كل مُر سيمر - تعويل على الوقت ولكن ماذا لو كان للوقت رأي آخر!

فالح حبيب

محلل سياسي


مكان

الصحفي والمحلل السياسي/
 فالح حبيب  


كنت قد توقعت تحرك الموحدة وتوقعت الرسالة وبقدر أنها لم تكن مفاجئة وأن المفاجأة أنه لم يكن فيه أي مفاجأة، إلا أن وقعها العقلاني ما زال حاضرًا ومن المفروض أن يكون مؤثرًا.

نواب الموحدة يعودون لمزاولة نشاطهم البرلماني ودور قادة الحكومة قد حان وبدأ، وعليهم إثبات الشراكة عملا لا قولا!

النائب منصور عباس عبّر عن قرار الموحدة باسم الإسلامية ومجلس شورتها، قرار مُحمّل برسالة قوية ولافتة اجتماعيا أكثر من كونها سياسيا فقط أيضًا، تحمل في طياتها أملا وفتح صفحة جديدة من العلاقات المبنية على الشراكة والتعاون الحقيقي من أجل الجمهور، وتحمل في طياتها رسالة احتواء تفاقم الأوضاع وتركل الكرة إلى شطر الآخر من الملعب، ملعب قادة الحكومة فماذا هم فعلون؟!


ما الذي سبق قرارات الموحدة، وكيف كانت التحركات خلف الكواليس؟


ما لا شك فيه أن المفاوضات سارت بنجاح ومخرجاتها جاءت إيجابية والهدوء فسّر لنا ذلك!

فالتجربة علّمتنا أنه بطبيعة الحال دائما المفاوضات يسبقها وخلالها تحدث أزمات وتصريحات وأحيانا أيضا افتعال أزمات تأتي على شكل قنابل دخانية لحجب الرؤية واعتبارات كثيرة وتصريحات تبدو كرسائل بين الأطراف استغلالًا لدور الإعلام كوسيط غير مباشر.

لكن هذه المرة كان هناك هدوء تام وحدسي وتجربتي والصمت والهدوء الذي سبقها قادتني آنذاك إلى التوصل لنتيجة واحدة أن المفاوضات الجارية بين الموحدة و "يش عتيد" إيجابيه وبناءً على أكثر من مصدر من داخل الائتلاف والحكومة، سعى لأن يصل صوته للمجتمع العربي في تلك الفترة أكثر من أي وقت مضى، أنها أفضت لمخرجات من شأنها أن تشكل رافعة للموحدة والمجتمع العربي.

ليُسأل السؤال، لماذا مع لبيد و"يش عتيد" هذه المرة وقد تولى دائما إدارة هذه المفاوضات والاتصالات مندوب يمينا، سكرتير الحكومة "شالوم شلومي"؟


"يش عتيد" هو الأكثر رغبة في بقاء الائتلاف الحالي أكثر من أي جهة أخرى، الأمر الذي توافق وما زال مع استراتيجية وتكتيك الموحدة التفاوضي وتحاول استغلاله.  

ناهيك عن وضع حزب يمينا المركب والهش والخلافات الداخلية، خاصة ومصادري تؤكد أن الموحدة أصرّت على إجراء المفاوضات مع مندوب آخر من الائتلاف و"يش عتيد" لاعتباراتها، وكانت هذه أبرز الاعتبارات باعتقادي.


الأصل آنذاك لاستنتاج راسخ أن المفاوضات كمفاوضات كُتب لها النجاح، لأنه لا مصلحة ل "يش عتيد" وغيرها بغير ذلك، ليبقى السؤال آنذاك، هل سيقبل مجلس الشورى تفاصيل المفاوضات كما جاءت ومخرجاتها كما وردتني من أطراف عديدة تحاول أن يصل صوتها للمجتمع العربي ولها مصلحة ببقاء الائتلاف واللبيب من الإشارة يفهم؟ كان واضحا أن مجلس الشورى كان بين مجموعة إمكانيات أحلاها مر علقم أبرزها:-


عودة نتنياهو وانسحاب جيد أفضل من "مقاومة سيئة" - هم أدركوا أن انسحابهم على خلفية أحداث المسجد الأقصى هي نقطة خروج آمنة يمكن الاستثمار بها كرافعة شعبية وتعزيز شعبيتها وتحميل فشل التجربة للائتلاف، ولكن بالمقابل هم أدركوا أنه ليس مهم متى تنسحب رغم أهمية الوقت بذلك للموحدة، بل الأهم مع ماذا تنسحب؟ كيف لها تعود إلى المجتمع العربي قبل استنفاد التجربة حتى رمقها الأخير وإثبات صحتها واستكمال الإنجازات ودولبتها، وبالتالي بدء دفع المنجزات وتحريك عجلاتها وتطبيقها على أرض الواقع والمشتركة تنافسها وتضع لها التحديات في هذه الجزئية.


