المشهد الإسرائيلي: شهر سبتمبر/ 2021

معتصم سمارة

باحث فلسطيني


بقلم: معتصم سمارة


تميز شهر سبتمبر الفائت ببذل جهود حثيثة من قبل الساسة الصهاينة، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة نفتالي بينت، لإزاحة الملف الفلسطيني من على جدول الاعمال، لكن هذه الجهود باءت بالفشل الذريع، حيث فرضت الأحداث على الأرض من ناحية والجهود السياسية الرامية لاحتواء الملف من ناحية أخرى حضور الملف الفلسطيني بقوة على مسرح الأحداث، فكان المشهد في دولة الكيان فلسطينياً بامتياز من خلال الحدث الاستثنائي المتمثل في نفق الحرية من سجن جلبوع وما رافقه من أحداث، كما كان لوقع المواجهات في جنين ونابلس وغربي القدس دورها في استكمال صورة المشهد.
 أما على الصعيد السياسي فكانت القاهرة محط زيارات لعدة وفود أمريكية وصهيونية وفلسطينية هدفت إلى إيجاد حلول للأزمات المتفاقمة على الساحة الفلسطينية.

وفي المشهد الإسرائيلي الخارجي تواصلت جهود التطبيع العربي مع دولة الكيان من خلال افتتاح السفارة الصهيونية في البحرين، ولقاءات بين اطراف عربية وصهيونية على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، لكن المفاجئة كانت على صعيد العلاقات الامريكية الإسرائيلية التي شهدت لأول مرة منذ سنوات طويلة تصدعاً طفيفاً عندما رفض مجلس النواب الأمريكي منح تمويل تطوير القبة الحديدية الإسرائيلية، قبل أن يعود ويقر المبلغ، وهو ما يؤشر الى بداية حدوث اختلاف في النظرة إلى إسرائيل ودعمها من قبل المؤسسة الأمريكية.

أما في الداخل الإسرائيلي فقد أشارت تقارير إلى وصول انعدام الثقة بين الجيش والشعب الى مستويات غير مسبوقة.
 أما على صعيد سياسات الحكومة الجديدة فبعد أكثر من مئة يوم من استلامها لمهامها يمكن القول أن الحكومة لم تغير كثيراً من سياسات سابقتها بزعامة نتنياهو.

أما على صعيد الصراع مع ايران في المنطقة، فقد عاد الملف الإيراني إلى واجهة الاحداث في ظل تواتر الحديث عن تحقيق إيران لتقدم كبير في قدراتها النووية وان المسافة بينها وبين تحولها إلى قوة نووية قد أصبحت قصيرة جداً.



الملف الفلسطيني

أولاً: 

حاول رئيس الوزراء نفتالي بينت جاهداً الدفع بالملف الفلسطيني إلى ادنى سلم الأولويات، حيث تجنب ذكر الفلسطينيين نهائياً أو قضيتهم في خطابه الذي القاه في الأمم المتحدة، كما أنه رفض لقاء رئيس السلطة محمود عباس، إلا أن الأحداث التي شهدتها الساحة الفلسطينية جعلت الملف الفلسطيني يتصدر الاهتمامات في المنطقة دون منازع. 
فقد احتل خبر تحرر ستة أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع، الذي هو واحد من أكثر السجون أمناً في العالم، احتل عناوين الاخبار ووسائل التواصل الاجتماعي واهتمام المؤسسة السياسية والأمنية والعسكرية في دولة الكيان، حيث مثل فعل هؤلاء الاسرى الستة ضربة موجعة للمؤسسة الأمنية الاحتلالية التي لطالما تباهت بقدراتها وخبراتها الطويلة في هذا المجال.
 كما كاد دخول جزء من الاسرى إلى مناطق السلطة الفلسطينية في جنين أن يقود إلى اجتياح الجيش الإسرائيلي للمنطقة، كما صرح بذلك رئيس هيئة اركان الجيش، الأمر الذي كان قد يودي باشتعال انتفاضة حقيقية لا يمكن التنبؤ بمساراتها, أو كيف تتوقف؟[1]

وفي ذات السياق كان وقع الاشتباكات التي دارت في كل من جنين وغربي القدس ونابلس لاحقاً الأثر الكبير في رسم صورة المشهد الذي أدى إلى استشهاد عدد من المقاومين قبل أن يوقعوا عدة إصابات في صفوف الوحدات الخاصة الصهيونية، وهو ما أشار إلى أن الضفة الغربية ليست بمعزل عن المواجهة مع الاحتلال وأن احتمالية اندلاع مواجهات حقيقية تقود في النهاية إلى انتفاضة في الضفة الغربية هو أمر وارد، كما أشار إلى ذلك رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش.


