لماذا لا ننسحب كما فعل خالد؟!

د. نعيم عطية

دكتوراه في العلوم الشرعية

يسوّق البعض لما يسمونه "الانسحاب الحكيم"، ويستدلّون بخالد بن الوليد رضي الله عنه، وكأن ما نعيشه معركة عابرة لا حرب وجود! فدعونا نضع النقاط على الحروف، ونقرأ التاريخ لا بالأمنيات، بل بالبصيرة.

خالد انسحب من معركة.. لا من وطن!

حين انسحب خالد، كان يقود جيشًا نظاميًا في أرض العدو، لا بين أزقة وطنه وأطفاله. كان انسحابه حركة عسكرية لإعادة التمركز، لا تفريغًا للأرض، ولا تسليمًا للعدو. الفارق بيننا وبينه كالفرق بين انسحاب مقاتل وتخلّي أبٍ عن أطفاله.

أُحد: نبيّنا استجاب لحماس الشباب، لا لحذر الشيوخ

عندما هدّدت قريش المدينة، اجتمع النبي بالصحابة. الشيوخ قالوا: نبقى ونتحصن. أما الشباب، فقالوا: نخرج ونقاتل. فاختار النبي رأيهم، وقاتل بجانبهم، وجرح في المعركة، لكنه لم يُؤنّبهم. بل قال بفخر: "نُصرت بالشباب وخذلني الشيوخ".

الخندق: الحصار لا يعني الاستسلام

حين اجتمعت الأحزاب لحصار المدينة، وضاقت الأرض على أهلها، لم يقل أحد: ننسحب أو نُسلّم. بل جاء سلمان بالفكرة، فحفروا الخندق، وصبروا، وانتصروا. كانت العبقرية في الثبات، لا في الهروب.

الأندلس: الانسحاب.. بوابة النسيان الأبدي قالوا يومها: سنعود. انسحبوا من قرية لقرية، ومن مدينة لمدينة. وها نحن اليوم، نزور الأندلس كـ"سياح"، لا كأصحاب حق. الأرض إذا خرجت من يدك، لن تعود بسهولة.. وإن عادت، فلن تعود لك!

فلسطين 1948: الخديعة الكبرى كانت "نعود بعد أيام"

انسحبوا حينها بقلوب مكسورة وأمل كاذب، قالوا: نعود بعد التهدئة. لكن العدو احتل الأرض، وغيّر التاريخ. لم تكن تهدئة.. كانت بداية التيه.

ستالين وهتلر: الثبات كتب النصر

حين اجتاح هتلر الاتحاد السوفييتي، لم يهرب ستالين من موسكو رغم الجوع والدمار، بل قال: "الجيش الذي لا يدافع عن وطنه، لا يستحقه". فصمدوا.. وانتصروا.

غزة اليوم: الشعب هو الجبهة

لسنا جيشًا نظاميًا على أطراف الحدود. نحن الأرض، نحن الجبهة، نحن الهدف. الانسحاب هنا ليس مناورة.. بل تسليم الأم والطفل والمقبرة والمئذنة والذاكرة للمحرقة.

فلا تبيعونا الوهم باسم "الانسحاب الحكيم"

لم يُعرف في تاريخنا، ولا في تاريخ البشرية، من انسحب من وطنه ثم عاد إليه أقوى. من يصمد، يَصنع النصر. ومن يتراجع، يُمحى.

إنها ليست معركة مؤقتة، بل معركة وجود.

الانسحاب ليس حلاً.. بل موت مغلف بالمنطق.

فلا تُضللونا بالاستشهاد بخالد.. فخالد قاتل لينتصر، لا لينسحب إلى الأبد.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023