رسائل مبطنة وتعاون مشروط يترك باب الخروج مفتوحًا

فالح حبيب

محلل سياسي

مكان

بقلم: الصحفي والمحلل السياسي/
 فالح حبيب.

*أزمة الائتلاف لا تزال تتفاعل وتلقي بظلالها على المشهد السياسي.


لا تزال أزمة الائتلاف و"عديت سيلمان" تتفاعل وتلقي بظلالها على المشهد السياسي، إذ شهد هذا الأسبوع بطبيعة الحال أحداثًا وتصريحات جاءت كارتدادات مباشرة للأزمة الائتلافية، ولعلّ أبرز التحركات والأحداث التي شهدها المشهد السياسي على صعيد المجتمع العربي كانت:

النائبان أيمن عودة وسامي أبو شحادة يخرجان على عجل لقطع الطريق، ويؤكدان أن المشتركة لن تُشكّل طوق نجاة للائتلاف ولن تصوّت مع أي اقتراح حجب ثقة بنّاء يتقدم به نتنياهو أو حل للكنيست يأتي به الليكود ويصب في مصلحته.


ما لا شك فيه أن المشتركة كانت ترجو تدخل يد القدر وأن تسقط الحكومة دون تدخلهم المباشر لوحدها لكي لا يتحمّلوا المسؤولية أو أي حرج جماهيري لاعتبارات عديدة، فراح هناك مَن يفتعل الحركشات بشكل شفّاف لاستفزاز اليمينين، الائتلاف الذي كان متوقعا أن يخرج بعض نوابه ويؤكدوا عدم قبولهم بالتواجد في ائتلاف واحد مع المشتركة، والمعارض الذي حتما سيستغل هذا الدعم للتشهير بالحكومة لنزع الشرعية عنها، فأخذ خطوة النائب أيمن عودة وطرح موقف لطالما تحدثت عنه المشتركة، لكن مشكلته كانت بتوقيته من أمام باب العمود، فالتوقيت وحده كان كفيل ليستفز اليمين وبالتالي لتأجيجه ودفعه أن يقوم بما لا تريد القيام به بنفسها المشتركة. المشتركة وجدت نفسها بين فكيّ كمّاشة، إما دعم الحكومة أو إسقاطها وبالتالي إعادة نتنياهو للحكم، هو نتنياهو ذاته الذين لطالما أرادوا إبعاده عن السلطة. النائب أيمن عودة توقع هذه الهجمة لكنه اعتقد أنها ستكون كالعادة مجرّد زوبعة في فنجان وعاصفة عابرة ولم يتوقع حجم الهجمة التي كلّفته أيضا بتراجع شعبيته، وهذا كان متوقعا نظرا "للعليهم" الذي تعرّض له.


صمت ترقبًا ونطق مدافعًا، هذه المرة عن زملائه!


بعد أسبوع التزم فيه النائب أحمد طيبي الصمت ترقبا ومتابعة كما تقتضي الحاجة في هذه المرحلة لمواكبة تطورات المشهد، ظهر من خلال مقابلة قوية في النشرة المركزية للقناة 13 مدافعا عن زملائه في "أزمتهم"، إذ خرج مدافعا عن النائب أيمن عودة بقوة وعن موقف المشتركة مؤكدا: نحن معارضة ولكننا سنُصوّت ضد اقتراح لحجب الثقة يقدمه نتنياهو.

وكأن لسان حاله يقول لا أعامل الآخرين بمهنيتهم، بل بمهنيتي، مترفعا عن محاولات المس بشعبيتي حسدا من عند أنفسكم: "إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة، إن أبانا لفي ضلال مبين"، ضاربََا للآخرين نموذجًا بالوفاء الكتلوي والثقة.

التغيير معنية بهذا النهج الذي تعمل به، فلديها هي الأخرى اعتباراتها السياسية المستقبلية، لا تريد تأجيج الجبهة ضدها ولتحسين موقعها في أي مفاوضات مستقبلية عند تركيب مشتركة جديدة.

