ما الذي يناسب رواية الاعلام الغربي؟!

فادي أبو بكر

كاتب وباحث


من المثير للاستغراب مواصلة البعض ممّن يُعتبرون من فئة النخب الإعلامية والسياسية والثقافية في بلادنا، انفصالهم عن الواقع، واستنزاف الطاقات في مسيرة البحث عن إجابة  على السؤال: ما الذي يناسب رواية الإعلام الغربي؟!.

يتعرض الشعب الفلسطيني منذ 74 عاماً للاضطهاد والقمع  والظلم والتمييز العنصري بكافة أشكاله، وطوال هذه العقود وما قبلها، عملت المنظومة السلطوية الغربية من خلال أجهزتها الإعلامية على إغراق البلدان الغربية والعقل الجمعي الغربي، بالأفكار والنظريات المسمومة، بهدف تشويه صورة الشرق، وطبع صورة نمطية مشوّهة عنه، والذي يشكل الشعب الفلسطيني وقضيته إحدى أهم تجلياته وتمثيلاته المعاصرة.

ومن هنا باتت الشعوب الغربية مادة خامّة للاستغلال، ولعلّ هذا ما يفسّر عدم تحرّك الشارع الغربي لصالح القضية الفلسطينية كقضية إنسانية بالدرجة الأولى، بالشكل المطلوب وبما يتناسب مع حجم الانتهاكات الإسرائيلية التي لا مثيل لها في التاريخ المعاصر.

في الولايات المتحدة الأميركية تحوّل الأميركي الأسود "جورج فلويد" الذي توفي في أواسط عام 2020 خلال عملية اعتقاله من قبل عناصر في الشرطة، إلى رمز للنضال من أجل المساواة، وباتت كلماته الأخيرة "لا أستطيع التنفس"، شعاراً  شعبياً  في الولايات المتحدة وخارجها. واليوم تتلقّى أوكرانيا التي تواجه الهجوم الروسي بإمكانيات دفاعية ضخمة لا تُقارن بما كانت تمتلكه العراق وأفغانستان إبّان الغزو الأميركي، دعماً وتضامناً غربياً  منقطع النظير، ما زال شعب فلسطين، مقطوع النفس، وعاري الصّدر، ينتظر منذ  74 عاماً نقطة من بحره.

لا تسألوا: ما الذي يناسب رواية الإعلام الغربي؟، بل اسألوا أنفسكم: ما الذي يعرفه المواطن الغربي؟، فلا شيء في فلسطين يناسب رواية الإعلام الغربي، لأن كل شيء فيها سيُعرّي روايته استعمارية المنشأ، وسيفضح انفصام منظومته القائمة على شعارات مزيّفة (الديمقراطية، الحرية، حقوق الإنسان ..إلخ).

وفيما يخص التحوّلات الطارئة التي شهدناها في الإعلام الغربي التقليدي، لا سيّما الأميركي، إبّان العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في العام 2021، فإنّها لم تأتِ إلاّ استجابةً للثورة الرقمية التي أشعلها الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، أمثال الأخوين المقدسيين منى ومحمد الكرد أبناء حي الشيخ الجراح. حيث وإن كانت هذه الوكالات الغربية منحازة إلى الاحتلال الإسرائيلي، فإنها لن تستطيع الاستمرار بتجاهل المصادر المرئية الموثّقة في وسائل التواصل الاجتماعي وحقيقة الأمر الواقع، لأنها ببساطة ستفقد سلطتها لصالح الاعلام البديل المتمثل بإعلام وسائل التواصل الاجتماعي المتاح بسهولة لدى الجمهور الأميركي وغير الأميركي.  

لا تستخفوا بشباب "الفيسبوك" و"الإنستغرام" و"التويتر".. كونوا معهم، فقد استطاعوا تحقيق ما لم تستطعه الدبلوماسية الرسمية. فرضوا روايتنا على الإعلام الغربي فرضاً وليس طوعاً؛  لأنهم ببساطة سألوا السؤال الصحيح: ما الذي يعرفه المواطن الغربي؟.




جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023