الكاتب/ وليد خالد
إذ يتوقف المشهد المستقبلي القريب، في الصراع مع العــ ـدو على عدة عوامل متشابكة، فإنه أمام سيناريوهات عديدة، يصعب الجزم بذهابه إلى إحداها.
وتحاول هذه السطور قراءة المشهد، ضمن احتمالاته المتوقعة، وإذ يعتبر الكاتب أن دخول غزة، على خط المواجهة سيشكل إضافة فارقة، أو تغييرا استراتيجيا فيها، فإنه سيقسم الاحتمالات وفق ذلك، ولعل المشهد المرتقب -حينئذ- لا يخرج عما يأتي:
أولا: في حالة بقاء غزة خارج جولة المواجهة الراهنة
وضعت غزة خطوطها الحمراء، التي لو تجاوزها العــ ـدو فإنها ستدخل المواجهة، وبلغت ذلك للوسطاء، وبات العــ ـدو يعرفها جيدا، ففي حالة أن العــ ـدو سيطر على مستوطنيه، والتزم بعدم المساس بخطوط غزة الحمراء، فلم تدخل غزة المواجهة، وبقي سيفها مرفوعا، كأنه ظلة يُظَنُّ وقوعها بهم، فإننا -على ما يبدو- أمام احتمالين لا ثالث لهما:
أن تظل الهبة موجة مقــ ـاومة عادية، كسابقاتها من الموجات والهبات، التي أثخنت في العــ ـدو ماديا ونفسيا، لفترة من الوقت، وتركت جراحها الغائرة في جسده، مراكمة فعلها المقــ ـاوم نحو مزيد من الهبات القادمة، ثم تتوقف هذه الهبة بعد فترة من الزمن، (عدة أشهد على أكثر تقدير). والحديث يدور هنا عن زمن الهبة، وامتداتها الجغرافية، وأدوات مقاومتها، التي تبقيها في إطار الهبة أو الموجة، ولا تحولها إلى حالة أو انتفاضة شاملة، لا تنتهي إلا بإنجاز تحرري ملموس.
أن تتحول هذه الهبة إلى انتفاضة شاملة، تمتد مساحتها الزمانية والجغرافية، وتتطور أدواتها المقــ ـاومة بحيث تجبر العــ ـدو على دفع ثمن سياسي ملموس، يقرب الناس من مشروعهم التحرري المنشود، وقد يؤدي إلى مزيد من الدفع للعــ ـدو عن أرضنا وتفكيك المزيد من المستوطنات، ودفعه للمزيد من الانكفاء والتراجع، والذي يراه كاتب هذه السطور، أن هذا الاحتمال ضعيف جدا، لأسباب عديدة منها:
أ- أن السلطة والجزء المتنفذ في قيادة فتح والأجهزة، لا يريد ذلك (وليس سرا أن يقال، أن منهم من سيمنع ذلك ويحاربه).
ب- أن الفصــ ـائل الفاعلة خاصة حمــ ـاس والجــ ـهاد الإسلامي ثم فتح (المقــ ـاومة)، هي في الحقيقة مفككة ومنهكة، نتيجة سنوات السحق والملاحقة السابقة، وإن كانت هي من يعول عليها، لتكون العمود الفقري لهكذا انتفاضة؛ ثم هي غير موجودة، وتحتاج (في نظري) عدة أشهر من إعادة الترتيب والبناء، كيف لا؟ وكوادرها وأدواتها وبناها مفككة وتحت المجهر، ولنلاحظ أن انتفاضة الأقــ ـصى، التي سُبِقت بسنوات أقل من السحق والتنسيق، ثم كان عليها إجماع، بل وضوء أخضر من رأس السلطة رحمه الله، احتاجت الفــ ـصائل عدة أشهر من إعادة البناء، لتثخن في العــ ـدو وتغير المعادلة).
وعليه فإن الرهان -في رأيي- على إمكانية تحول هذه الموجة إلى انتفاضة شاملة، ضمن سياقاتها وأدواتها الراهنة، هو رهان غير واقعي والله أعلم، ومن ثم فإنه إن لم تدخل غزة على خط المواجهة، فإن الكاتب يرى أنها ستظل كما هي، موجة مقــ ـاومة مهمة، ثم تنتهي بعد فترة ليست طويلة.
