ليس التهديد الإيراني فقط: القوة التكنولوجية التي ينبغي أن تزعج نظام الدفاع في إسرائيل
القناة الــ12
نير دبوري
ترجمــة حضـارات
تتميز منطقة “صحراء جوبي” والتي تقع شمال الصين بالكثبان الرملية الضخمة، في قلب كهوف موغاو، التي تزين جدرانها بلوحات خاصة لفنانين بوذيين تم اكتشافها في القرن التاسع عشر، ومن خلال هذه الكهوف، يمكنكم التعرف على التاريخ الهندوسي الصيني وطريق الحرير الجنوبي وهو طريق تجاري عمره 2000 عام تقريباً.
طريق الحرير هو اسم طريق التجارة القديم الذي يمر عبر الدول الآسيوية ويربط الهند والصين في الشرق والبحر الأبيض المتوسط في الغرب، حيث سافر التجار والبدو والجنود والرهبان والعديد من الناس في هذا الطريق الطويل عبر التاريخ، و لعب كل مليمتر من 6500 كيلومتر من طريق الحرير دورًا مهمًا في تطور الحضارة الصينية، وفي تنمية العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الحضارات التي تطورت في مختلف دول المنطقة.
وكما كان الحال في ذلك الوقت الآن عادت الصين، وكجزء من إستراتيجيتها للنمو المستمر، فإنها تبني “طريق الحرير الجديد”، ولكنها لم تكن لفترة طويلة مجرد استثمارات وملكية لقنوات التصدير من الصين إلى الأسواق المستهدفة، و كجزء من الخطة الجديدة، يتم تخطيط وتنفيذ المشاريع الهندسية على مسار الطرق البرية “الحزام الواحد” والطرق البحرية “الطريق الواحد”.
وتتمثل الأهداف الرئيسية للبرنامج في تعزيز العلاقات التجارية للصين مع الدول التي تسير على طريق الحرير الجديد، مع الاستفادة من قدرات التصنيع وبناء البنية التحتية لأسواق جديدة، حيث تعيد الصين بناء إمبراطورية القرن الحادي والعشرين باستثمارات تبلغ مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية لأكثر من 60 دولة، فهي تسعى جاهدة لإقامة نظام اقتصادي عالمي.
بينما تراقب “مؤسسة الأمن الإسرائيلية” عن كثب جهود إيران لترسيخ قوتها في الشرق الأوسط في مختلف الساحات، وحتى تتصرف بشكل استباقي لمنع تموضع المؤسسة الإيرانية في سوريا، ويبدو أنه قد يفوتنا في هذه الأثناء، تطور الصين التي تستحوذ على عقد” مفاصل” المعلومات والتقنية الحساسة في الشرق الأوسط.
هذا قد يفلت من الصورة العامة وحقيقة أنه في غضون عقد تقريبًا، سيكون هناك تغيير في نفوذ الذين يتحكمون في وسائل الإعلام والتكنولوجيا في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تكون جمهورية الصين الشعبية هي صاحبة السيادة.
ينشئ مركز الطاقة بنية تحتية رقمية للتمكن من جمع ونقل وتخزين ومعالجة كميات هائلة من البيانات، وتشمل هذه البنية التحتية منصات التجارة الإلكترونية الرقمية (ecommerce) وأنظمة الدفع والمقاصة المتنقلة (الأجهزة المحمولة) ومراكز البيانات الذكية(intelligent data centers) والشبكات الخلوية من الجيل الخامس والكابلات البحرية والأقمار الصناعية والتخزين السحابي والمدن الذكية “والذكاء الاصطناعي (AI).
تعمل الصين على ترسيخ قوتها في الشرق الأوسط دون استخدام أي قوة على الإطلاق، ولكن من خلال الاستيلاء على مراكز القوة التكنولوجية، ولقد اكتسبت موطئ قدم في تشغيل معظم شبكات اتصالات الجيل الخامس في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وكذلك في مشاريع “المدينة الذكية” التي تربطها بالكاميرات الأمنية وأنظمة إدارة حركة المرور، وأنظمة تكنولوجية لإدارة البنية التحتية الحيوية وأجهزة الاستشعار وغيرها، و بالنظر إلى الموقف، لا يسع المرء إلا أن يتخيل ما سيكون قادرًا على فعله عندما تتحدث دولة تكون فيها الصين المشغل الرئيسي ضدها علنًا، أو تتصرف ضد إرادتها.
الأُخْطُبوط الصيني
ترسم دراسة جديدة أجراها “معهد SIGNAL الإسرائيلي للعلاقات الإسرائيلية الصينية ” لأول مرة مدى عمق المشاركة الصينية في المجال التكنولوجي في الشرق الأوسط حتى داخل حدود “إسرائيل”، وعلى سبيل المثال، تقوم الصين ببناء شبكات خلوية الجيل الخامس في جميع أنحاء الشرق الأوسط وتنشر التقنيات في جميع أنحاء المنطقة.