تعالوا ندخل غرفة مجلس الشورى لنطلع كيف سارت الأمور - جلسة سرية دون معلومات مجانية؟


لأول مرة مجلس الشورى ونواب الموحدة يديرون جلسة بهذه المهنية والسرية، فالموحدة "حصّنت" مواقعها واعتمدت على مبدأ العض على الصبر وعدم منح معلومات مجانية بسخاء. سارت الجلسة وضمنوا السرية التامة والشيء المؤكد أن أحدا لم يستطع اختراق مجلس الشورى سواء من الإعلاميين أو المصادر الحكومية، وكل ما نُشر في الإعلام كان مجرد تكهنات متناقضة لا علاقة لها بالحقيقة.


هذه تُحسب للإسلامية، إذ لأول مرة بعد استخلاص العبر لم يتم تسريب أي معلومة. وبالمقابل سارت المباحثات داخلها وفقا لآلية مهنية علمية "اتخاذ القرار" فبعد أن عرض تفاصيل المفاوضات والتفاهمات من قادها هذه المرة، رئيس كتلة الموحدة، النائب وليد طه وأدلى النائب منصور عباس بدلوه وغيره، بدأ النقاش المهني لبحث ما يُعرف "بمرحلة التعرّف" بمعنى وضع كل المشاكل والصعاب والفرص التي تكمن فيها في نقاش مستفيض، ومن ثم انتقلوا إلى مرحلة "التحليل وبناء تحركات"، هنا قاموا بتحليل كل السيناريوهات القائمة وراحوا يضعون لها تحركات، ومنها البديلة، حتى وصلوا المرحلة الأخيرة، "مرحلة الاختيار"، اختيار الإمكانيات المناسبة وبالتالي اتخاذ قرار، لتبقى الضبابية والتعتيم حتى هذه المرحلة قائمة إذ خرج النائب وليد طه للإعلام وأكد أن المجلس سيظل في حالة انعقاد دائم وستُتخذ القرارات النهائية في ساعات الصباح ولكن لماذا؟

نقرأ ما خلف السطور - انتهاء الجلسة دون الإعلان عن قرارات أبدا لا يعني عدم وجود قرارات! فاتصالاتي وانطباعاتي من نواب الموحدة وأعضاء مجلس الشورى وابتسامات غالبيتهم العريضة كانت رسالة، تؤكد أن الخروج بدون قرارات معلنة لا يعني عدم اتخاذ قرارات، بل المؤكد أن هناك قرارات، وإلا ما الداعي للجلسة وانعقادها وطرح التفاصيل أمام أعضائها كان، إذا لم يكن الهدف دراستها واتخاذ قرارات. 

كانت مناورة تُبقي جميع الأطراف في الدولة لليلة كاملة بشد أعصاب وترقب وعض أصابع وضغط لحظة الصفر حتى اختمار ونضوج واكتمال القرارات بشكل نهائي وإغلاق التفاصيل ووضع اللمسات الأخيرة بناءً على الطلبات الموافق عليها لتعزيز قوة المؤتمر وصداه.

ليأتي صباح الأربعاء ويُتخذ قرار تقديم موعد المؤتمر الصحافي، ما جاءني كإثبات أن القرار كان جاهزا وكل ما في الأمر هو جر البلاد لتترقب وتنتظر ليكون للرسالة وطأتها وصداها الكبير، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي سفن الموحدة؟ فالإعلان عن مقتل الزميلة الصحافية اللامعة شيرين أبو عاقلة تصدّر العناوين والمشهد وأجّج العواطف، فاضطرت الموحدة لاعتبارات كثيرة سياسية واجتماعية، ونعم أيضا فنية تقنية، تأجيل المؤتمر وعدم الإعلان عن القرار في كفر قاسم، بل التوجه للكنيست والاكتفاء بمراسم متواضعة جدا لا تُثير الجمهور ضدهم والعالم العربي دخل حالة حزن وحداد بهذا الخبر المؤسف المحزن، كسبا للوقت لبعد المسافة بين كفر قاسم والقدس والكنيست ليكونوا جاهزين لأي طارئ يحدث فيها، فقرارهم كان قد اختمر ونضج ومفاده العدول عن "قرار التجميد" وبجزئية حل الكنيست بالتحديد، أرادوا تمرير الوقت لتهدأ العاصفة، وبالتالي تصدر العناوين مرة أخرى.

