في أول لقاء شخصي بينهما، يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي، اليوم الجمعة، رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، وسط توقعات بأن يتصدر ملفا سورية وإيران جدول أعمال المباحثات، في ظل سعي الجانبين لاستئناف الحوار الثلاثي بين مجالس الأمن الروسية والإسرائيلية والأميركية.
ومن مؤشرات عزم بوتين وبينت مناقشة قضايا التعاون الاقتصادي، مشاركة وزير البناء الإسرائيلي الناطق بالروسية زئيف إلكين، في الزيارة.
وهو ترأس اللجنة الحكومية للتعاون الاقتصادي من الجانب الإسرائيلي منذ عهد نتنياهو.
ومن اللافت أن زيارة بينت إلى سوتشي تأتي بعد زيارة رئيس هيئة الأركان العامة الإيرانية اللواء محمد باقري إلى موسكو، التقى خلالها مع قيادات وزارة الدفاع الروسية وممثلين عن الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري - التقني، في مؤشر يعكس عزم موسكو مواصلة إمداداتها العسكرية إلى طهران، وهو ما يثير قلق تل أبيب. وخلال لقائه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أشاد باقري بالنطاق "غير المسبوق" للتعاون بين البلدين.
وكشف باقري، في تصريحات صحافية، عن إجراء مفاوضات مع موسكو بشأن شراء مقاتلات ومروحيات.
وتتوقع الصحافية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، ماريانا بيلينكايا، أن تتركز محادثات بوتين وبينت في سوتشي على مناقشة الملفين الإيراني والسوري، وسط بحث موسكو عن استئناف اتصالاتها مع واشنطن حول سورية عبر البوابة الإسرائيلية.
وتقول بيلينكايا، لـ"العربي الجديد": "هذا أول لقاء شخصي تعارفي بين بينت وبوتين الذي تعامل مع رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو على مدى 12 سنة، وكانت تربطهما علاقة وطيدة.
تبحث روسيا عن استئناف الاتصالات مع الولايات المتحدة حول سورية عبر إسرائيل على مستوى مجالس الأمن، والمتوقفة منذ العام 2019. تسعى موسكو لاستئناف الاتصالات مع واشنطن حول مستقبل سورية، والوقت الآن مؤاتٍ في ظل تطبيع العلاقات مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن".
وتلفت بيلينكايا إلى أن "الإدارة الأميركية معنية هي الأخرى بالاتصالات مع روسيا عبر إسرائيل، وإجراء المحادثات تحت غطاء أمن حليفتها، تجنباً لإثارة ردود أفعال سلبية في الداخل الأميركي بإجراء اتصالات مباشرة مع موسكو".
وحول مكانة الملف الإيراني على أجندة لقاء بوتين وبينت، توضح بيلينكايا: "تشكل القضية الإيرانية دائماً أهمية قصوى لإسرائيل، ولكن روسيا لا تنوي التخلي عن تعاونها مع طهران، بما في ذلك عن التعاون العسكري - التقني.
لكن في المقابل، لا تعارض روسيا ردع الأعمال الإيرانية في سورية، ولذلك تغض الطرف عن الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية، لاسيما عندما تستطيع إسرائيل الإثبات أنه كان هناك تهديد لأمنها".
ومن اللافت أن روسيا كانت تبدي دائماً درجة عالية من غض الطرف عن مئات الضربات العسكرية الإسرائيلية على حلفائها في سورية، وتفهّماً للمساعي الإسرائيلية لردع النفوذ الإيراني في الجنوب السوري.
وفي خريف 2018، وصل الأمر إلى تساهل موسكو مع واقعة إسقاط طائرة الاستطلاع "إيل-20" الروسية بواسطة قوات الدفاع الجوي التابعة للنظام السوري، وسط تزامن عودة الطائرة إلى قاعدة حميميم، مع شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي ضربات في محافظة اللاذقية في الساحل السوري. وعلى الرغم من أن بوتين واجه نتنياهو آنذاك بأن الحادثة ناجمة عن "عدم الالتزام بالاتفاقات الروسية الإسرائيلية بشأن منع الحوادث الخطرة"، إلا أنه لم يتخذ أي إجراءات عقابية بحق إسرائيل، على عكس فرضه عقوبات اقتصادية قاسية وتعليق حركة السياحة الروسية إلى تركيا، بعد واقعة إسقاط مقاتلة "سوخوي-24" الروسية على الحدود السورية التركية نهاية 2015.
