ما بعد مبادرة السنوار الكرة في ملعب حماس

​​​​​​​


"الكرة في ملعب حماس" هكذا كان رد نتنياهو على مبادرة السنوار. 

لقد استطاع نتنياهو بدهائه السياسي الالتفاف على هذه المبادرة؛ حيث لم تتجاوز تحركاته الزوبعة في فنجان، ولم يحصل أي تقدم على صعيد هذه الملف رغم الظروف الإنسانية التي فرضتها جائحة كورونا والتي كانت فرصة كبيرة للطرفين، وبرغم تجاوز الصراعات السياسية والانتخابات وتشكيل الحكومة من قبل نتنياهو.


إن القارئ والمتابع للأحداث خلال الست سنوات الماضية منذ أسر الجنود في حرب العصف المأكول عام 2014 م يستنتج أن لا ضغوطات حقيقية وفاعلة مورست على نتنياهو، قد ترغمه على اتخاذ قرار بعقد أي صفقة تبادل أسرى (شاليط ) على غرار صفقة وفاء الأحرار 2011م. 
وبالعودة للوراء يُبيّن الصحفي الإسرائيلي مؤلف كتاب بيوغرافيا عن نتنياهو "بن كاسبيت" كيف ولماذا وما هي الأسباب والعوامل التي اضطرت نتنياهو لأخذ قرار عقد صفقة تبادل مع حركة حماس. 
حيث اعتبر "بن كاسبيت" أن العوامل الرئيسة التي دفعت نتنياهو لعمل الصفقة بعد مدة خمس سنوات على أسر المقاومة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط كانت التالية: 
1. الاحتجاجات الاقتصادية التي اجتاحت أغلب المدن في يوليو 2011م والتي كادت أن تطيح به وبحكومته.
2. الربيع العربي والتحولات الإقليمية والمحاور الجديدة التي قد تكون في صالح حركة حماس، والهاجس أن يصبح مصير شاليط مثل رون أراد.
3.انزعاج سارة نتنياهو من خيمة الاعتصام التي نصبتها عائلة شاليط مقابل منزلها في القدس المحتلة. 


لا شك أن لهذه العوامل دورًا في قرار نتنياهو، إلا أن هناك عامل أساسي من الأهمية بمكان يجب عدم التغاضي عنه ألا وهو: السياسة الاستراتيجية التي انتهجتها المقاومة في الكشف عن مصير شاليط عبر شريط صوتي، وآخر مصور والذي كان من نتائجها المرحلية: 
1- الإفراج عن عشرين أسيرة فلسطينية وتحريرهن من السجون الإسرائيلية. 
2- مضاعفة حجم التعاطف والحراك الشعبي مع عائلة شاليط، والضغط الهائل الذي شكله الإعلام والمثقفون والفنانون على صانع القرار الإسرائيلي.


التغير في السياسة الاستراتيجية الذي أحدثته المقاومة هذه المرة رغم الفارق في الكم والنوع عما بأيدي المقاومة من أوراق - كما صرح بذلك العديد من قادتها- والتكتم الكامل وعدم الكشف عن أية معلومة إلا بثمن والإفراج عمن أعادت إسرائيل أسرهم من محرري صفقة وفاء الأحرار، هذه السياسة الاستراتيجية على ما فيها من بعض الإيجابيات استغلها نتنياهو ، ونجح بصورة أو بأخرى ، وخففت الضغط من قبل الرأي العام الى حد كبير ،بعد أنه تم اقناع عائلات الجنود أن أبنائهم في عداد الموتى، هذه الرواية التي سكتت عنها المقاومة، ولم تنقضها، لم تدفع العائلات القيام بأي حراك للضغط على الحكومة الإسرائيلية لإرجاع أبنائها بأي ثمن، وهذا بدوره انعكس على حجم التعاطف والحراك من قبل الشارع الإسرائيلي. 


إن شخصية نتنياهو شخصية نرجسية وميكافيلية بامتياز، والغاية عنده تبرر الوسيلة، وهو مستعد لتدمير كل ما حوله مقابل الحفاظ على منصبه، والتجربة السابقة في الأسباب التي دفعته لعقد صفقة تبادل بينّت أن خوفه على كرسي الحكم هو العامل الأول والأخير فقط لا غير. 

والسؤال هنا: لماذا لم تعتمد المقاومة الاستراتيجية السابقة التي استخدمتها في صفقة وفاء الأحرار؟ علمًا أن ما بأيدي المقاومة في حينها كان أقل بكثير مما في أيديها الآن من مفاجآت وكنز كبير ، هذه الاستراتيجية التي استغرقت زمنًا أقل – خمس سنوات-، وحققت الأهداف المرجوة ، مقارنة بما يحصل اليوم؟ 
وما هي العوامل أو التغيرات التي تراهن عليها المقاومة ؛ لدفع وإجبار نتنياهو لعقد صفقة وفاء الأحرار 2 ؟ 
وهل استخلصت المقاومة العبر من تجربة الست سنوات التي لم تأتِ بأي جديد حتى اللحظة ؟


وعليه ألا يعني كل ذلك ويتطلب وقفة جدية للدراسة والمراجعة والتقييم والتقويم، وتغيير للسياسات والاستراتيجيات الموصلة للأهداف حسب الإمكانات والموارد المتاحة، وإلى متى ستبقى المقاومة تعتبر أن الزمن في صالحها، خاصة أن هناك من الأسرى من تجاوز الأربعين عامًأ من الأسر. 
وإلى متى ستبقى الكرة تنتقل بين ملعب حماس ونتنياهو دون حسم للمباراة؟

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023