إرهابيين يعملون "تحت غطاء منظمات المجتمع المدني"

هآرتس

ليلا مرجليت

الكاتبة باحثة متمرسة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية

ترجمة حضارات

أثار قرار وزير الدفاع إدراج ست منظمات فلسطينية ضمن قائمة "المنظمات الإرهابية" بسبب العلاقات التي تربطها بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عاصفة على المستويين الجماهيري والدولي. فأغلب هذه المنظمات تحظى باعتراف دولي قديم العهد بفضل نشاطها في مجال توثيق انتهاكات حقوق الإنسان- سواء من قبل "إسرائيل" أم من قبل السلطة الفلسطينية. 
وعليه، فإنّ ادعاء وزير الدفاع بأنّ هذه المنظمات ليست سوى ثلة إرهابيين يعملون "تحت غطاء منظمات المجتمع المدني"، يثير العديد من التساؤلات المهمة، طبعًا، لا تحصل هذه المنظمات الحقوقية على أي حصانة من قوانين حظر الإرهاب.  

فقد تبنت ومنذ الـ 11 من سبتمبر 2001 دول ديمقراطية عديدة في العالم آليات عرّفت من خلالها خصائص المنظمات الإرهابية، بهدف التنسيق الدولي لمنع تمويلها.

تسمح هذه الآليات بتصنيف عدة منظمات أهلية كإرهابية لضلوعها بشكل غير مباشر بأعمال العنف، توفير الأموال، الموارد الأيدي العاملة المطلوبة لتنفيذ عمليات تخريبية، ولكن، تنطوي آلية التصنيف المتّبعة في "إسرائيل" والمدرجة حاليًا في قانون مكافحة الإرهاب، على صعوبات وتحديات خاصة، وذلك لأنها تشمل توليفة إشكاليّة تجمع بين أسباب فضفاضة جدًا واستناد شمولي إلى معلومات سرية، الأمر الذي يحول دون إخضاع هذه القرارات لرقابة حقيقية ولحوار جماهيري منطقي بخصوصها. لكن الأخطر من ذلك كله، أن قدرة هذه المنظمات على الاستئناف ضد هذه القرارات محدودة جدًا.

طبعًا، باستطاعة هذه المنظمات التقدم بطلب إجراء جلسات استماع أمام لجنة خاصة يرأسها قاض كبير سابق، ومن ثمة تقديم التماس للمحكمة العليا. ولكن يجوز للدولة وفي إطار هذه الإجراءات الاستناد إلى معلومات سرية بشكل كامل، الأمر الذي يضاعف الضرر بالذات في ظل غياب آليات من شأنها التخفيف من حدته كتعيين محام خاص لدراسة المعلومات التي قدمها الادعاء ضد المنظمة على سبيل المثال. لكن ما يزيد الطين بلة، هي عواقب هذه القرارات الوخيمة - كالحظر الجنائي لأي "تعبير تضامني" مع إحدى هذه المنظمات.

خلقت هذه التوليفة أرضية خصبة للإعلان عن مثل هذه القرارات غير المبررة بل وإساءة استخدامها، الأمر الذي سيقود بالنهاية إلى تقليص الحيز الديمقراطي. كما شهدنا في الأيام الأخيرة، قد يمسّ ذلك أيضًا بشرعية قرارات "إسرائيل" وبفرص حشد المجتمع الدولي لاتخاذ خطوة حازمة في هذا الشأن.

كما، وقد يشجع استخدام وتطبيق صلاحية الإعلان هذه على نطاق واسع الإرهاب أيضًا- فإذا لم تفرق الدولة بين قتل المواطنين العزّل وبين النشاط السياسي المدني، فما الذي سيمنع هذه المنظمات من دعم الإرهاب؟ لا شك أن لهذه الآلية دور مهم بعملية مكافحة تمويل الإرهاب. ولكن، لصلاحيتها تبعات لا حصر لها، وعليه يتطلب تطبيقها توخي الحذر الشدي، بل ويجب ومن أجل ضمان استخدامها بشكل لائق ومنصف اتخاذ عدة خطوات.