ليؤكد الطيبي أن اقتناص الفرص سيكون نهج العربية للتغيير المستقبلي، وقد بدى واضحا جليا بعد هذا سلسلة حواراته الأخيرة ولربما التي حتما ستروق للموحدة على الأقل حاليا، لأنه حتما سيتقاطع مع مواقفها في "تصويتات" كثيرة وقد أشرت له عدة مرات ما يذكرنا بالمقولة:

لا تستعجل الأمور قبل موعدها، ولكن إذا لاحت فرصة تنفيذها استغلها وبقوة.


التغيير ستسعى لتحقيق منجزات للمجتمع العربي، وبالتالي لها أيضا عند ومع كل تصويت. ولعلّ أبرز ما صرّح به مؤخرا النائب الطيبي، كان ذلك التصريح الذي يكشف من خلاله خطط العربية للتغيير للفترة المقبلة التي في مرأى العين، ويأتي كتأكيد على نفس الموقف منذ أن كسر صمته:

الوضع ليس أصعب مين قال "أصعب، بل أفضل، أفضل للمشتركة استراتيجيًا، أي سياسي تأتيه فرصة ولا يستغلها من أجل جمهوره والناس يكون مخطأ بحق الجمهور والناس".


رسالة تُكمّل الأخرى، تعكس التباين للوهلة الأولى، لكنه مقصودًا


بالمقابل الموحدة ظلت على موقفها العام الداعم للائتلاف تمسكا بالشراكة وتعزيزا للثقة بين شركاء الائتلاف الواحد. ولعلّ أبرز تصريح في هذا السياق كان للنائب منصور عباس:

"نحن الآن موجودون في شراكة نلتزم بها ونحترمها لطالما لم يخلّ بها الطرف الثاني، لن نقم بما قامت به عيديت سيلمان". ليُكمّل هذا التصريح وهذه الرسالة تصريح آخر ورسالة مُبطّنة أخرى من خلال تغريدة للنائب وليد طه الذي أكد خلالها بما معناه أن الشراكة يجب أن تكون متبادلة "والأخذ والعطاء" ثنائي المسلك، شراكة لا تكون رهينة لنزوات وشطحات نواب اليمين، ليبدو للوهلة الأولى أن هناك تباين في وجهات النظر داخل الموحدة حول كيفية التعاطي مع أزمة الائتلاف، إذ لطالما تحدث رئيس الكتلة النائب وليد طه مع مقربيه عن ضرورة عدم الركون والاعتماد فقط على الثقة مع باقي الشركاء وعدم وضع الموحدة، خاصة وتجربة الموحدة مع بعضهم مريرة، رهينة لنزوات وشطحات اورباخ وشاكيد وكارا وغيرهم.

الموحدة تدرك أن وضع الائتلاف الحالي يفتح باب الابتزاز على مصراعيه ويقلّص مساحة مناورة قادته، ما قد يضع الموحدة في مواقف محرجة كثيرة يكون لها مردود سلبي وعكسي على الموحدة في أي انتخابات ستكون قريبة. لهذا جاءت هذه التصريحات كرسالة لترتيب الأوراق وتضع النقاط على الحروف وتضبط إيقاع تحركات جناح يمين الائتلاف، وهنا أتذكر المقولة: "الحكي لك يا جارة".

الطيبي سيسعى لتحقيق منجزات فردية من خلال الوقوف عند كل تصويت وتصويت مستغلا الفرصة، والموحدة حاليا ستبقى سعيدة لأنه كلما طال عمر الائتلاف ربما تمكّنت من تحقيق واستكمال منجزاتها بشكل كامل وما بين هذا وذاك ستبقى باقي مركبات المشتركة تنظر للجانبين تنتظر خطأ يؤكد على صحة المركبين ويُعيد لهما شعبيتهما.



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023