ثانياَ:

شهدت العاصمة المصرية القاهرة حراكاً سياسياً ودبلوماسياً مكثفاً استهدف بالأساس خفض التوتر على جبهة غزة ومحاولة إيجاد تفاهمات تقبل بها حماس، حيث قام مستشار الامن القومي الأمريكي بزيارة مطولة إلى هناك نقل فيها للرئيس السيسي توصيات بايدن بضرورة خفض التوتر في الملف الفلسطيني، كما زارت عدة وفود إسرائيلية القاهرة بهدف الخروج بصيغة تتوافق عليها الأطراف، فيما يتعلق بتخفيف الحصار عن قطاع غزة والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى بين إسرائيل وحماس.[2]

اللافت في الأمر أن الحكومة الإسرائيلية، قد تنازلت عن شرط ربط ملف الاعمار باستعادة الجنود الاسرى لدى قوى المقاومة في غزة وهو ما يعني بداية مفاوضات جدية في المسارين معاً، وعلى الرغم من أن الفجوة ما زالت كبيرة بين طلبات كل من الطرفين إلى أن الرغبة الأمريكية الجامحة في الخروج بحل يطيل من أمد الهدوء في الساحة الفلسطينية قد يسرع الخطوات في الوصول إلى اتفاق سواء في قضية الأسرى أو في ملف الاعمار ورفع الحصار عن قطاع غزة.


ملف العلاقات الخارجية 

أولاً:

عاد التوتر بين إسرائيل وبين الحزب الديمقراطي الأمريكي ليطفو الى السطح من جديد على إثر رفض جزء من أعضاء الحزب التصويت لصالح قرار تمويل القبة الحديدة الإسرائيلية بمبلغ مليار دولار. 
الحدث وإن تم تجاوزه سريعاً بتمرير القرار لاحقاً والتصويت عليه بغالبية كبرى في مجلس النواب الأمريكي إلا أنه أثار جدلاً واسعاً في إسرائيل واتهامات حادة بين الحكومة الحالية وبين نتنياهو الذي اعتبره نفتالي بينت السبب الرئيس في توتر العلاقة مع الولايات المتحدة، وبغض النظر عن من يتحمل مسؤولية هذا التوتر إلا أن إرث نتنياهو وعلاقاته المتوتر طويلاً مع إدارة باراك أوباما ثم لاحقاً تحالفه القوية مع إدارة دونالد ترامب الجمهورية ألقت بظلالها على العلاقات الإسرائيلية الامريكية في عهد بايدن. 

هذا التوتر انتقل إلى الصحافة، خاصة في "إسرائيل" حيث سارع مجموعة من الكتاب الصهاينة إلى الدفاع عن سياسات نتنياهو تجاه الولايات المتحدة بينما هاجمها الآخرون، وتركزت النقاشات حول الحاجة الدائمة إلى العلاقة المتينة مع الولايات المتحدة كراعي وكضامن أساسي للأمن القومي الإسرائيلي، بينما قال بعض الكتاب أن إسرائيل يجب عليها أن تعتمد على ذاتها في كل ما يتعلق بأمنها وقوتها العسكرية وأنه آن الأوان لها أن تستغني عن الدعم العسكري الأمريكي.[3]

ومنذ تسلمه لمهامه كرئيس للوزراء، أشار نفتالي بينت إلى حرصه الشديد على ترميم العلاقة مع الولايات المتحدة، كما أكد ذلك أيضا وزير خارجيته يئير لبيد، لما يرونه من أهمية قصوى في الدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل منذ عقود، أن نفتالي بينت الذي تخرج من مدرسة زئيف جابوتنسكي وأبرهام كوك اليمينية المتطرفة والداعية دوماً الى الاعتماد على الذات في كل شيء وخاصة في المجال الأمني والعسكري، يرضخ أمام الواقع والمعطيات ويقر بان إسرائيل لا يمكن لها بحال من الأحوال أن تستغني عن الولايات المتحدة.


ثانياً:

على صعيد العلاقات الإسرائيلية العربية، فقد قام وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد بافتتاح السفارة الإسرائيلية في العاصمة البحرية المنامة وسط سخط ورفض شعبي عارم في داخل البحرين والعالم العربي لهذه الخطوة.
 سبق ذلك لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت في شرم الشيخ مع وجود العلم الإسرائيلي خلفهما في إشارة إلى عمق العلاقة وحميميتها كما وصف ذلك كثير من المراقبين الذين أشاروا إلى أن العلاقات بين البلدين وصلت إلى درجة من التنسيق والتعاون لم تشهدها من قبل.[4]

وفي ذات السياق أعلنت الخطوط الجوية المصرية "مصر للطيران" أنها ستبدأ تسيير رحلاتها من وإلى مطار بن غوريون بمعدل أربع مرات في الأسبوع.
 وعلى الصعيد المغربي تم الإعلان عن مشاركة المغرب في مشروع تطوير طائرات إسرائيلية بدون طيار، أما على صعيد العلاقات الغير معلنة بين كل من دولة الاحتلال والعربية السعودية فقد أشارت تقارير عدة إلى زيادة نسبة الاستثمارات السعودية في الشركات الإسرائيلية، الأمر الذي يوحي بأن جزءً هاماً من الحكومات العربية قد أدار الظهر فعلياً للملف الفلسطيني.




