تعتيم إعلامي وتمويه: كيف نجحت إسرائيل في تحرير زوجين من السجن التركي؟
تايمز أوف إسرائيل



كانت عائلة الزوجين "الإسرائيليين" اللذين تم احتجازهما لأكثر من أسبوع في تركيا بشبهة التجسس على علم قبل عدة ساعات بشأن إطلاق سراحهما الوشيك، لكن تم التعتيم على الخبر؛ بسبب المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى عرقلة العملية، بحسب صورة لتطور العملية الدبلوماسية المعقدة نشرتها وسائل الإعلام "الإسرائيلية" بعد وقت قصير من عودة الزوجين إلى "إسرائيل".

مع وصول موردي ونتالي أوكنين إلى منزلهما في مدينة موديعين بوسط البلاد صباح الخميس، ظهرت التفاصيل عن الجهود الأخيرة التي بُذلت وراء الكواليس لإنهاء محنتهما.

وأفادت تقارير أنه تم نشر تفاصيل مكالمة هاتفية أجرتها نتالي مع عائلتها للإعلام يوم الأربعاء كوسيلة تضليل لإخفاء التقدم الذي تم إحرازه نحو إطلاق سراحهما. 
في غضون ذلك، أكد المسؤولون "الإسرائيليون" على أن "إسرائيل" ليست مطالبة بتقديم أي شيء لأنقرة مقابل الإفراج عن الزوجين.
ألقي القبض على الزوجين أوكنين في الأسبوع الماضي بشبهة التجسس بعد أن قاما بتصوير قصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كما يفعل آلاف السياح الآخرين بحسب تقارير. 
وسارعت "إسرائيل" إلى نفي تورطهما بالتجسس بشدة، وقالت إن الزوجين، اللذين يعملان كسائقي حافلات في شركة “إيغد”،  كانا مجرد سائحين.

كانت هناك مخاوف ملموسة من أن الزوجين قد يقضيان سنوات عديدة في السجن بعد أن أمرت محكمة تركية باحتجازهما لمدة 20 يومًا آخرين واتهمهما وزير تركي علنًا بالتجسس.

بعد أسبوع مرهق للأعصاب، في الساعة 4:40 مساء في يوم الأربعاء، اتصل وزير الخارجية يائير لابيد بأسرة الزوجين أوكنين وأخبرها أنه من المتوقع إطلاق سراح موردي ونتالي من السجن قريبًا، لكنهم لم يتمكنوا من التحدث عن ذلك علنًا، بحسب وسائل الإعلام العبرية.

تم إبعاد التطور الرئيسي عن الصحافة لمنع أي تعطيل محتمل للتعاون الدقيق مع السلطات التركية. محامي الزوجين، نير ياسلوفيتس، الذي كان يقدم تحديثات منتظمة عن الوضع من تركيا، ألغى جميع مقابلاته المقررة مع وسائل الإعلام، كما طالبت وزارة الخارجية الرقابة العسكرية بفرض تعتيم إعلامي على هذه المسألة.

استمرت عائلة أوكنين باستقبال زيارات لمسؤولين حكوميين مختلفين، لكنها حرصت على عدم ذكر الأنباء المتفائلة التي نُقلت إليها.

ولإخفاء التطورات بشكل أكبر، تم في وقت لاحق من نفس المساء نشر تسجيل لنتالي وهي تتحدث مع عائلتها لوسائل الإعلام كوسيلة للتضليل، وفقًا للتقارير. 
كان التسجيل أول محادثة مباشرة أجرتها نتالي مع عائلتها في إسرائيل، في وقت سابق يوم الأربعاء، في وقت لم يتم فيه الانتهاء من إطلاق سراح الزوجين ولم تكن أسرتهما على علم بإحراز أي تقدم.


في وقت مبكر من صباح الخميس، أرسلت الحكومة طائرة خاصة لنقل الزوجين أوكنين، التي وصلت إلى "إسرائيل" الساعة 6:20 صباحًا.
الطائرة هي طائرة مسجلة في الولايات المتحدة كانت تستخدمها "إسرائيل" في الماضي في شؤون الدولة، حسبما أفاد موقع “واينت”.

فقط بعد أن حلقت الطائرة في الجو بدأت الأنباء عن إطلاق سراح الزوجين في الظهور.

وجاء في بيان مشترك صادر عن لابيد ورئيس الوزراء نفتالي بينيت “نشكر الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) وحكومته على تعاونهما ونتطلع إلى الترحيب بالزوجين في الوطن”، مضيفًا أن هرتسوغ ساهم أيضًا بشكل كبير في الجهود المبذولة لإنهاء هذه القضية.

منذ البداية، سعى المسؤولون "الإسرائيليون" إلى حل القضية بهدوء، خوفا من أن يؤدي التصعيد الدبلوماسي إلى تعقيدها.

على الرغم من أن التغطية الإعلامية لهذه المسألة لم تكن كبيرة في البداية في تركيا، إلا أن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو زعم علانية يوم الثلاثاء أن الزوجين أوكنين جاسوسان استهدفا مقر إقامة أردوغان. كما بدأت الصحافة المحلية في تغطية القضية، رغم أن بعض الشخصيات الإعلامية انتقدت السلطات علنا لاعتقالها الزوجين.