ليخرج النائب منصور عباس ويعلن عن قرار الموحدة على الملأ ويؤكد منح الائتلاف فرصة أخرى ضمن شروط واضحة وتنفيذ طلبات الموحدة ضمن جداول زمنية واضحة، لتؤكد الموحدة أن كل مُر سيمر من خلال خطوة عقلانية سياسية من العقل لا العاطفة! ولكن ماذا لو كان للزمن رأي آخر وبقي المُر على حاله ولم يمر وانتهى الوقت وتفكك الائتلاف وعادت الموحدة للمجتمع دون استكمال منجزاتها "بخفي حنين"؟


"المؤتمر الصحافي- تصريحات النائب منصور عباس هو بيع جديد للوهم!"


لهذا كان هناك مَن رفض العودة ولم يكن مقتنعا بها رغم التزامه بالقرار الشوري الديمقراطي، فخذوا مثلا التصريح الحصري الخاص الذي أدلاه لي القيادي المرجعية في الإسلامية الشيخ إبراهيم صرصور:-

"لا اشك أبدا في نوايا الدكتور منصور عباس وسائر نوابنا المحترمين، لكن قناعتي تترسخ يوما بعد يوم بان الطريق الذي تسير فيه الموحدة مزروع بالألغام، وان نتائج تجربتنا فيه خلال عام من انطلاق قطار الائتلاف تثبت أن الأضرار والمفاسد منه أكبر بكثير من المنافع والمصالح".


معللًا لماذا؟:


"من المؤسف أنه وفي اليوم الذي يقتل فيه الاحتلال الإسرائيلي صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقلة بدم بارد، يقرر دكتور منصور عباس إلغاء القرار بتجميد نشاط الموحدة في الائتلاف الحكومي لا لصالح الانسحاب الكامل بل لصالح العودة لحضن الائتلاف من جديد.


قرار لا يمكن فهمه مهما ساق الدكتور منصور عباس من مبررات.


ما ورد في المؤتمر الصحفي الذي عقدته الموحدة في الكنيست من إشارة الى استجابة الائتلاف لمطالب الموحدة بخصوص تنفيذ قرارات سابقة بشأن تحويل الميزانيات للسلطات العربية، والاعتراف بالمزيد من القرى العربية في النقب، وتسريع الإجراءات في مكافحة العنف والجريمة، هو بيع جديد للوهم، إذ أن هذه الحكومة ستستمر في سياسة المماطلة التي ستحول دعم الموحدة لها الى غطاء لتنفيذ سياساتها المتناقضة تماما مع ثوابتنا الدينية والوطنية، من غير أن تحقق الموحدة إنجازات حقيقية ملموسة على الأرض.

ليس هنالك ما يمكن ان يقنع أحدا ان الحكومة التي ماطلت في تنفيذ قراراتها بشأن المجتمع بالرغم من الاتفاقيات مع الموحدة وهي تتمتع بالأكثرية الضيقة، أن تفعل ذلك الآن وهي في اضعف حالاتها.

من المؤسف أن تظل الموحدة رهينة الأوهام في وقت يذوق فيه شعبنا وقدسنا ومسجدنا الأقصى الويلات؛ بسبب الاحتلال، ويعاني مجتمعنا العربي من أزمات تتوالد كالنمل دونما حل عملي في الأفق.

لم يعد مهما عندي أن يرأس الحكومة في الفترة الانتقالية بينيت أو لابيد، فكلاهما وجهان لعملة واحدة.
 ما يهمني أن الثمن الباهظ الذي دفعته الحركة الإسلامية والموحدة من سمعتهما ومصداقيتهما أكبر بكثير مما جنته من هذه الحكومة على الأقل حتى الان".


إلى هنا أقوال القطب في الإسلامية إبراهيم صرصور.


ويعكس هذا التصريح مدى الانتقادات البنّاءة التي تعرّض لها نواب الموحدة خلال جلسة مجلس الشورى، لكنه أيضًا يؤكد على مدى شورية وديمقراطية الإسلامية والتزام جميع نوابها بقرار الأغلبية رغم الرفض والمعارضة الشخصية وهذه نقطة قوة لها لا عليها.

لتبقى الموحدة ونجاح خطوتها ومصيرها مربوط بالائتلاف وتحركات قادته ومدى استجابتها مع تحقيق وتنفيذ التفاهمات الأخيرة.

الوقت، إما لك أو عليك، ويبقى في علم الغيب والموحدة تدرك ذلك لتواصل تمرير الوقت.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023