زمان يسرائيل
دانا بن شمعون
ترجمة حضارات
بذل رئيس السلطة الفلسطينية مؤخرًا جهودًا خاصة؛ ليثبت للجميع أنه القائد الشرعي للفلسطينيين ولا يوجد غيره، تعيين مقربين في مناصب عليا في المؤسسات القيادية يثير انتقادات لاذعة، لكن عباس بعيد كل البعد عن الحساسية، لكن ليس من المؤكد أن الغضب في حماس والمرارة في فتح سيجلب له الهدوء السياسي الذي يسعى إليه.
وصل ممثلو الفصائل الفلسطينية إلى الجزائر الأسبوع الماضي لاستئناف محادثات المصالحة بين فتح وحماس.
من المشكوك فيه أن تكون الجزائر قد اعتقدت حقًا أن رعاية المحادثات ستؤدي إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، لكن ذلك لم يمنعها من الشروع في التحرك لأسباب خاصة بها، بالأساس لوضع نفسها على الخريطة الإقليمية، بينما كانت تحاول سرقة جزء من نفوذ مصر التي تعتبر الوصيفة الرئيسية لجهود إنهاء الانقسام بين فتح وحماس.
لا يوجد سبب للاعتقاد بأنها ستنجح هذه المرة. بينما استضافت الجزائر ممثلين عن المنظمات الفلسطينية وحاولت غرس الإحساس بالأهمية في المحادثات الناشئة، دعا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) أعضاء اللجنة المركزية لفتح، لاجتماعات واتخذ سلسلة من القرارات الهادفة إلى تقوية وتعزيز قوته في المؤسسات الفلسطينية، وبالتالي تجديد الشرعية لحكمه.
وافقت اللجنة المركزية لحركة فتح - وهي هيئة مؤلفة بالكامل من الموالين لأبو مازن، والتي لا يعرف أي شخص كيف يعين أعضائها - بالإجماع على تجديد الثقة لأبو مازن، كزعيم لفتح، ورئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيساً للسلطة؛ إضافة إلى ذلك، قررت اللجنة "بالإجماع" ترقية اثنين من الموالين لأبو مازن إلى مناصب رئيسية في القيادة الفلسطينية.
تم انتخاب حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية الفلسطيني ومنسق العلاقات مع "إسرائيل" - والذي يعتبر من أقوى الرجال في القيادة الفلسطينية - كمرشح عن حركة فتح في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وهي هيئة تعتبر "حكومة عظمى" للفلسطينيين. وتضم إلى جانب ممثلين عن فتح ممثلين عن الفصائل الفلسطينية الأخرى باستثناء حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
يرى الكثيرون في ذلك خطوة أولية نحو تعيين الشيخ أمينًا عامًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو المنصب الذي شغله صائب عريقات، حتى وفاته قبل نحو عامين، إذا حدث ذلك؛ فسيتم منح الشيخ العديد من الصلاحيات التي من شأنها تعزيز مكانته السياسية.
تم تعيين مقرب آخر من عباس، وهو المتحدث باسم المجلس التشريعي روحي فتوح، رئيسًا للمجلس الوطني الفلسطيني، البرلمان الفلسطيني العام هنا وفي الخارج، بينما تمت الإطاحة بسليم الزعنون البالغ من العمر 89 عامًا، والذي من المتوقع أن يعلن قريبا عن استقالته.
قرارات اللجنة المركزية لحركة فتح اتخذت "بالاتفاق" بالإجماع، ويمكن الافتراض أنها اتخذت حتى قبل انعقادها؛ حيث يعمل أعضاؤها بمثابة ختم مطاطي لرغبات عباس، الذي يريد أن ينقل صورة للعالم الخارجي أن كل شيء يتم في عملية صنع القرار بطريقة حرة وديموقراطية.
يريد أعضاء اللجنة، من جانبهم، الحفاظ على كراسيهم، وهم يدركون جيدًا أن التعبير عن معارضة قرارات الرئيس قد يكون له ثمن سياسي وقد يجدون أنفسهم في الخارج.
حتى لو لم يعلن ذلك علنًا، فإن تصرفات عباس تُظهر أنه قد وضع بالفعل شخصيتين خلفيتين محتملتين: حسين الشيخ وماجد فرج، رئيس المخابرات العامة الفلسطينية.
أصبح هذان الشخصان الزعيمين الأكثر نفوذاً في السلطة الفلسطينية بفضل قربهما من أبو مازن.
لا يوجد لقاء أو زيارة لا يرافقان فيها الرئيس، يعتقد بعض الفلسطينيين أن الاثنين سيديران السلطة الفلسطينية بالشراكة: أحدهما مسؤول عن الشؤون السياسية والآخر سيتولى الشؤون الأمنية.
