يحتل ويقمع ثم يتفاجأ

د. ناصر ناصر

كاتب وباحث سياسي


بقلم: ناصر ناصر  

24-12-2021  

دأب الاحتلال الإسرائيلي بمؤسساته الأمنية والسياسية وحتى الإعلامية على إبراز أو تسويق تفاجئه من سلوك الفلسطينين وتحديداً في الضفة الغربية وقطاع غزة ،فقد تفاجأ من ردة فعل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، حينما ردت على إنتهاكات قواته في الأقصى والشيخ جراح، ويبدو حالياً ووفق هارئيل في هآرتس، أنه متفاجئ من تهديدات الفلسطينيين واستعدادهم للدفاع عن أسيراتهم وأسراهم الذين انتهكت حقوقهم وتعرضوا لإعتداءات سافرة داخل السجون الإسرائيلية شملت ضرب وسحب أسيرات فلسطينيات في سجن الدامون دون ذنب سوى رفضهم لسلوك سلطة السجون الشاذ وإصرارها على إجراء عملية نقل في يوم 14\12 الساعة العاشرة ليلًا، ورفضها لطلب الأسيرات وتأجيل ذلك حتى الصباح.
فهل هي فعلًا مفاجأة حقيقة؟ أم أنها دعاية تستهدف شيطنة ردود الفعل الفلسطينية، ومقاومتها لسياسات الاحتلال؟

يمارس الاحتلال الإسرائيلي كل صنوف القمع والاستيطان والحصار ويتوقع من الشعب الفلسطيني رداً مشابهاً لرد فعل قيادته الرسمية، أي تهاوناً أمنياً، أو على الأقل هدوءاً نسبياً؛ ليتمكن في استمرار تنفيذ سياساته دون أسباب أي احتلال رخيص وغير مكلف، فهل هذه السخرية هي سرّ مفاجئته؟ وهل يتوقع فعلاً أن( سُنة وطريقة الشعوب، هي نفسها سنة وطريقة القيادات المنهزمة نفسيّاً وأخلاقياً؟

قد يكون ذلك، ولكن المرجح غير ذلك، فمن كالصهاينة أو"العقل اليهودي" يعلم الفرق بين الأشياء، إنما هو التضليل، والدعاية المكشوفة والمهزومة في ميدان الوعي الفلسطيني المقاوم.

يعمل الاحتلال كل ما في وسعه لتعزيز الانقسام بين الفلسطينيين وخاصة في الضفة وغزة حيث يدعم السلطة الفلسطينية قدر ( مستطاع عنجهيته ) وفي المقابل يضعِف ويحاصر الشعب الفلسطيني، ومقاومته في قطاع غزة ويطالبها بعدم التدخل في شؤون "وطنها " شؤون المسرى والأسرى والضفة، وسائر فلسطين، ثم يتفاجئ بعد ذلك من تدهور شعبية رئيس السلطة، ويستغرب من تراجع قدرة أجهزتها الأمنية على ضبط أبناء شعبها، وخصوصاً(احتفالاتهم الشعبية التقليدية بإطلاق سراح أبطالهم الأسرى من سجون الاحتلال).

 أقول:

 إن مفاجئة الاحتلال وقياداته ليست حقيقية، بل هي محاولة لإختراق وإحتلال الوعي الفلسطيني والإقليمي بضرورة قبول الاحتلال حتى ولو بثمن الإنقسام والفرقة الفلسطينية والعربية الداخلية، فمصالح أطماع الاحتلال أقوى وأرجح، هي محاولة إختراق إذاً، لكنها لاتبدو ناجحة حتى اللحظة وفي المستقبل.

من الممكن أن يتفاجأ جزء من الرأي العام في "إسرائيل" حول سلوك الفلسطينين المقاوم، فقد نجحت دعاية المؤسسة الاحتلالية الرسمية في تضليل الكثير منهم، فهم أيضًا ضحايا طغيان الاحتلال ولكن المفاجئة المزعومة من قبل قادته، وصناّع سياساته هي في الغالب مفاجئة مصطنعة ومدروسة، فالمفاجئة الحقيقية هي ممن لا يقاوم وقد وقع تحت الظلم والقهر والاحتلال، وممن لا يصرخ وهو يتعرض للضرب والتعذيب والأذى، وقبل سنوات معدودة قالها رئيس وزراء الاحتلال الجنرال ايهود باراك لو كنت فلسطينيا لكنت حمساوياً مقاوماً.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023