وقال مسؤولون "إسرائيليون" إن تصريحات صويلو دفعت "إسرائيل" إلى تكثيف أنشطتها الدبلوماسية، مدفوعة بضرورة إنهاء القضية قبل أن تتصاعد أكثر من ذلك.

تم ذلك على مسارين منفصلين، حيث قامت القائمة بالأعمال في السفارة "الإسرائيلية" في تركيا، إيريت ليليان، بالاتصال بإبراهيم كالين، المستشار المقرب لأردوغان، وتواصل رئيس "الموساد" دافيد برنياع مع نظيره التركي، حسبما أفاد موقع “واللا” الإخباري.

وقال مسؤولون بوزارة الخارجية إنهم أكدوا للسلطات التركية أن الأزمة يجب أن تنتهي قبل أن تتضخم أكثر.
وبالفعل مساء الثلاثاء، أبلغ كالين ليليان أنه لا يوجد دافع حكومي وراء الحادث وأن الأوامر لم تأت من القيادة العليا، ولكن ما حدث كان مجرد حادثة محلية تحولت إلى قضية معقدة. حثت السلطات التركية "الإسرائيليين" على منحهم مهلة لحل القضية، وفقًا للتقرير.

بحلول يوم الأربعاء، أبلغ كالين المسؤولين "الإسرائيليين" أنه سيتم إطلاق سراح الزوجين أوكنين.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية لموقع “واللا” إن “أردوغان أدرك أنه لا توجد هناك حاجة لدخول صراع مع إسرائيل وأنه يمكن أن يستفيد أيضًا من هذه القضية”.

وأكد المسؤولون أنه على الرغم من الجهود المكثفة، لم تكن هناك اتصالات دبلوماسية مباشرة على أعلى مستوى بين البلدين.

وتحدث الرئيس "الإسرائيلي" هرتسوغ عبر الهاتف مع كبار المسؤولين الأتراك، ولكن ليس مع أردوغان نفسه.
 وأشار مسؤولون إلى أن نفي إسرائيل السريع لكون الزوجين جاسوسين – على لسان بينيت ولابيد وهرتسوغ – كان له تأثير إيجابي على الاتصالات مع تركيا.
وأفاد موقع واللا أن "إسرائيل" اتخذت قرارًا في الأسبوع الماضي بعدم إقحام دول أخرى وحل القضية مباشرة مع تركيا.
 على الرغم من أن المسؤولين درسوا التوجه إلى بريطانيا أو أذربيجان، فقد تم التخلي عن الفكرة.

تطور آخر تم إبقاؤه سرًا كان سبب إلغاء لابيد لرحلة مخطط لها إلى بودابست كان من المقرر إجراؤها مساء الأربعاء. 
قرر لابيد في صباح ذلك اليوم إلغاء الزيارة حتى يتمكن من مواصلة العمل على إطلاق سراح الزوجين أوكنين، لكن تم حجب السبب عن وسائل الإعلام، وفقًا لموقع واللا.

وأعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية، ليئور حيات، عن امتنانه لتركيا وأردوغان، وقال لإذاعة 103FM يوم الخميس إنهما “أدركا الوضع وساعدانا على حله، لقد اعتمد الأمر على سنوات من الاتصالات وفهم للثقافة والعمليات المحلية، هذه هي الطريقة التي تتم بها الدبلوماسية “.

وبالمثل، قال حيات أيضا أن أي دولة طرف ثالث لم تلعب دورا في التوصل إلى الحل.
وأقر حيات بأن المسؤولين اندهشوا من مدى النجاح في إخفاء الأنباء عن إطلاق سراح الزوجين.

وقال “لقد فوجئنا تماما أن المسألة بقيت تحت الرادار حتى أقلعت الطائرة، كان من الجيد أن يحدث ذلك بهذه الطريقة؛ اعتقدنا أن النشر قبل الأوان يمكن أن يضر بالعملية”.

وقال حيات عن التكهنات بأن الإفراج قد يكون جزءً من صفقة سرية: “لا أعرف  عن أي وعد تم إعطاؤه في المقابل، كان لدى الجميع حافز لإنهاء هذا بسرعة ونحن سعداء أن هذا ما حدث”.

على الرغم من أن "إسرائيل" لم تكن مطالبة بتقديم أي شيء لتركيا لتأمين الإفراج، فقد قدّر محللون في وسائل الإعلام أن "إسرائيل" ستقدم لفتة من نوع ما.

وأفادت تقارير أن بينيت سيجري مكالمة هاتفية مع أردوغان يوم الخميس للإعراب عن امتنانه.

على الرغم من وجود علاقات دبلوماسية بين تركيا و"إسرائيل"، إلا أن العلاقات بينهما متوترة ولا يوجد في أي من البلدين سفير للدولة الأخرى، الأمر الذي أدى في البداية إلى تعقيد العملية.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023