رحى الحرب تدور في بلد واحد، لكنها تحمل خصائص الحرب العالمية

هآرتس

ترجمة حضارات

رحى الحرب تدور في بلد واحد، لكنها تحمل خصائص الحرب العالمية


يتضح من الحرب في أوكرانيا أن روسيا هي الأضعف بين القوى العالمية الثلاث، يهدد بوتين بتوريط الولايات المتحدة والصين أيضًا، على الرغم من ارتداعهما كثيراً عن القيام بذلك، فليس من المؤكد أنهما ستكونان قادرين على تجنب ذلك على المدى الطويل.

كانت زيارة رؤساء وزراء بولندا وجمهورية التشيك وسلوفينيا إلى كييف الليلة الماضية (الثلاثاء)، بهدف لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلانسكي، حدثًا استثنائيًا في حرب خالفت كل التوقعات. يعتبر دخول كبار رجال الدولة إلى منطقة القتال أمرًا غير تقليدي، ويشير إلى حقيقة يصعب تجاهلها بالفعل: فالحرب الروسية الأوكرانية تشن في أراضي دولة واحدة فقط، ولكنها تتمتع بالفعل بخصائص الحرب العالمية، أو على الأقل المواجهة بين الكتل.

بولندا وجمهورية التشيك وسلوفينيا جميعهم أعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، لكن لديهم أيضًا مصالح خاصة - فهم جميعًا يواجهون روسيا مباشرة.

إما أنها تشترك معها في الحدود، كما في حالة بولندا، أو أن هناك أحزاب معارضة تتلقى توجيهات من الكرملين. هذه الحكومات لها مصلحة واضحة في أن تقوم الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، بتشديد موقفها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.  

من ناحية أخرى، يواصل الرئيس الأمريكي جو بايدن اتخاذ موقف علني واضح جداً لصالح دعم أوكرانيا على مستوى العقوبات وإمدادات الأسلحة، لكنه يعارض بشدة أي مشاركة لجيوش الناتو في هذا المجال، بما في ذلك فرض منطقة حظر طيران، حتى لا يتسبب في "حرب عالمية ثالثة".


قد يكون الوقت قد فات، كان الهجوم الصاروخي الروسي على القاعدة الأوكرانية في يافوريف، حيث تم تدريب مشترك مع الجيش الأوكراني وجيوش الناتو قبل الغزو الروسي وحيث تركز المقاتلون الغربيون المتطوعون في الأسابيع الأخيرة، بمثابة تحذير واضح من الروس تجاه الغرب.

على الرغم من أن القصف وقع داخل الأراضي السيادية لأوكرانيا  إلا أنه كان على بعد 15 كيلومترًا فقط من الحدود البولندية، مما يعني أراضي دولة يحميها تحالف الدفاع المشترك لحلف شمال الأطلسي. ومن بين القتلى الـ 36 كانوا أيضًا مواطنين غربيين.

لا يريد بوتين أن يرى جيوش الناتو تنضم إلى القتال ضد قواته في أوكرانيا، لكنه حدد على الجانب الآخر قلقًا عميقًا يحاول الآن استغلاله في تحركات عدوانية، مثل هجوم يافوريف والتهديد الذي بموجبه ستكون أي قافلة تحمل السلاح للأوكرانيين "هدفا مشروعا".

وفي الوقت نفسه، تعمل روسيا على توسيع دائرة المواجهة إلى الشرق، في توجهها للنظام الشيوعي الصيني للحصول على المساعدة العسكرية، كما ورد في سلسلة تقارير في صحيفة فاينانشيال تايمز تستند إلى معلومات استخبارية غربية.

ووفقًا للتقارير، فقد استجاب الصينيون بشكل إيجابي للطلب الروسي، لكن في الوقت الحالي يدور الحديث عن مساعدة مقلصة نسبياً وجهود لوجستية مثل وجبات القتال، وليس توريد الأسلحة.

كما تخشى الصين أيضاً من الانجرار إلى الحرب. في بكين، يتابعون عن كثب ما يحدث في أوكرانيا، ومثل بقية العالم، تفاجؤوا بشدة من أداء الجيش الروسي المتعثر.

قد يتأثر نجاح روسيا في إخضاع أوكرانيا، لا سيما العقوبات الاقتصادية التي تُجبر الآن على تحملها نتيجة لذلك، على مجموعة اعتبارات للصين فيما يتعلق بالعمل المستقبلي ضد تايوان المجاورة.  

ولكن بعد ذلك، تحتاج الصين أيضًا إلى تحديد كيفية تعديل علاقتها الاقتصادية مع العالم في مواجهة انفصال روسيا عن النظام الاقتصادي العالمي.


ستستمر الصين في شراء النفط والغاز من روسيا، وبما أن روسيا على وشك خسارة عملائها الأوروبيين، فإنها ستكون أيضًا قادرة على المطالبة بشروط أفضل.

 لكن الصين تستثمر في الأسواق الغربية أكثر بكثير مما تستثمر في الاقتصاد الروسي؛ لذلك سوف تحتاج إلى الخطى بعناية فائقة.

 ليس من المتوقع أن تدعم الصين المجهود الحربي الروسي أكثر بكثير من توفير وجبات القتال.

لكن الصين على الجانب الآخر من روسيا الكبرى، بعيدة كل البعد عن مناطق القتال. إنها تخشى حاليًا استيعاب الارتدادات الاقتصادية فقط.  

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة بعيدة جغرافيًا، فإن المادة 5 من اتفاقية الناتو تتطلب منها التعامل مع أي هجوم على كل دولة في الحلف كما لو كانت أمريكا نفسها.  

لا يزال بايدن يحاول الاعتماد على حقيقة أن أوكرانيا ليست عضوًا في الناتو، لكن النار قريبة جدًا من مظلة الدفاع الأمريكية.

إذا كان لدى أي شخص أي شك، فقد أصبح من الواضح الآن أن روسيا هي الأضعف بين القوى العالمية الثلاث.

تتنازع الولايات المتحدة والصين من أجل تصدر المركز الأول على العالم، لكن كلاهما ربما يفضل البقاء في مواجهة غير مباشرة.  

يهدد بوتين بتوريط كلتاهما في الحرب، وعلى الرغم من كونهما مرتدعان جدًا من القيام بذلك، فليس من المؤكد أنهما ستكونان قادرتان على تجنب ذلك بمرور الوقت، لقد تجاوزت هذه الحرب بالفعل حدود أوكرانيا كثيراً.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023