الأداء الديمقراطي للحركة الفلسطينية الأسيرة بين الصعود والهبوط


بقلم: أيمن عبد المجيد  

تُعد التجربة الشورية والديمقراطية لفصائل الحركة الأسيرة داخل السجون الإسرائيلية إحدى أهم ركائز العمل التنظيمي للحياة الاعتقالية والنضالية للأسرى، هذه التجربة التي أرست دعائمها بين جدران الأسر رغم ما لاقت من قمع وقهر وعدم استقرار وحالة الاشتباك الدائم مع السجان، إلا أن الحركة الاسيرة استطاعت تجاوز كل تلك العقبات وتحويل مجتمع الأسرى إلى مجتمع قائم بحد ذاته بدرجة عالية، متخذة من الممارسة الشورية والديمقراطية ومظاهرها أساساً مهما ًللعديد من النجاحات على المستوى النضالي والوطني.

ومن هذه المظاهر إجراء الانتخابات لاختيار الهيئات التنظيمية المسؤولة عن إدارة شؤون الأسرى المطلبية والحقوقية ومنها أيضًا (التأسيس لتداول السلطة) وإعداد اللوائح الناظمة للقوانين والضوابط من رقابة ومحاسبة ومساواة على مستوى الفصيل الواحد والكل الوطني، ومن ذلك أيضًا ترسيخ مبدأ الحوار كأساس للاحتكام للعلاقات الوطنية والمشاركة الفصائلية في اتخاذ القرارات الميدانية والخطوات النضالية، لاشك أن هذه التجربة فيها من العناصر الإيجابية التي لا يمكن الاستهانة بها والتي قد تفوق مثيلاتها خارج السجون، إلا أن هناك سلبيات لا يمكن انكارها شابت هذه الظواهر والممارسات لدى بعض فصائل الحركة الأسيرة فالمراقب للمنحنى الخطي لأداء الممارسات و الآليات لتلك المفاهيم يرى بوضوح التطور التصاعدي والايجابي عند بعض الفصائل الإسلامية واليسارية ولو بشكل نسبي والتراجع والهبوط السلبي عند البعض الأخر عند البعض الآخر.
 الفريق الأول كحركة حماس على سبيل المثال استطاعت تطوير وتوسيع مساحة العمل الشورى والديمقراطي أفقياً وعمودياً على المستويين الداخلي والفصائلي، حيث تمكنت من تشكيل جسم قيادي موحد لها في كل قلاع الأسر وهو الهيئة القيادية العليا لحركة حماس داخل السجون الإسرائيلية؛ مما كان له الأثر الإيجابي على كل من حركتي الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية اللتين انتهجتا نفس الخط لتشكيل هيئات قيادية عليا.

أما على مستوى العلاقات الفصائلية يمكن القول أن حماس نجحت في الانفتاح على كل الفصائل الوطنية والإسلامية على أساس الشراكة والاحترام المتبادل وقبول الآخر، أما الفريق الثاني فإنه لم يقف عند عدم القدرة على تشكيل قيادة موحدة فحسب إنما ذهب إلى أبعد من ذلك مما أدى إلى انفراط العقد النضالي والاجتماعي والجماعي والتراجع والهبوط في تطبيق تلك المفاهيم بشكل صحيح، وتطويع واستغلال الأدوات والأليات بما يخدم المصالح الذاتية والمناطقة، وهذا بدوره أثّر على المستوى الداخلي من جهة وعلى العمل الوطني والنضالي والفصائلي من جهة أخرى.

إن هذا التراجع والهبوط لم يكن وليد اللحظة إنما عبر مسيرة تاريخية أثّرت فيها العديد من العوامل الذاتية كالثقافة والتربية التنظيمية وحب الذات والأنا، ورفض الاخر والبحث عن المصالح الشخصية إضافة للتأثر بالواقع التنظيمي في الخارج وما طاله من فساد سياسي ومالي واداري، وكذلك لعبت العوامل الموضوعية داخل السجن دوراً كبيراً، فالسياسات الهدامة بإدارة مصلحة سجون الاحتلال عبر محاولة صناعة قيادات وممالك وانتهاك سياسة الاحتواء المنظم عبر شراء الذمم بالدعم والامتيازات، ناهيك عن سياسة القمع والنقل التعسفي للقيادات المخلصة، وعزلها وتحييدها وافشال أي خطوات لتصحيح البوصلة والمسار.

وهنا يجب التأكيد على أنَّ التجربة الشورية والديمقراطية للحركة الأسيرة تستوجب نقاشا أعمق للوقوف عند تلك العوامل، والعمل على تصحيح المسار والارتقاء بالأداء بما يخدم المصالح الوطنية والحياة الاعتقالية والنضالية للحركة الاسيرة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023