ثانيا: في حالة دخول غزة على خط المواجهة
في حالة تجاوز العــ ـدو، الخطوط الحمراء للمقــ ـاومة عمدا أو سهوا وتقصيرا، أو وقع حدث دراماتيكي جعل غزة تدخل المعركة، فإننا أمام احتمالين أيضا:
أن تدخل غزة مواجهة محدودة، مطورة قليلا عن (ســ ـيف القدس) تستمر لعدة أيام، تسعى من خلالها لتثبيت قواعد اشتباك جديدة، وتحقيق المزيد من النقاط في الردع، الذي يقابله مزيد من الكسر والتآكل لقوة ردع العــ ـدو، ولا يتوقع في هذه الحالة القصيرة زمنيا أن تكون هذه المواجهة (الغزية)، وقودا أو شرارة أو صاعقا لثورة كامنة في الضفة (وربما الداخل)، وسنكون قريبين من البند الأول، من الاحتمال الأول، أعلاه مع تثبيت قواعد اشتباك جديدة، وتسجيل نقاط مهمة في معركة الوعي.
أن ترى غزة أن مشهد العــ ـدو، المرتبك والمفكك والعاجز والمهزوز، مقابل الصحوة الواضحة في الضفة، والململة الملموسة في الداخل بكل عواملها الكامنة، مع الأرضية الذهنية المهيئة لدى العــ ـدو والصديق، حول أهمية اللحظة الزمنية، وتخوفات العــ ـدو، التي جعلته يقوم بالعديد من التسهيلات، و يتخذ العديد من القرارات والإجراءات خوفا منها، لتلافي خطرها الذي يتوقعه؛ من غير نسيان عوامل الأمل المبثوثة في المبشرات، التي تقول أننا على أبواب مرحلة فارقة ومفصلية.
أن يدعو كل ذلك غزة، ليكون دخولها لخط المواجهة دراماتيكيا، ويحمل مفاجآت استراتيجية، (أو لعلها تدخلها بالشكل العادي، ثم تتدحرج الأمور وصولا لهذا)، الأمر الذي سيؤدي إلى:
أ: خروج العــ ـدو عن طوره أمام ضربات موجعة، يتلقاها أكثر مفاجأة وإيلاما مما عهده، وتحمل تغييرا واضحا في قواعد المعركة، مما سيدفعه لارتكاب مجازر ضد المدنيين، ستكون الصاعق لانتفاضة الضفة والقدس والداخل، وربما تحرك الجماهير وراء الحدود زحفا نحوها.
ب: تحرك المستوطنين، وخاصة فتيان الجبال والعقائديين منهم، لإحداث جرائم في الضفة ستثوّر الناس فيها، وتحفزهم للدفاع عن أرواحهم ومنازلهم، وصولا إلى الهجوم بدل الدفاع، مما سيصب في ذات النتيجة من خروج الأمور عن سيطرة أحد، واندلاع مواجهة شاملة، وإثخان العــ ـدو بجراح لا يحتمل التعايش معها فيجبره ذلك على التراجع، ويحقق شعبنا كسبا حقيقيا في مشروع تحرره، قد يصل إلى تحرير الضفة، وتفكيك الاستيطان فيها، وما نموذج جنوب لبنان، ثم غزة، ( ثم أفغانستان خارجيا)، منا ببعيد.
وفي هذا الاحتمال الثاني، المتمثل بدخول غزة على خط المواجهة، فإن شكل هذا الدخول، هو الذي سيحدد فيما إذا كان الدخول، سينهي الهبة أم يحولها إلى ثورة تحرر؟.
والذي يراه كاتب هذه السطور -لا دغدغة لعواطف أحد- أن غزة وحدها هي من يملك خيوط المعادلة، وأنها المتحكم الأكبر في المشهد، وأن قرارها هو العامل الحاسم في المعركة، وما دام ذلك كذلك، فإننا -أهل الكلام- ستظل لنا تحليلاتنا، التي تقترب من الواقع أو تبتعد عنه، بينما جند الله الذين يصنعهم على عينه، ليغير بهم وجه الأرض؛ لهم حساباتهم التي تقصر عنها أقلامنا وتحليلاتنا، وسيكون لهم القول الفصل فيما هو قادم، وهم الحاضر الأكبر اليوم -رغم الغياب- فكيف بهم إذا حضروا؟.