من جهته، يقر الباحث في مركز بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، السفير الإسرائيلي الأسبق لدى روسيا وأوكرانيا، تسفي ماغين، بتباين المقاربات الروسية والإسرائيلية حيال القضية النووية الإيرانية، متوقعاً في الوقت ذاته أن يطلب بينت من بوتين الضغط على إيران، والامتناع عن بيع الأسلحة لطهران رغم إلغاء الحظر الدولي على توريدها لها.
وفي مقال بعنوان "ماذا سيناقش بوتين وبينت؟" نشر في صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" الروسية، أمس الأول الأربعاء، يتوقع ماغين أن يحاول بوتين وبينت إنعاش الحوار السياسي حول سورية والوجود الإيراني فيها، وكذلك استئناف الحوار الثلاثي بين مجالس الأمن، وسيبحثان أيضاً إعادة العلاقات التجارية إلى مستوى ما قبل جائحة كورونا واستئناف حركة السياحة الروسية للمطعمين بلقاح "سبوتنيك".
من جهة ثانية، أشارت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية، أمس الخميس، إلى أن لقاء بينت وبوتين يأتي في ظل تعاظم عداء الشارع الروسي لإسرائيل. ولفتت القناة، في تحليل أعدّه المعلق أليكس نينرنبرغ، إلى أن الاجتماع يأتي في ظل تراجع العلاقات بين موسكو وتل أبيب، مشيرة إلى أن المؤسسة العسكرية الروسية غاضبة من إسرائيل بسبب مواصلتها شنّ الغارات الجوية في عمق الأراضي السورية منذ 2018.
وأوضحت أن كبار المسؤولين في الصناعات العسكرية الروسية يشعرون بالحرج جراء فشل منظومات الدفاع المتطور التي تزود موسكو بها نظام بشار الأسد في منع الغارات التي تنفذها إسرائيل.
وأوضحت أن "العداء العام الذي يكنّه الشارع الروسي لإسرائيل" عُبِّر عنه خلال الحرب على غزة في مايو/أيار الماضي، حيث حرصت وسائل الإعلام الروسية على تبني رواية مناقضة للرواية الإسرائيلية. وأضافت أن الانتقادات التي توجَّه إلى إسرائيل في روسيا لم تعد محصورة بالصحافيين والمعلقين المنتمين إلى الحزب الشيوعي، بل انضم إليهم عدد كبير من ممثلي التيار الليبرالي الروسي، الذين كانوا في الماضي ينظرون إلى إسرائيل بوصفها "نموذجاً للدولة الديمقراطية التي يقتدى بها، حيث باتوا يرونها الآن قوة كولونيالية محتلة ونبتة غريبة وسط المحيط العربي".
وبحسب القناة، فإن الكثير من النخب الإسرائيلية ترى، في المقابل، في النظام الذي يرأسه بوتين نظاماً "ديكتاتورياً مركزياً لا يتصرف وفق الأصول التي تتبعها الدول الرائدة في العالم"، حيث تشير هذه النخب إلى أن بوتين لم يتردد في اعتقال ومحاكمة الإسرائيلية نعاما يسسخار قبل عامين، بحجة حيازة مخدرات، لمجرد الضغط على إسرائيل من أجل الإفراج عن مدون روسي اعتقلته تل أبيب. وشبهت القناة العلاقة بين إسرائيل وروسيا بالعلاقة بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، حيث إنه في الوقت الذي تحافظ فيه قيادتا نظامي الحكم في القاهرة وعمان على علاقات دافئة مع تل أبيب، فإن الشعبين المصري والأردني يعاديان إسرائيل بقوة.