوانين بمبادرة وزارة القضاء " توفر أدوات من أجل مواجهة هذه الظاهرة، مثل قانون الحد الأقصى من العقوبة وحيازة السلاح والتجارة به ".
 هذا كان في المقدمة وفي التوطئة لهذا الهجوم، إنها جهود تشبه إلى حد بعيد تلك الجهود التي يشنها سلاح الإسناد المدفعي تمهيداً لعمليات هجوم المشاة على أهدافها. 
فهل فعلاً العدو الإسرائيلي معني بالحد من الجريمة المنظمة وغير المنظمة في مجتمعنا الفلسطيني في مناطق الثمانية والأربعين؟ هل (حرقه) قلبه عليهم وشعر بحاجتهم للأمن والأمان والراحة والاستقرار؟ أوليس الفلسطيني الجيد في نظر هذا المحتل هو الفلسطيني الميت؟ أوليس من مصلحة هذا الكيان الغاصب أن ينشغل أهلنا في المناطق المحتلة بأنفسهم وينفسوا عن غضبهم وكبتهم من قِبَله فيما بينهم وأن يكفوه (شرهم )؟ إننا ننظر إلى أي خطوة يخطوها هذا المحتل، في أي مكان من أرضنا المحتلة بعين الريبة والشك، ولا يمكن أن نرى فيها مصلحة أو منفعة لنا ولهم، لذلك فإن هذه المقالة جاءت لتكشف عن بعض ما يريده هذا المحتل من هذه الخطوة، خاصة أنها جاءت كإجراء فعليّ طالب به أهلنا في الأرض المحتلة منذ سنوات، ويطالبون، ولكنه لم ينفذ وتأخر عن قصد، ولكنه خرج إلى حيز العمل بعد معركة "سيف القدس" التي التحم فيها أهلنا في مناطقنا المحتلة عام الثمانية والأربعين مع أهلنا في غزة والضفة، في جهد ميداني قدم فيه كل حسب طاقته، دون تنسيق أو تدبير، كان أخطر ما في هذا الجهد؛ كشفه عن الطاقة الكامنة عند أهلنا خلف الخط الأخضر الذين أخرجوا مدناً عن سيطرة قوى الأمن الإسرائيلي في أيام تلك المواجهة المجيدة، مما شكل إنذاراً عالي الصوت، سمعته كل أجهزة الكيان الأمنية والسياسية، ورأت فيه خطراً كامناً أكبر بكثير مما تختزنه غزة من صواريخ، والضفة من خلايا عمل، لذلك تجند الاحتلال لمحاربة (الجريمة) و ( والعنف ) في الوسط العربي، فما الذي يريده المحتل من هذا الإجراء؟ وما هي مقاصده الحقيقية منه ؟ لكن قبل أن نشرع في ذكر بعض ما نتصور أن العدو يرمي له، دعونا نسجل مجموعة نقاط ارتكاز نرتكز عليها لنفهم الموقف، ليبني على الشيء مقتضاه، ومن أهم نقاط الارتكاز هذه ما يأتي: 

  1. ليس هناك دولة في العالم لا يوجد فيها عالم ( سفلي ) تمارس فيه مختلف الأنشطة الخارجة عن القانون، من تجارة السلاح إلى المخدرات إلى الرقيق الأبيض وتزوير الوثائق والمستندات و.... 

  2. هذا العالم وإن بدا للبعض أنه منفلت غير منضبط العقال؛ إلا أنه مسيطر عليه، ومنظم عبر مجموعة أعراف داخلية تحكم مثل هذه العوالم، يتعارف عليها وينضبط بها كل أهل هذه الصنعة وهذا الكار.
     
  3. جزء آخر من عمليات الضبط والتنظيم لهذا العالم تأتي من قبل الأجهزة الرسمية للدولة، فهي تعرف هذا العالم بتفاصيله، وتطلع على نشاطاته أولاً بأول، ولا تسمح أن يخرج عن سيطرتها، أو أن ينشط في مساحات غير مسموحٌ النشاط فيها. 

  4. تنشأ بين الأجهزة الأمنية وقادة هذا العالم ونشطائه حالة تخادم مصلحي؛ فيقدم أحدهم للآخر الخدمات عند الحاجة، ويعمل بعضهم عند بعض ك (ممسحة زفر) يقوم بواسطته بالأعمال القذرة، فمقابل حذف ناشط سياسي يقض مضطجع النظام؛ يحذف ناشط إجرامي ينافس في السوق والمجال. 

  5. كل من يريد أن يقترب من العالم السفلي في بلده، عليه أن يعي أنه لن يبقى مستوراً كثيراً عن أعين الأجهزة الرسمية، وأنه لا محال ظاهرٌ على شاشات راداراتها، إن لم يكن اليوم ففي الغد أو بعد الغد. 

