أسباب الفساد وانعكاساته على الدولة والمجتمع

مكان

الدكتور مبارك القفيدي-  كاتب ومحلل كويتي


للفساد أسباب وانعكاسات عديدة، يمكن ملاحظتها سياسياً واقتصاديا واجتماعيا، على أن هذا لا يعني، أن الفساد مقتصر على وجود هذه العوامل الثلاث، ولكن لأهمية هذه العوامل، في بنية وتكوين المجتمع، يمكن رصد هذه الأسباب.

ففيما يتعلق بالجوانب والأسباب السياسية، الملازمة لظاهرة الفساد، يمكن القول أن عوامل مختلفة، تقف وراء شيوع هذه الظاهرة، تتناغم في شدتها ودرجتها طردياً، مع تنامي ظاهرة الفساد، منها عدم وجود نظام سياسي فعّال، يستند إلى مبدأ فصل السلطات، وتوزيعها بشكل أنسب، أي غياب دولة المؤسسات السياسية والقانونية والدستورية، وعند هذا المستوى، تظهر حالة انعدام الحافز الذاتي، لمحاربة الفساد، في ظل غياب دولة المؤسسات، وسلطة القانون والتشريعات.

هناك عامل آخر، يتعلق بمدى ضعف الممارسة الديمقراطية، وحرية المشاركة، الذي يمكن أن يسهم، في تفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي، ذلك أن شيوع حالة الاستبداد السياسي والدكتاتورية، في العديد من البلدان، يسرع بشكل مباشر في تنامي هذه الظاهرة، وعندها يفتقد النظام السياسي، أو المؤسسة السياسية، شرعيتها في السلطة وتصبح قراراتها متسلطة بعيدة عن الشفافية، فضلاً عن حرية نشاط مؤسسات المجتمع المدني.

كما يمكن لظاهرة الفساد، أن تأخذ مداها وتبلغ مستوياتها، في ظل عدم استقلالية القضاء، وهو أمر مرتبط أيضاً بمبدأ الفصل بين السلطات، إذ يلاحظ في معظم البلدان المتقدمة والديمقراطية، استقلالية القضاء عن عمل، وأداء النظام السياسي، وهو ما يعطي أبعاداً أوسع فعالية للحكومة، أو النظام السياسي، تتمثل بالحكم الصالح والرشيد، فاستقلالية القضاء مبدأ ضروري وهام، يستمد أهميته من وجود سلطة قضائية، مستقلة نزيهة، تمارس عملها بشكل عادل، وتمتلك سلطة رادعة، تمارسها على عموم المجتمع.

وهنا فإن السلطة الرادعة، هذه تعتبر من أهم مقومات عمل السلطة القضائية، لتأخذ دورها في إشاعة العدل والمساواة؛ بين أفراد المجتمع.

وهناك عامل آخر، يمكن أن يسهم في تفشي ظاهرة الفساد، متمثل بقلة الوعي (الوعي السياسي)، وعدم معرفة الآليات والنظم الإدارية، التي تتم من خلالها ممارسة السلطة، وهو أمر يتعلق بعامل الخبرة والكفاءة، لإدارة شؤون الدولة.

يضاف إلى تلك العوامل والأسباب السياسية، المتعلقة بظاهرة الفساد، عوامل أخرى اقتصادية، منها: غياب الفعالية الاقتصادية في الدولة، ذلك أن أغلب العمليات الاقتصادية، هي عبارة عن صفقات تجارية مشبوهة، أو ناتجة عن عمليات سمسرة، يحتل الفساد المالي فيها حيزاً واسعاً، وهو ما سينعكس بصورة أو بأخرى، على مستوى وبنية الاقتصاد الوطني.

وخلاصة القول: أن مكافحة الفساد الإداري، لا يمكن أن تتحقق من خلال حلول جزئية، بل ينبغي أن تكون شاملة، تتناول جميع مرتكزات الإدارة، من بنيتها وهيكليتها، إلى العنصر البشري العامل فيها، إلى أساليب العمل السائدة بها.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023