بقلم: ناصر ناصر
12-12-2021
شهدت الأيام الأخيرة استمراراً لحالة المشهد الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 67 ،والذي يرسمه احتلالٌ إسرائيلي غاشم، يواجَه بكثير من التعاون الأمني من قبل السلطة الفلسطينية وبمقاومة فلسطينية يغلب عليها في الضفة الغربية العامل الفردي وفي غزة المقاومة المنظمة من قبل الفصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس.
استمرت "إسرائيل" في ممارساتها الغاشمة ضد الفلسطينيين ،حيث كشفت صحيفة هآرتس أن 797 أمرًا بهدم بيوت الفلسطينيين في المنطقة (سي)، قد صدرت بين الأعوام 2016-2020، وذلك في رقم قياسي لم يسبق له مثيل، وفي المقابل تم منح 24 ترخيص بناء لفلسطينيين في مناطق (سي) من بين 2550 طلب، مما يشير بوضوح إلى تزايد الرغبة الإسرائيلية في مناطق (سي) واستمرار مخاطر الضم الزاحف.
من جهة أخرى أنهت "إسرائيل" الثلاثاء الماضي جدارها العازل مع غزة بعد أربع سنوات بتكاليف 3 مليار ونصف شيكل، ومن غير المؤكد ان يتمكن من وقف مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة، ولكنها عقلية المحتل المختبئ خلف جدران الباطون والخوف والقلق الدائم من ضحيته، ومن غرائب الاحتلال أن يُصور الأمر وعلى لسان المحلل الاستراتيجي لهآرتس عاموس هارئيل، بأنه دليل على أن "إسرائيل" لا تريد أن تحتل غزة وإنما تريد أن تتحصن وتدافع عن نفسها من قبل "امبراطورية غزة".
أما على صعيد انتهاكات "إسرائيل" تجاه الأسرى، فقد كشفت صحيفة هآرتس أن أسرى فلسطينيين، أكدوا أنه خلال التحقيق معهم، قيام شرطة من سجن شطة وجلبوع بضربهم وإهانتهم دون أي مبرر سوى الانتقام من هروب ستة أسرى من جلبوع أيلول الماضي، يُشار إلى أنّ أحد هؤلاء الأسرى الذين تعرضوا للضرب و الإهانة هو المجاهد القائد عثمان سعيد بلال، والمعتقل منذ العام 1995 والذي تم استهدافه كرمز من رموز الأسرى.
في هذه الأثناء استطاع وزير الدفاع غانتس الإفلات من العدالة الإنسانية، بفضل محاكم أوروبية وهولندية على وجه التحديد، حيث تم تبرئته من قضية قتل ستة من أفراد عائلة زيادة غزة في العام 2014، بل قامت المحكمة بتغريم رافع القضية وهو إسماعيل زيادة مبلغ 7763 يورو لغانتس وضابط إسرائيلي آخر.
يُشار إلى أن بيتسيلم حققت وعرضت 70 حالة قصف مباني على سكانها الفلسطينيين، منها 20 منزل في 2014 .
من جهة أخرى تستمر مقاومة الفلسطينيين الضعفاء في وجه آلة الحرب والاستكبار الإسرائيلية، وكنموذج لذلك، قامت طفلة من الشيخ جراح لم تبلغ 15 عامًا، ولم يكن مطلوباً منها أن تقوم بذلك، قامت هذه الطفلة الفلسطينية والتي وُصفت في الإعلام الصهيوني العنصري "بالمخربة" بطعن صهيونية من مستوطنة إسرائيلية في القدس، ولم يُشر هذا الاعلام العنصري الى أن هذه المستوطنة قد سرقت أرواح وأراضي وأحلام وآمال أطفال فلسطين، أمّا "إسرائيل" الرسمية والمسكونة بجرائمها وهواجسها بملاحقتها من قبل أرواح ضحاياها من الفلسطينيين فقد اعتبرت الامر كبداية لموجة "إرهاب" جديدة، فهي العملية السادسة في سلسلة عمليات قام بها الفلسطينيون خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة، أما الأولى فكانت في 7 نوفمبر، والثانية عملية فادي أبو اشخيدم في 21 نوفمبر والثالثة في نفس اليوم حيث تم طعن مستوطن في يافا وتم اعتقال المنفذ، أما الرابعة فهي عملية الشهيد محمد سليمية من سلفيت، والخامسة في 6 ديسمبر عملية محمد يونس البالغ من العمر 16 عامًا.
في هذه الأثناء تستمر أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بالتعاون الأمني مع الاحتلال، فقد أشار أحد الخبراء الأمنيين في صحيفة يديعوت 9-12 الى ضرورة تعزيز هذا التعاون الأمني الذي أثبت نفسه وتحديداً بعد قيام السلطة الفلسطينية بإنقاذ اثنين من مستوطني حسيديه بارسلاف من رام الله، واعتبرت أنّ التنسيق الأمني هو واحد من خمسة خطوات ضرورية لمحاربة مقاومة الفلسطينيين الفردية والعفوية الى جانب محاصرة شبكات التواصل الاجتماعي، وتجنب الأخطاء العملياتية من قبل الضباط والجنود وردع العائلات الفلسطينية والمهنية في الرد على منفذي العمليات لمنع آخرين من محاكاة وتقليد عملياتهم، وبالتأكيد لم يفكر هذا الخبير الأمني في أن الحل الحقيقي لعمليات الفلسطينيين، ومعاناة المنطقة بأسرها هو إنهاء الاحتلال، ووقف عملية الابرتايد وترك الفلسطينيين ليقرروا مصيرهم وحدهم في بلادهم دون قمع أو قهر أو إرهاب إسرائيلي.
وفي المقابل فإن من الضروري إضعاف حماس بكل الطرق، حيث تستعد مشيرة الى الاعتقالات المستمرة منذ أسابيع استعداداً لانطلاقة حماس في 14-12.
وفي نفس هذا السياق اكّدت صحيفة معاريف بأنّ الشاباك والجيش طالبا الحكومة بالعمل على دعم السلطة الفلسطينية ومنع انهيارها لدورها "العظيم" في مكافحة "إرهاب" أبناء شعبها وحماية "المستوطنين الغاصبين" وإعادتهم الى بيوتهم سالمين ،وذلك من خلال التعاون مع ضباط وجنود الاحتلال، فالمصلحة الوطنية العليا وفق مدرسة أبو مازن السياسية تتطلب ذلك بقوة .
ومن المناسب الإشارة هنا انّ رأياً آخر في "إسرائيل" يتطور وتمثله امرأة الشاباك والاستخبارات الإسرائيلية الدكتورة رونيت مارزيل، والتي أكدت في هآرتس قبل أيام أنّ حركة فتح وهي الحزب الذي تعتمد عليه السلطة وفق قولها ستنقلب ضد "إسرائيل" من أجل الحفاظ على ما تبقى لها من شرعية في الشارع الفلسطيني، وأضافت مارزيل أن أبو مازن قد فقد أهميته وهو "غير ذي صلة" أو كما وصفته "حصان ميت" فهو يبني بيتاً في الأردن ويبدو أنه سيذهب الى هناك في لحظة من اللحظات .
هكذا إذن هو المشهد الفلسطيني المستمر في السنوات الأخيرة: احتلال غاشم وسلطة لا تستجيب لمطالب وتطلعات شعبها في مقاومة الاحتلال وفلسطينيون أطفال يتقدمون للمواجهة والدفاع عن كرامتهم.