بقلم:
د: إبراهيم أبراش
لن نتحدث عن موقع ووظيفة المجلس المركزي في هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية وكيف حل محل المجلس الوطني، وقد سبق وأن كتبنا عن ذلك في الفاتح من نوفمبر 2018 تحت عنوان(المجلس المركزي كبديل عن منظمة التحرير)،بل سيقتصر حديثنا عن الدورة الأخيرة للمجلس وما ورد في البيان الختامي للدورة حول العلاقة مع الكيان الصهيوني والتي جاء فيها: "إنهاء التزامات (م.ت.ف) والسلطة الوطنية الفلسطينية بكافة الاتفاقيات مع دولة الاحتلال وفي مقدمتها: تعليق الاعتراف بدولة "إسرائيل" لحين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 بعاصمتها القدس الشرقية ووقف الاستيطان، ووقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة" .
ما تم الإعلان عنه مجرد توصيات تم رفعها للجنة التنفيذية صاحبة القرار حيث جاء في البند الأخير لبيان المجلس: "إن المجلس يكلف اللجنة التنفيذية بوضع آليات لتنفيذ القرارات وفق المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني "، ولأننا نعرف جيداً أعضاء اللجنة التنفيذية وكيفية وأسس اختيارهم ونعرف الرؤية السياسية للرئيس أبو مازن حول مفهوم المصلحة العليا للشعب، نستطيع القول بأنهم لا يجرؤون حتى على مناقشة هذه التوصيات التي سبق وأن رُفعت لهم في دورة 2018 ولم يتخذوا بشأنها أي قرار.
تحويل التوصيات إلى قرارات يتم تنفيذها يعود للرئيس أبو مازن، وما دام الرئيس يؤمن بالتسوية السياسية واستمرار التواصل مع الإسرائيليين فلن يصادق على هذه التوصيات، لأن المصادقة على هذه التوصيات يعني نهاية السلطة الوطنية التي هي نتاج الاتفاقات الموقعة مع "إسرائيل" التي يطالب المركزي بوقف العمل بها!، والرئيس ليس بوارد الدخول في هذه المغامرة، وأول لقاء له أو لحسين الشيخ أو لأي مسؤول في السلطة مع أي مسؤول إسرائيلي يعتبر خرقاً وتجاوزاً للمجلس المركزي وتوصياته.
أخطأ وتسرع الذين اتخذوا هذه التوصيات سواء في هذه الدورة أو دورة 2018 حتى وإن كانت التوصيات منسجمة مع المطالب الشعبية، فقرارات بهذه الأهمية والخطورة يجب أن لا تُتخذ تحت تأثير العواطف ومجاراة الحالة الشعبية الغاضبة أو لرفع العتب والمزايدة على المعارضة وحتى على الشعب، وخصوصاً أن هذه الدورة جاءت متزامنة مع ارتكاب إسرائيل جريمة اغتيال المناضلين الثلاثة في نابلس قبل يوم من إصدار البيان الختامي وحالة الغضب الشعبي التي تبعتها.
الخطأ ليس في التوصيات /القرارات بحد ذاتها والتي كان يجب اتخاذها في مايو 1999 عندما انتهت المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في اتفاقية أوسلو، أو عندما اجتاحت إسرائيل الضفة في مارس 2002، أو عندما أعلنت إسرائيل ضم القدس ثم نقل مقر السفارة الأمريكية لها، أو في انتفاضة أيار الماضي بعد أحداث الشيخ جراح.
نعم المشكلة أو الخطأ ليس في التوصيات/القرارات بل في توقيت اتخاذها قبل تهيئة الوضع الفلسطيني الداخلي لمواجهة أي ردود فعل إسرائيلية، لأن "إسرائيل" لن تصمت في حالة تنفيذ هذه القرارات، فتنفيذها هو بمثابة إعلان حرب على "إسرائيل" أو على الأقل أن ترد "إسرائيل" بالتعامل بالمِثل مع المنظمة وسلطتها وتتوقف عن التعامل معهما على كافة المستويات، فهل الفلسطينيون جاهزون لهذه المواجهة؟ وعندما نقول (الفلسطينيون) بالجمع لأن تداعيات أي ردة فعل إسرائيلية ستمس الكل الفلسطيني في الضفة وغزة أمنياً واقتصادياً واجتماعياً.
في اعتقادنا أنه في ظل الانقسام وفصل غزة عن الضفة وفي ظل ضعف السلطة الوطنية اقتصادياً وأمنياً وحالة الفوضى والفلتان في الضفة وغياب شبكة دعم وإسناد عربي ودولي لقرار القيادة بهذا الشأن وضعف منظمة التحرير، كل ذلك يجعلنا غير متفائلين بالتداعيات التي قد تترتب على تنفيذ هذه القرارات بل قد يترتب عليها حالة فراغ وفوضى في الضفة ونهاية سلطة منظمة التحرير وبقاء سلطة حركة حماس في غزة والتي قد تصبح العنوان المؤسساتي الوحيد للفلسطينيين.
هناك مسألة أخرى تجعلنا نشك بأن القيادة ستنفذ هذه التوصيات وخصوصاً وقف التنسيق الأمني، لأن التنسيق الأمني علاقة ثنائية تقوم على التشاور والتعاون وتبادل المعلومات حول كل ما يتعلق بالتهديدات الأمنية للطرفين، بمعنى أن تقوم السلطة بتقديم معلومات أمنية حول أي خطر ينطلق من مناطق السلطة ويهدد "إسرائيل" وأن تلبي أي مطالب أمنية تطلبها "إسرائيل" تنسجم مع ما ورد في البنود الأمنية لاتفاق أوسلو، وفي المقابل تقوم "إسرائيل" بالمِثل، وفي ظل واقع السلطة وما تتعرض له من تهديد من معارضيها وخصوصاً التيارات الإسلامية ومن حالة غضب شعبي وانفلات أمني فإنها أكثر حاجة للتنسيق الأمني من حاجة "إسرائيل" التي تحتل كل فلسطين وقواتها ومستوطنيها متواجدين في كل مدينة وقرية، بل يمكن القول إن وجود السلطة واستمرارها مرهون باستمرار التنسيق الأمني واستمرار العمل ببروتوكول باريس الاقتصادي ولو قررت إسرائيل رفع يدها عن السلطة فلن تعمر هذه الأخيرة كثيراً.
"إسرائيل" تستطيع أن تحمي نفسها بنفسها ولكن السلطة الفلسطينية لا تستطيع ذلك.
وأخيراً وإن كان من حق المنظمة بتركيبتها الراهنة عقد ما تشاء من الاجتماعات وترتيب أوضاعها الداخلية إلا أن مخرجات هذه الدورة للمجلس الوطني لا تنسجم مع الشعار والعنوان الذي رفعته الدورة عنوانا لها " دورة تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وحماية المشروع الوطني، والمقاومة الشعبية"، وإن حققت هذه الدورة الهدف الرئيس لها وهو ملء الشواغر في المناصب العليا إلا أن المجلس وقراراته زادا من ارباك المشهد السياسي، وكان من الممكن لقراراته وتوصياته وخصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة مع "إسرائيل" أن تكون أكثر جدوى وفاعلية لو تمت في سياق استراتيجية وطنية شمولية لمواجهة الكيان الصهيوني.