تحرص "إسرائيل" على عدم التدخل العلني فيما يحدث في السياسة الفلسطينية، ولكن وفقًا لبعض التقديرات، هناك اتفاق ضمني من قبل "إسرائيل" على خطوة ترفع من مكانة الشيخ جنبًا إلى جنب، مع استيلاء فرج في المستقبل على قوات الأمن الفلسطينية الأخرى في يوم الذي يغادر فيه أبو مازن المسرح السياسي.
الاثنان مقبولان أيضًا لدى الولايات المتحدة، إنهم يؤيدون حرب الاستنزاف مع حماس وأثبتوا أنهم مخلصون لاستمرار التعاون الأمني والاقتصادي مع "إسرائيل"، إلى جانب الحوار السياسي معها، يختلف خطابهم عن خطاب مسؤولي فتح الآخرين، فهم أقل عدوانية وأكثر براغماتية.
دخل أبو مازن عامه الثامن عشر كرئيس للسلطة الفلسطينية - 12 عامًا خدم فيها دون أن يتم انتخابه، منذ الانتخابات الرئاسية الفلسطينية الأخيرة في عام 2005.
وحقيقة أنه في السلطة لأكثر من عقد من الزمن دون كسب ثقة الشعب تحرمه من الشرعية العامة للقيادة، وفقًا لقطاعات واسعة من الجمهور الفلسطيني، حماس تستغل هذه الحجة في كل فرصة ممكنة من أجل إضعافه وتحريض الجمهور الفلسطيني ضده.
عباس نفسه يدرك ذلك، لكنه لا يزال يرفض الترشح لانتخابات جديدة ويجد طرقًا التفافية للتعامل مع مسألة شرعيته كزعيم، أحدها قدرته على التلاعب بمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وفتح ومؤسسات السلطة الفلسطينية لمصلحته.
في الأيام التي كانت فيها حماس والفصائل الأخرى - بما في ذلك الجبهة الشعبية - يحاولون تقويض مكانته العامة ولا يدخرون الجهود لإسقاطه، يشعر عباس أنه يجب أن يتحرك وبسرعة.
إن الاعتقالات اليومية لنشطاء حماس في الضفة الغربية من قبل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية هي مجرد خطوة واحدة في صراع عباس ضد خصومه.
يضاف إلى ذلك مستوى آخر: تعزيز مراكز القوة الحكومية، ولا توجد طريقة أفضل لتحقيق ذلك من تعيين مقربين في مناصب قيادية رئيسية.
هذا ليس أقل من وضع اصبع في عين حماس، التي سعت لسنوات إلى إعادة تنظيم المؤسسات الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية على وجه الخصوص - نفس الإطار التنظيمي الذي لا تنتمي إليه حماس، كما هو معروف.
أبو مازن من جانبه منع ذلك بأي شكل من الأشكال حتى لا يترك للتنظيم في غزة موطئ قدم في المؤسسات القيادية؛ وبذلك، يغذي أبو مازن حجج حماس المتكررة بأن "رئيس السلطة الفلسطينية غير مهتم بالشراكة".
كما أثارت التعيينات الجديدة اضطرابات في صفوف كبار مسؤولي فتح، رغم أنهم في هذه المرحلة يتجنبون المواجهة العلنية مع أبو مازن.
ومن هؤلاء محمود العالول وجبريل الرجوب ومروان البرغوثي وتوفيق الطيراوي، يرون أبو مازن يسرق شهرتهم ومجدهم ومكانتهم، ويدفعهم إلى الهامش، ويحولهم إلى لاعبين غير موضوعيين.
يعتقد الشارع الفلسطيني أننا سنسمع منهم عندما يضعف عباس، وأنهم ينتظرون فقط فرصة لرد إهانتهم.
وهكذا فإن أبو مازن يقوي موقعه من ناحية، ولكنه يخلق لنفسه أيضًا أعداء جددًا من قيادة فتح من ناحية أخرى.
هذه هي نفس المصادر التي تحدق في القيادة وتفهم أنه طالما أن أبو مازن في السلطة، فإنهم حقا ليس لديهم فرصة.
ليس من المؤكد أن الاستياء الذي يتنامى بين شخصيات في حركة فتح جيد لأبو مازن، وقد يستنفر هؤلاء أنصارهم على الأرض ضد السلطة الفلسطينية.
يمكن للقبضة الحديدية من قبل السلطة الفلسطينية وبمساعدة "إسرائيل" أن تساعد في احتواء الاحتجاجات، التي قد تنشأ في مناطق السلطة الفلسطينية، لكن ذلك لا يضمن بالضرورة الهدوء والاستقرار السياسي على المدى البعيد، لا سيما في ظل تعزيز مكانة حماس.