أقامت أشدود ونتانيا وريشون لتسيون شراكات مع مدن صينية وشركات تكنولوجية لتطوير المدن الذكية، وقد قامت وزارة الرفاه والضمان الاجتماعي والشرطة و”الجيش الإسرائيلي” بتركيب كاميرات HIKVISION، هذه شركة بدأت كمعهد أبحاث للحكومة الصينية وتواصل الحفاظ على علاقات وثيقة مع الحكومة، وتمتلك أكثر من 40٪ من HIKVISION إلى الدولة، بينما يمتلك المستثمرون العامون وصناديق رأس المال الاستثماري باقي الشركة.
وتتعاون ICL (Israel Credit Cards Ltd) و OneBill مع عملاق التجارة الإلكترونية “علي بابا” لتنفيذ منصة دفع في “إسرائيل” لصالح السياح ورجال الأعمال الذين يزورون “إسرائيل”، وفي عمان، أنشأت “علي بابا” مركزًا للحوسبة السحابية تديره شركات محلية، ولكن سيتم تخزين البيانات على خوادم الشركة.
تعمل شركة “Huawei “هواوي الصينية، التي تقدم خدمات الاتصالات وحلول أمن المعلومات، في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان والكويت والبحرين ولبنان.
في المملكة العربية السعودية، تعمل الشركة مع مكتب الحج والعمرة التابع للحكومة السعودية من أجل تبسيط وترشيد أداء الحج، وفي “إسرائيل”، طورت Huawei مركزًا للبحث والتطوير يسمى Toga Networks، توفر الشركة أيضًا محولات لمزارع الطاقة الشمسية في “إسرائيل”.
وفي دبي تقوم هواوي بإنشاء مركز بيانات معياري في مطار دبي، كما تعمل أيضًا مع هيئة الكهرباء والماء في الدولة لمد كابلات الألياف الضوئية التي ستتيح الحفاظ على نظام المراقبة بالفيديو (المراقبة الأمنية).
في أبو ظبي تقوم الشركة بإنشاء مركز بيانات بلدي للتعامل مع كارثة جماعية.
وفي مصر، أنشأت Huawei مراكز بيانات مع التخزين السحابي منذ فبراير 2019. كما وقعت شركة الاتصالات الصينية ZTE اتفاقية مع شركة Ooredoo القطرية.
ولكن ليس فقط الهاتف الخلوي، تُصدر الصين إلى 15 دولة في الشرق الأوسط أيضًا إنشاء مصفوفات تكنولوجية لتحويل المدن إلى مدن ذكية، وفي المملكة العربية السعودية، وقعت هيئة البيانات والاستخبارات الحكومية (SDAIA) اتفاقية مع Alibaba Cloud التي توفر خدمات سحابية لتعزيز قدرة المدن السعودية على أن تصبح “مدنًا ذكية” وتعزيز الحلول القائمة على الذكاء، وتقوم شركة البناء والهندسة الصينية CSCEC بإنشاء عاصمة جديدة لمصر حيث سيتم استيعاب تكنولوجيا المدن الذكية.
من لا يشتري عبر الإنترنت؟
إن التجارة الإلكترونية في تصاعد مستمر، كما منحها كورونا دفعة كبيرة، وبالتالي فإن علي بابا وكذلك الشركة الصينية Jollychic لديهما محاور رقمية للتجارة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، واكتسبت منصة جولي شيك (Jollychic) شهرة في الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية ومصر وعمان والبحرين ولبنان وتقدم خدمات إلى 50 مليون مستخدم في جميع أنحاء المنطقة، ومن بين مليون ونصف مستخدم شهريًا في عام 2018، كان نصفهم في المملكة العربية السعودية،Jollypay التي توفر أنظمة الدفع والمقاصة عبر الهاتف المحمول نشطة أيضًا عند جارتنا الأردن، و في عام 2019، حصلت الشركة على الموافقة للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
كما تم إطلاقها يوليو 2020 في تركيا لتمكين عمليات الدفع للسياح من الصين في جميع أنحاء البلاد.
وتوضح تشاريس فيتي المديرة التنفيذي ومؤسسة “معهد SIGNAL للعلاقات الإسرائيلية الصينية : “الصين، في الواقع، تتمتع بكل العوالم وهي في كل مكان تقريبًا، إن الجمع يثني بخبرة الصين في تقنيات الجيل الخامس والمدن الذكية، إلى جانب وجودها المهيمن في الشرق الأوسط، يخلق قوة هائلة في عالم رقمي بالكامل، ومكانة قوة رقمية أيضًا، إن جهود الصين لتصبح لاعبا رئيسيا في الشرق الأوسط آخذة في الازدياد”.
وتحذر فيتي من العواقب: “لدى “إسرائيل” نزعة للنظر إلى العلاقات مع الصين من خلال العيون الاقتصادية للعلاقات التجارية.
ويثبت بحثنا أن نفوذ الصين في المنطقة لم يكن اقتصاديًا لفترة طويلة فحسب، بل كان جيوسياسيًا.
