العزلة الشعورية هي أن تنتمي إلى مجتمع لا ينتمي إليك. جنود الوحدة البدوية المتموضعة على حدود غزة وقعوا في سؤال الذات، وازدواج الهوية، أمام وظيفتهم "كمرتزقة" يخدمون جيش الاحتلال، ومجتمع عربي فلسطيني خرجوا منه معادي لكل ما يمثلونه في حياتهم.
"فراس أديبية" الضابط النصراني من منطقة نوف الجليل، "يعقوب القيعان" مسلم من قرية حورة البدوية، و"زين الدين مريدات" مسلم من قرية قرعان في الشمال الفلسطيني المحتل، ثلاثتهم ضباط يخدمون في الوحدة البدوية على الخط الأمامي المواجه لقطاع غزة، والذين شاركوا أيضًا -قبل عام- في مواجهة الفصائل الفلسطينية في معركة سيف القدس.
بعيدًا عن السؤال الوجداني: "كيف أصبح الفلسطيني يقاتل الفلسطيني في خدمة الاحتلال الصهيوني كما الحاصل من خلال عناصر الوحدة البدوية كنموذج، أو بشكل آخر عناصر أمن سلطة رام الله الذين يقاومون المقاومة من خلال منظومة التنسيق الأمني؟"، فإن التساؤل الذي يزعزع تلك العناصر اليوم هو: "ما هي نظرة عائلاتهم ومجتمعهم لخيارهم في حماية أمن الكيان الصهيوني، ومحاربتهم للسياق الإنساني الطبيعي للشعب الفلسطيني المقاوم للوجود الصهيوني على الأرض التاريخية؟".
لكن في اللحظة التي كانوا يحرسون مواقعهم من داخل مدرعة عسكرية على الخط الشرقي لمنطقتي رفح وخانيونس، وعناصر النخبة القسامية متأهبون في الأنفاق الهجومية، يتمترسون بالقرب منهم بأمتار قليلة، في انتظار اللحظة التي يخرجون فيها من تلك الأنفاق ويهاجمون المدرعة، كان "أديبية" و"القيعان" و"مريدات" ينظرون إلى مدنهم وقراهم التي أتوا منها، حيث وقعت مواجهات مع السكان الفلسطينيين، ومنهم أقربائهم وعائلاتهم، وبين اليهود المحتلين في نصرة الفلسطيني للفلسطيني، والتي غيرت معادلات استراتيجية ظن الاحتلال الصهيوني أنه قد فرضها كأمر واقع تتعلق بسلامة العمق الاستراتيجي ونقل المعركة لأرض العدو، وهذا ما تم تغييره في معركة (سيف القدس) للأبد.
اثنين من أعضاء الوحدة تركاها بسبب الضغط المجتمعي -وبالأخص العائلي- بسبب العمل لصالح الجيش الصهيوني، وقاما مع عائلتيهما بنقل مكان سكناهم بعد كثير من التهديد والحضور السلبي أمام المجتمع الذي يعيشون فيه، هذا ما قد يخيف عناصر الوحدة العرب الذين ما زالوا متبقين -ولا أقول الفلسطينيين-، فضغط زوجات الجنود وأمهاتهم عليهم لترك العمل لصالح الجيش الصهيوني كونه ما زال يقع تحت تعريف العدو في العقل الصهيوني الرافض للتهديد يأتي بالنتائج على الأرض.
"يعقوب القيعان" الضابط في الوحدة البدوية دخل في صراع مع الذات مؤخرًا، إذ كان ينتمي لعائلة القيعان البدوية الفلسطينية، أو للدولة الصهيونية التي يدافع عنها، بعدما قام ابن العائلة والأسير المحرر من سجون الاحتلال الصهيوني الشهيد "محمد القيعان" بتنفيذ عملية بئر السبع الأخيرة، هذا وقد نقلت مقالة في "يديعوت أحرنوت" يوم الإثنين 2/5/2022م بعنوان "جميعنا جزءًا من الشعب" قول الضابط "يعقوب" عن ابن عائلته الذي نفذ عملية بئر السبع بأن له قرابة معه لكنها بعيدة بأنه لا مثل العائلة، فعائلة القيعان تعدادها قرابة 14000 شخص، لا يمكن وسم الجميع بأنهم يدعمون داعش بسبب عشرة أشخاص.
في نفس الوقت تعرضت العائلة لهجوم وتحريض من الجمهور الصهيوني بسبب العملية التي لم تثني الضابط "يعقوب" عن عمله في الوحدة، بل استمر ويتقدم إلى الأمام، ويقول إذا كنت سأستجيب لذلك التحريض لم أكن لأخدم في الجيش حتى الآن.
ويقول هنا "مريدات" أنه لا يدخل ويقرأ التحريض في الشبكات الاجتماعية، كون ذلك يسبب الإزعاج له ويضر بالأمن الذي يحاول المحافظة عليه ليشكل بذلك أوضح صورة للعزلة الشعورية عن المجتمع الفلسطيني الذي خرجوا منه، كما أن المجتمع الصهيوني لن يقبل بهم كونهم ليسوا يهودًا، ليقفوا في مكانة أخرى لا يمكن وصفها سوى بأنهم (المرتزقة العرب) في جيش الاحتلال الصهيوني.
في قناعة ضابط مفرزة الكتيبة المسؤول عن المقاتلين العرب، يقول "ليدور ترجمان" في نفس المقال بأنهم جزء من شعبنا، وهم أكثر نفعًا من الذين لا يخدمون بالمرة، هذه دولة للجميع وخدمتهم إضافة كبيرة لنا، مع عدم نسيان الخلفية الثقافية العربية التي قدموا منها.
وتختم المقالة بأن هناك انخفاض بنسبة 20% في التجنيد بعد معركة (حامي الأسوار) لصالح الكتيبة البدوية، وأن 14 جنديًا في الكتيبة يصنفون أنهم بدون عائلات بعد تخلي عائلاتهم عنهم بسبب تطوعهم في الجيش.
الأسير الكاتب/ إسلام حسن حامد. 6/5/2022م.