هذه المرتكزات وغيرها، تساعد في فهم الموقف، كما أنه من خلال معرفة الجهات الرسمية والجهات الإجرامية في البلد لهذه القواعد والمرتكزات، يتم ضبط الوضع الأمني ومنعه من أن ينزلق إلى حالة من الفوضى غير المسيطر عليها أو التي تضر في صورة الدولة وهيبة النظام. 

إن كانت تلك هي المقدمات، وهذه هي المرتكزات لفهم الموقف، فما هي الأهداف التي يريدها الكيان مما أقدم أو سيقدم عليه من إجراء؟ نعتقد أن الهدف الكلي للعدو من خلال هذه العملية الاستباقية أو ما يطلق عليه الإحباط الموضعي هو: ضرب البنية التحتية لأي عمل عسكري ممكن أن يُفَكَر فيه أو أن يُخَطط له في مناطقنا المحتلة في فلسطين المحتلة عام الثمانية والأربعين من خلال تحقيق الأهداف الجزئية التالية: 

  1. كشف الشبكات الخارجة عن القانون وغير المسيطر عليها مئة بالمئة: فمهما بلغت الأجهزة الأمنية من قوة وسطوة وسيطرة، إلا أنه يبقى هناك شبكات عمل في العالم السفلي غير مسيطر عليها، وغير منضبطة بضوابط السوق والعرف، لأسباب كثيرة، ومثل هذه الشبكات من الممكن أن (تلعب) خارج الهوامش المسموح بها، لذلك فجزء من أهداف هذه الحملة كشف هذه الشبكات وتطويعها وإدخالها إلى بيت الطاعة؛ الرسمي منه والعرفي، ليسيطر عليها ويعرف ما تقوم به، وما تحجم عن التعاطي معه. 

  2. كشف شبكات تجار الأسلحة والمواد الحربية: كما أن جزءاً من أهداف هذه الحملة هو كشف شبكات الاتجار بالأسلحة والمواد الحربية، وهي سوق نشطة، والعاملين فيها من الشراهة بمكان بحيث لا يضبطهم ضابط ولا يحد عملهم حاد، لذلك تعمد الأجهزة الأمنية لغض الطرف عن شق من هذه التجارة من حيث النوع والكم، فهي كجزء من إجراءات السيطرة على هذا السوق وضبطها؛ تسمح للتجار بالتجارة في نوع محدد من الأسلحة، وبكميات معينة ولعرقيات وجنسيات محددة، تسمح لهم بذلك في مقابل وضعها في صورة ما يطلبه الزبائن مما هو خارج عن ما هو مصرح به، وهنا تدخل العملية في حالة من الصراع بين التاجر والزبون والسلطة، لذلك فمثل هذا الإجراء نعتقد أن الهدف منه كشف الجهات العاملة في هذا المضمار والتي لا تنضبط بمدونة السلوك المهني في هذا العالم.
     
  3. كشف العناصر الأكثر جرأة في المجتمع الفلسطيني: ليس كل إنسان مستعد لامتلاك قطعة سلاح؛ حتى لو توفرت له الفرصة أو ملك الثمن وتعرف على المزود، فكثير من الناس يحجمون عن هذا الأمر لاعتبارات نفسية وأمنية وشخصية، ولا يُقدم على مثل هذا الأمر ــ امتلاك سلاح شخصي ــ إلا من يتحلى بالجرأة، ويتقبل المخاطرة، خاصة في أرض محتلة يعد امتلاك السلاح فيها من قبل أصحاب الأرض الأصليين جرماً ما بعده جرم، وعليه فهدف العدو من هذا الإجراء، بالإضافة إلى جمع ما تقع يده عليه من أسلحة؛ معرفة من لديهم بذرة التمرد على الواقع والقانون، ومن يمكن  أن يشكلوا مركباً خطراً إن هم توفرت لهم فرصة التسلح والتسليح. 

  4. كشف عناصر يمكن أن يشكلوا حالات استقطاب مجتمعي يبنى عليها: من المعروف في هذا العالم أن خطوطه محدودة ومن يطلع عليها ويسير فيها أشخاص محدودون، يمتلكون الجرأة والشجاعة على مقارعة أهل هذا الكار وسكان هذا العالم، وهؤلاء الأشخاص هم حلقات الوصل بين هذا العالم وبين أهلهم وناسهم في الأحياء والمدن والقرى، وهم بما يمتلكون من روح متمردة وشخصية عصية؛ يشكلون فرصاً موضوعية ليكونوا أنوية عمل يلتف من حولها أهلهم وناسهم عند الحاجة، وهم بسلوكهم هذا يعدون نموذجاً يحتذى، وحالات تُقَلد، لذلك فمعرفتهم المسبقة ووضع اليد عليهم أمنياً، يشكل عامل إحباط مسبق لِتكّون بؤر خطر مستقبلي، لذلك فجزءٌ من أهداف هذه الحملة هو معرفة هؤلاء الناس ووضعهم على شاشات الرادارات لتسهل السيطرة عليهم عند الحاجة. 