يؤكد ديال الوف “، مدير قسم البحوث والاستراتيجيات في معهد SIGNAL: “إن الصين جيدة في النظر إلى المساحات والمسافات، ومن خلال طريق الحرير الرقمي، فإنها تضع نفسها كمكون أساسي في التطور التكنولوجي للبلدان، يمكن للتقنيات الرقمية الصينية المنتشرة في الخارج أن تزود بكين بكميات هائلة من البيانات والمعلومات، “والسماح للصين بفهم اقتصادات وجيوسياسات هذه الدول بشكل أفضل مما تفهمه هي نفسها”.
الخوف من جمع المعلومات والبيانات الحساسة
يمكن استخدام البيانات التي تم جمعها في البنية التحتية الصينية من قبل الصين لتطوير المنتجات والبحث والتطوير والأمن والذكاء والتتبع الإلكتروني والمزيد من الأغراض، ويشترط القانون الصيني على الشركات الصينية تمرير جميع البيانات من أي نوع التي تسعى الحكومة للحصول عليها.
توفر البنية التحتية للمدن الذكية وشبكات الجيل الخامس الخلوية الوصول إلى المعلومات الحساسة حول الميول السياسية للمواطنين والمعلومات الطبية والقانونية والمالية وغير ذلك.
وفي مثل هذه الحالة ستكون الصين قادرة على وضع معايير عالمية في مجال البيانات، لا سيما في الأماكن التي أنشأت فيها البنية التحتية الخلوية من الجيل الخامس والمدن الذكية، وهذا يؤسس قدرة الصين القوية على إعادة تشكيل الحوكمة العالمية، وقد تتعرض البلدان النامية التي تعتمد على البنية التحتية الرقمية الصينية إلى الإكراه من جانب بكين لأسباب سياسية واستراتيجية وغيرها، وترى الولايات المتحدة أن هذا يمثل خطرًا على أمنها القومي هيمنة البيانات الصينية (الداتا) يمكن أن تهدد الروابط الأمريكية.
حتى أن الولايات المتحدة قلقة بشأن استخدام محولات Huawei في مزارع الطاقة الشمسية في “إسرائيل”، وحذر المسؤولون الأمريكيون من أن البيانات التي تم جمعها من الألواح الشمسية يمكن استخدامها لفهم البيانات الأخرى، ويأتي ذلك بالتوازي مع انتقادات لـ"إسرائيل” لتعاملاتها مع الشركات الصينية العاملة في الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق تم تشكيل لجنة استشارية في “إسرائيل” لفحص جوانب الأمن القومي في الاستثمار الأجنبي، لكن صلاحياتها محدودة للغاية، و في الوقت الحالي يمكنها التوصية، لكن ليس لديها سلطة تنفيذية، وعلاوة على ذلك، فإنه يركز على البنية التحتية الحيوية ولا يأخذ في الاعتبار الاستثمارات في مجالات التكنولوجيا الفائقة “الإسرائيلية” أو الارتباطات التي قد تسمح للصينيين بالوصول إلى المعلومات والبيانات الحساسة، و هذه الآلية بحاجة إلى تعزيز وتوسيع مجالات نشاطها.
عند القيام بذلك يجب أن يكون هناك التزام بالإبلاغ عن المشاركات وتنسيقها مع الشركات الصينية التابعة للوزارات الحكومية، سلطات الدولة (بما في ذلك المؤسسة الأمنية)، والحكومة المحلية لضمان وجود آليات لإدارة المخاطر والتحكم فيها لمنع جمع المعلومات والبيانات الحساسة (على سبيل المثال من أنظمة المدن الذكية أو الكاميرات الصينية).
وقد يكون لنشاط الشركات الأجنبية من الصين في “إسرائيل”، بما في ذلك الاستحواذ على الشركات الاستراتيجية والفوز بالمناقصات لإنشاء وتشغيل مشاريع حيوية وبنية تحتية، نتائج في مجالات الاقتصاد والأمن القومي.
من ناحية تساهم هذه العلاقات في الاقتصاد، مثل البناء السريع والفعال للبنية التحتية العامة، ومن ناحية أخرى، هناك مخاوف استراتيجية مثل أهمية الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، أما أولئك الذين ما زالوا يخشون التمكين المستمر للصين هم في الواقع جيرانها بعد أن أعلنت القوى العظمى عن “شراكة استراتيجية شاملة” مع دول المنطقة.
وحاول الرئيس الصيني شي جين بينغ طمأنة قادة الدول المجاورة خلال مؤتمر لاتحاد جنوب شرق آسيا (آسيان) (ASEAN) عقد قبل حوالي أسبوعين: “الصين لا تنوي التصرف كمتنمر، نحن لا نطمح إلى تلك الهيمنة”، ويبدو أن الكثيرين يختلفون معه، ويرفضون الاقتناع بمحاولات التهدئة ويعتبرون خطوات الصين تهديدًا حقيقيًا.