ثلاثة وجوه للموقف الإسرائيلي من أوكرانيا

د. ناصر ناصر

كاتب وباحث سياسي

بقلم: ناصر ناصر

04/03/2022  


يمكن القول بأن للموقف الإسرائيلي، مما يجري في حرب روسيا، على أوكرانيا، أو الحملة العســ ـكرية لحماية دونباس، ثلاثة أوجه، يتم التركيز عليها إعلامياً بدرجات مختلفة، في وسائل الإعلام، وفقاً لمصلحة دولة الاحتــ ـلال الإسرائيلي، أما الموقف الأول فهو، موقف الحكومة الرسمي، ويمثله رئيس الحكومة بينت، ووزير خارجيته لبيد، ويبدو بدعم وتأييد من الجيش والموقف الشعبي، الذي يمثله بعض المحللين أو الأكاديميين في "إسرائيل", وموقف فئة واسعة من العسكــ ـريين الإسرائيليين المتقاعدين, فهل هو تلون ونفاق أم تنوع وتعددية معقولة؟

يرى الموقف الإسرائيلي الرسمي، إظهار الحياد، وضرورة التوازن، وعدم إلحاق أضرار بالأمن القومي الإسرائيلي، من جراء الحــ ـرب على أوكرانيا، وهم يقومون بهذا الأمر، بشكل معقول (وفقا لتقديراتهم حتى اللحظة)، ففي الوقت الذي أعلن فيه نفتالي بينت، وقوفه إلى جانب الشعب الاوكراني، رفض الإشارة بأي شكل إلى إدانة الروس أو ذكرهم بالاسم، أما يائير لبيد، فقد أدان الروس، كما صوتت "إسرائيل", لصالح إدانة الهجوم الروسي في الامم المتحدة، ومن جهة أخرى رفض الموقف الإسرائيلي الرسمي, تزويد أوكرانيا, بالسلاح أو حتى بعتاد ذواستخدامات متعددة, واستعد لإرسال المساعدات الإنسانية فقط لأوكرانيا, الأمر الذي دعا الرئيس الأوكراني زيلينسكي، إلى انتقاد هذا الموقف، فمصلحة "إسرائيل", في كبح النفوذ الإيراني, والاستمرار في ضرب أهداف في سوريا, وغيرها، أعلى بكثير من أي مصلحة إسرائيلية أخرى.

أمّا الموقف الشعبي، فهو متعاطف بصورة كبيرة مع الأوكرانيين، وضد الروس، وهو موقف إنساني طبيعي، يتعاطف مع الضعيف، أو مع حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهنا يظهر النفاق، ويبدو الكيل بالمعايير المزدوجة، جالياً واضحاً عند غالبية الجمهور الإسرائيلي، والذي نشأ وترعرع على أوضاع الاحتــ ـلال والقهر للشعب الفلسطيني، فاستمرأ الأمر وتعامل معه وكأنه أصبح شيئاً طبيعياً، فأين هذا الموقف إذاً من جرائم الاحــ ـتلال الإسرائيلي قديماً وحديثاً؟

قد يمثل هذا الموقف، ما كتبته تسفي شميلو ريتش، في يديعوت3/3، وتحت عنوان فشل أخلاقي، حيث دعت الكاتبة الدولة ألا تبقى على الحياد، وأن تتخذ موقفاً ضد روسيا، في أوكرانيا، وأكدت أن حرية هجمات "إسرائيل", في سوريا, أقل أهمية من قيام بوتين, بتدمير بلد ديمقراطي كأوكرانيا, (مع تحفظات الكثيرين على أن أوكرانيا, هي دولة ديمقراطية ناجحة.

وجه آخر للموقف الشعبي, الذي لا يخلو من العنصرية, حيث أشارت شوشان حن، إلى أن ما يهمنا هو يهود أوكرانيا، والبالغ عددهم حوالي 300 ألف يهودي، مضيفة وبنوع من التشفي أو الانتقام: على حكومة أوكرانيا، أن لا تعلمنا الأخلاق، مشيرة إلى موقفها من القتلى اليهود، في فترة المحرقة النازية.

أما الموقف الثالث، فهو موقف الكثير من ضباط الجيش السابقين، والذين يمثلهم بدرجة أو بأخرى الجنرال غيؤورا أيلند، رئيس المجلس الأمن القومي (ملان) سابقاً، كما ورد في مقالة له في يديعوت أحرنوت، قبل يومين، حيث أظهر التزامه بالوقوف إلى جانب الأمريكان، وضد بوتين الديكتاتور، لكنه أضاف متحفظاً بأن أمريكا، لن تنجح بكسب الروس لصالحها، وعملت على استفزازهم، وعدم التعامل الإيجابي، مع ما يبدو في رأيه، كمطالب معقولة أو يمكن التعاطي معها من قبل الروس، وهي ثلاثة:

المطلب الأول: عدم التدخل في شؤون روسيا الداخلية.  

المطلب الثاني: عدم ضم دول الاتحاد السوفيتي سابقاً للناتو.  

المطلب الثالث: احترام الروس، وعدم القيام بخطوات أحادية الجانب، مع ضرورة التأكيد بأن العســ ـكريين في الخدمة، لم يظهروا موقفا معيناً من الأزمة، التزاماً بموقف المستوى السياسي.  

هذه ثلاثة اتجاهات رئيسية، في داخل الموقف الإسرائيلي المتعدد أحياناً، والمنافق والمتلون أحياناً أخرى، وقد تتغير هذه الاتجاهات من حيث الشكل والمضمون، وفقاً للتطورات في أوكرانيا، من حيث التصعيد أو التهدئة، وفي كل الأحوال فيبدو بأن الموقف الإسرائيلي, لا يمتلك تأثيراً يُذكر على قضية التصعيد أو التهدئة, في أوكرانيا.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023