الملف الإيراني

عاد الحديث عن الملف الإيراني إلى الواجهة من جديد، فقد اشارت تقارير عدة إلى أن ايران على أعتاب أن تصبح دولة شبه نووية، حيث ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلُا عن خبراء  موثوقون أن ايران حققت تقدما كبيرا في ملفها النووي الأمر الذي يعني وقوفها على على عتبة الندي النووي، اللافت في الأمر أن إسرائيل لا يمكنها التعايش أبدًا مع اقتراب إيران من العتبة النووية؛ لأن ذلك سيقود حتمًا من وجهة نظرها إلى سباق تسلح نووي في المنطقة، بينما تستطيع الولايات المتحدة القبول بذلك، وهنا يكمن التساؤل الهام وهو هل يمكن أن  تسمح  الولايات المتحدة لإسرائيل القيام بفعل عسكري ما ضد المنشآت النووية الإيرانية؟ وهو تحدي حقيقي أمام إسرائيل؛ لأن فعل كهذا سيدخل المنطقة برمتها ازمة حقيقية.[5] 
ولا نغفل أن هذا يأتي في سياق انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وقبلها من العراق وهو ما يشير إلى توجه الأخيرة إلى خفض تواجدها في المنطقة لصالح التنافس مع الصين وروسيا، إضافة إلى التركيز الأمريكي على استنهاض الاقتصاد ومحاربة كورونا.


الملف الإسرائيلي الداخلي

بعد أكثر من مئة يوم على استلام الحكومة لمهامها، لا يبدو أن هناك اختلاف كبير بين سياساتها وسياسات سابقتها بزعامة نتنياهو، فكل ما يصدر عن الحكومة فيما يتعلق بالملف الفلسطيني لا يختلف شيئاً عن ما كان يصدر عن حكومة نتنياهو، حيث واصل بينت رفضه الاعتراف بإمكان قيام دولة فلسطينية، وحصر العلاقة مع السلطة الفلسطينية في المجال الأمني والاقتصادي فقط وبما يخدم في الأساس الصالح الأمني الإسرائيلي.

ومع اقتراب عودة الكنيست من اجازتها ينتظر إقرار الميزانية العامة وهو الأمر الذي إذا لم يتم سيعني سقوط الحكومة والذهاب إلى انتخابات خامسة، وهنا يجب الإشارة إلى أن حزب القائمة العربية بزعامة منصور عباس هدد أنه في حال عدم زيادة المخصصات للوسط العربي؛ فانه لن يصوت لصالح الحكومة، كما لا تبدو التقارير التي اشارت إلى احتمال انضمام الأحزاب الحريدية إلى الحكومة على حساب حزب ليبرمان انها صحيحة، ما يعني ان تمرير الميزانية لن يكون بالأمر السهل.[6]

وعلى صعيد العلاقة بين المجتمع الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية بشكل عام والجيش بشكل خاص قد أشارت التقارير إلى وصول درجة انعدام ثقة العائلات الإسرائيلية بالجيش إلى نقطة غير مسبوقة، حيث أشارت أبحاث إلى أن الجيش في السنوات الأخيرة يسعى لاستغلال قضية الصراع مع الفلسطينيين أداةً لاستمرار احتكاره لعملية صنع القرارات خاصة في المجال الأمني والسياسي، إضافة إلى حصوله، أي الجيش، على امتيازات مادية لا تتناسب مع إنجازاته خاصة بعد الفشل المتكرر أمام قطاع غزة.
 وقد برز هذا الموضوع إلى السطح بعد حادثتين وقعتا مؤخراً الأولى هي مقتل قناص حرس الحدود شموئيلي على قطاع غزة بيد أحد المتظاهرين الذي أطلع عليه النار من مسافة صفر، وقبل ذلك وفاة ضابط وحدة الاستخبارات 8200 الذي عرف بـ"ت" والذي توفي في ظروف غامضة داخل سجن بيت ليد العسكري بعد أيام من اعتقاله، وقد تبين أن الجيش تكتم على الحادثة لأشهر طويلة قبل أن يعلن أن الضابط تم اعتقاله؛ بسبب ارتكابه لمخالفات خطيرة جداً، وقد ادعت مصادر عسكرية أن الضابط قد انتحر في سجنه، بينما رفضت عائلته هذا الادعاء. 
الحدثان أثارا جملة من التساؤلات لدى أهالي الجنود حول مصير أبنائهم، حيث أبدت العائلات انعدام ثقتها بالقيادات السياسية والأمنية وبالتحقيقات التي تجريها في ظروف وملابسات مقتل أبنائهم أو سقوطهم في الأسر، حيث أشارت هذه العائلات إلى تذمرها من استخدام الجيش لصلاحية منع النشر لمنعها من الاطلاع على مصير أبنائها وإبقاء هذه العائلات في حالة من التخبط والغموض بعيداً عن التفاصيل المتعلقة بمصير أبنائهم حين (مقتلهم أو اصابتهم أو وقوعهم في الاسر).[7]




[1]https://bit.ly/3uJsge8

[2] https://cnn.it/3BhCW6p

[3]https://bit.ly/3mwYZQc

[4] https://bit.ly/3uLpKUQ

[5] https://arbne.ws/3afUeF7


[7] https://bit.ly/3ozcC4d

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023