هآرتس
عوني المشني
ترجمة حضارات
* عوني المشني:
هو كاتب وناشط سياسي فلسطيني ومنسق حركة "دولتان وطن واحد".
ذهب بعض المثقفين الإسرائيليين في الأسابيع الأخيرة وفي سياق البحث عن حلول بديلة، في سجال حول الحل الكونفدرالي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
يحمل هذا السجال، وإن كان في بدايته مؤشرات تستحق التوقف عندها، حيث تقضي نقطة انطلاق العديد من هؤلاء -سواء المؤيدين أم المعارضين- أن هناك حاجة لحل الكونفدرالي استراتيجي للأزمة التي تعيشها "إسرائيل"، وأعني هنا أزمة وجود ما يزيد عن ستة ملايين فلسطيني على هذه الأرض.
بنى هؤلاء موقفهم بالأساس حول ضرورة إيجاد حل لمشكلة "إسرائيلية" متجاهلين بذلك مصالح الفلسطينيين، معاناتهم وأحلامهم؛ فهم مشكلة بل و شر لا بد من التعاطي معه لا شعب يملك أحلامًا، طموحات وحقوقًا جمعية وفردية، تم ومن خلال هذا السجال تغييب الطرف الفلسطيني عن النقاش بل وإقصاؤه عن الشراكة بعملية البحث عن حل يشمله.
نعم فلينتظر الفلسطينيون قليلا أو كثيرا حتى يناقش ويتفق الإسرائيليون فيما بينهم الحل، بل وليصمتوا كي لا يزعجوا الإسرائيليين خلال نقاشهم وتحديدهم للحل الأنسب.
بالإضافة ـإلى ما جاء أعلاه يتجاهل هذا السجال حقيقة كون الإحتــــ لال القضية المركزية والتي وفي حال استمر الإسرائيليون بالتملص من حسمها، فإن أي حل سيشكل التفافًا قصير النظر على المشكلة.
من يظن أن باستطاعة الكونفدرالية شرعنة الاحتــــ لال، يلغي العقل والمنطق.
يؤيد البعض الكونفدرالية لأنها تلتف على عملية إنهاء الاحتــــــ لال بالمقابل يرفضها البعض لأنها تمس وجوده، وعليه ينبثق الرفض والقبول من نفس المنطلق، أي إيجاد صيغة تحافظ على استمرار الاحتـــــ لال كمكسب؛ لذا فرفض أو قبول الحل الكونفدرالي ليس بذي أهمية، لأن القضية الأهم هي الموقف من استمراره أو زواله.
والملاحظات على هذا السجال كثيرة وجوهرية، لكننا وبعيدًا عن كوننا مستبعدين كفلسطينيين عن هذا السجال، نعتقد أن تحديد منطلقاته أهم من مضمونه، فالمنطلقات الصحيحة تقود إلى نتائج صحيحة.
تستدعي الحلول السياسية:
أولا: التمعن بالواقع، الانطلاق من معطياته والبحث عن العدالة حتى وإن كانت نسبية، لكن يحتاج تحقيق هذا الأمر إلى قدر كبير من التوازن في ميزان القوى والعدالة بطريقة لا تجعل الحل رهين موازين القوى السائدة، لأنه وفي ظل هذه المعادلة سينهار حتما بل وسيتحول لهدنة مؤقتة بين حربين.
وثانيًا: ينطق الواقع بوجود شعبين على هذه الأرض، شعبين لهما علاقات تاريخية وعاطفية وطيدة بهذه الأرض، بغض النظر عن روايتهم التاريخية ومصداقيتها أو عن الأسباب التي جمعتهم على هذه الرقعة من الأرض، إلا أنهما متداخلين سَكنيًا، واقتصاديًا وبيئيًا بل وعلى استعداد لمواصلة الصراع حتى الموت في سبيل تطلعاتهم.
فلو اتفقنا أن العدالة النسبية التي تأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعبين، لا تخلق مظالما جديدة بل ستعيد ترتيب معطيات الواقع بطريقة تحقق تلك المصالح؛ فسيحمل حوار الكونفدرالية معنى مختلفا عما يدور عليه الآن. بل وسيأخذ السجال مسارًا مختلفًا وربما بات أفضل الحلول المقترحة، هذا ليس افتراضًا نظريًا فهذا ما حدث فعلًا، وعليه نتجت عنه صيغة معقولة ومقبولة لكونفدرالية حقيقية.
فالصيغة السياسية الوحيدة التي يتفق عليها بعض الفلسطينيين والإسرائيليين هي حل "الدولتين على أرض واحدة"، لأنها تستند إلى منطلقات موضوعية تمثل الواقع.
فعندما أخذت هذه الصيغة معطيات الواقع الموضوعية، العدالة النسبية، تخوفات ومصالح الشعبين بعين الاعتبار وبشكل مساو، تم الاتفاق بسهولة على رؤية دولتين في وطن واحد كصيغة تجعل الطرفان يوقفان ماراثون الصراع الدامي منتصرين دون تحقيق أحلامها الواحد على حساب الآخر.
عندما نسوق هذا المثال، فإننا نقدم نموذجا لسجال فلسطيني إسرائيلي ناجع ومثمر، لأن السجالات في ظل اختلاف المنطلقات الأساسية ما هي إلا حوار طرشان.