  5. ضرب جهات في هذا العالم، يمكن أن تقوم بأعمال بالوكالة ،كبدلاء عن أُصلاء: كما ذكرنا سابقاً، ليست كل جزئيات هذا العالم مسيطر عليها أو قابلة للرضوخ للقوانين والمقررات، كما أن مادة عمل أهل هذا العالم هي المال؛ فمن يدفع أكثر يُخدم أكثر، ويصدق فيهم المثل ( اللي بوخذ أمي بقول له عمي )، لذلك فإمكانية تشغيل هؤلاء الناس في عمليات الحذف والتحييد والتنظيف والهندسة البشرية، واردة، فقلما وجِد جهاز أمن في عالمنا الثالث ليست لديه صلات عمل مع هذا العالم، يقوم من خلالها بإغلاق حسابات مفتوحة مع جهات مقلقة دون أن يتحمل أدنى مسؤولية، وعليه فإن مثل هذه الحملة تهدف فيما تهدف له إلى ضرب مثل هذه الجهات ووضع اليد عليها، حتى لا تفكر أن تأخذ أي مقاولة بالباطن، عن أي وكيل لا يرغب بتحمل المسؤولية. 

هذه بعض الأهداف التي نعتقد أن العدو يرمي من خلال حملته تلك تحقيقها، وقد ينجح، وقد لا يحالفه الحظ في ذلك، فإن كانت هذه القراءة صحيحة، وتلك الأهداف متصورة وممكنة التحقيق، وأنها تأتي في سياق ضرب فرص قيام أي بنية تحتية لعمل مقاوم في داخل الأرض المحتلة عام الثمانية والأربعين، فما هو السلوك المطلوب أمام هذا الموقف؟ نعتقد أن السلوك المطلوب دون الخوض في تفاصيله، يجب أن يحقق الأهداف الآتية: 

  1. عدم التعاون أو تسهيل هذه الحملة وعرقلتها ما أمكن. 

  2. التركيز على أن العنف والجريمة المستشرية في الوسط العربي ليست هي الداء؛ وإنما هي عرض لمرض هو الاحتلال، وما يسببه من ضيق وضنك وتضييق على أهلنا في كل مناحي حياتهم، فينفسون عن هذا الضغط، بذاك السلوك. 

  3. الكشف ابتداءً للجمهور الفلسطيني عن خطورة هذه الحملة، وأنها تستهدف فقط من هم خارجون عن سيطرة أجهزة العدو الأمنية، أما من هم في بيت طاعته؛ فلن تطالهم ولن تؤذيهم. 

  4. التركيز على أن الهدف الأصلي لهذه الحملة هو تجريد الوسط العربي في أرضنا المحتلة من أدوات الدفاع عن نفسه في حال تطلب الموقف سلوكاً دفاعياً أمام تغول المغتصبين والمحتلين.
     
  5. العمل على ضبط وتنظيم عمليات التسليح واستخدام السلاح الفردي، بحيث يتم سحب الذرائع التي يتلطى خلفها العدو كسبب لهذا الحملة. 

  6. تنشيط عمل اللجان والهيئات الأهلية التي تقوم بعمل المصالحات وفض الخلافات البينية؛ ضبطاً للوضع الأمني ونزعاً للذرائع المعادية التي تشكل سبباً لسحب السلاح، أو تقنين امتلاكه بيد قومية معينة أو عرق محدد. 

  7. التمترس خلف عدم قانونية هذا السلوك ـــ آخذين بعين الاعتبار أن كل الاحتلال غير قانوني شكلاً وموضوعاً ـــــ، فإن كان ولا بد منه؛ فليعم الجميع، ولا يقتصر على الوسط العربي. 

نختم لنقول أننا يجب أن نكون مع أي إجراء يحد من الجريمة ويقلل من مستوى العنف الذي يحصد أرواح أهلنا وأبنائنا في الأرض المحتلة، وهذا مسؤولية الجميع، وفي مقدمتهم حركات المقاومة، التي يجب أن تنظر إلى كل قطعة سلاح وطلقة مسدس على أنها جزء من عدة التحرير، وقدرات يجب أن يحافظ عليها وتراكم إلى حين موعد استخدامها وتوجيهها وجهتها الصحيحة، ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً. 
                       والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 






جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023