أولًا: 
يجب تفسير القانون بشكل معقول، فلا يمكن الإعلان عن منظمات معينة كمنظمات إرهابية إلا استنادا لأدلة تدل بشكل قاطع ومقنع أنّها تقوم بشكل ممنهج ومتعمد بمساعدة منظمات إرهابية على تطبيق استراتيجية تنظيمية هدفها تنفيذ عمليات تخريبية عنيفة.

لا يمكننا الاستناد إلى رموز وتداعيات أفكار تبسّط التعقيدات الحياتية التي هي لب العلاقات البشرية، تحديدًا في واقع سياسي مركّب كواقع الأراضي المحـــ تلة.

ثانيًا:
 تجدر الإشارة إلى أنّ الطريقة المثلى لتطبيق هذه الآلية، تكمن فقط باتخاذ إجراءات جنائية عينية ضد جهات يُشتبه بتورطها بالإرهاب لا ضد المنظمات بأكملها. حيث ينبغي تطبيق هذه الخطوة المتطرفة الرامية إلى "القضاء" على منظمة ما بأكملها، وعلى نشاطها المشروع والحيوي، فقط في الحالات التي لا يمكن فيها الاكتفاء باتخاذ خطوات فردية فقط. ببساطة، لأن منظمات حقوق الإنسان ما زالت الأداة الوحيدة التي تقف بوجه السلطات وتقوم بحماية سكان المناطق المحتلة من بطشها، كما يجب التحقق أيضًا من أنّ استخدام هذه الوسيلة المتطرفة يتماشى مع مبدأ المساواة.

 ثالثًا: 
يجب تعزيز الرقابة على إجراءات الإعلان عن منظمات حقوق الإنسان كمنظمات إرهابية، إخضاعها لرقابة برلمانية، وبلورة آليات تمكن المنظمات من التعامل مع الادعاءات الموجهة ضدها. كما وينبغي أيضًا اعتماد أقصى درجات الشفافية الجماهيرية بخصوص القاعدة المعلوماتية التي تستند إليها هذه القرارات.  

يجب أيضًا وفيما يتعلق بعواقب هذه القرارات تبنّي توجّه "ضيق النطاق"، وذلك لاستناده أساسًا إلى معلومات سرية، كما ولا يجوز استخدام هذه القرارات لاتهام دوائر واسعة من النشطاء، الداعمين والمناصرين بالإرهاب، بل ينبغي تخصيصها لهدف أمني محدد يبرر منحها هذه الصلاحية من الأساس- وأعني هنا حظر نشاط منظمات حقوق الإنسان من خلال فرض عقوبات اقتصادية عليها. لم تُعرض المعلومات التي تم الاستناد إليها لتعريف هذه المنظمات بالإرهابية أمامنا، ولكن قلقنا من إساءة استخدام هذه الآلية الحساسة التي تهدف لإخماد النقد الشديد الموجه للسلطة، تقض مضاجعنا.  

لم تكن التعليلات الموجزة التي استعرضها وزير الدفاع حتى الآن كافية لتفسير هذه الخطوة المتطرفة، كما ولا يشمل القانون مع الأسف ضمانات قوية بالقدر الكافي لمنع اتخاذ قرارات عبثية. 
مع ذلك، تعتبر القرارات الأخيرة ووفقًا للآلية المحددة في القانون مؤقتة، لكنها ستصبح ثابتة خلال بضعة أشهر، أي بعد منح المنظمات فرصة لتقديم طلبات لجلسات استماع، لكن وحتى ذلك الحين، يجب إخضاع هذه القرارات لرقابة حقيقية وفعلية، بل ومطالبة وزارة الدفاع بتقديم معلومات مفصلة بخصوص الأسباب التي تقف وراء اتخاذ هذه القرارات.

 




جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023