المشروع النووي الإيراني بين عقيدة بيغن والإصرار الإيراني

رامي أبو مصطفى

باحث في الشؤون الاستراتيجية

في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي المسمى بمفاعل "تموز"، في العملية التي أطلق عليها اسم "أوبرا"، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي -آنذاك- "مناحيم بيغن" عن عقيدته العسكرية، والتي تعتبر سمة من سمات التخطيط الأمني الإسرائيلي، حيث إن (عقيدة بيغن) هي المصطلح الشائع للحروب الوقائية للحكومة الإسرائيلية، للحد من امتلاك أعدائها لأسلحة الدمار الشامل وخاصة الأسلحة النووية، وقد جاء في بيان الحكومة حينها "لن نسمح بأي حال من الأحوال لأي عدو بتطوير أسلحة دمار شامل ضد شعب "إسرائيل"، وسندافع عن مواطني "إسرائيل" في الوقت المناسب وبكل الوسائل المتاحة لنا".

   وقد تبنى "مناحيم بيغن" العملية، وأشاد بتنفيذها ووصفها بأنها غير عادية، وبررها على أسس أخلاقية وقانونية، وأشار إلى أنها "دفاع استباقي عن النفس في أفضل حالاته"، وفي الخامس عشر من يونيو من نفس العام 1981، -وخلال مقابلة تلفزيونية مع برنامج (واجه الأمة)-، كرر "بيغن" هذه النقطة العقائدية وصرح قائلاً: "هذا الهجوم سيكون سابقة لكل حكومة مستقبلية في إسرائيل".

   كل رئيس وزراء إسرائيلي مستقبلي سيتصرف في ظروف مماثلة بنفس الطريقة، وقد تم فعلاً في العام 2007 تنفيذ عملية "البستان" حيث استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية المفاعل النووي السري السوري في محافظة دير الزور، في السادس عشر من سبتمبر، وتم تدميره بالكامل.

   والسؤال المهم الذي يطرح نفسه، ما هو موقع المفاعل النووي الإيراني من عقيدة بيغن؟، وهل تم استثناء المشروع النووي الإيراني من عقيدة بيغن؟، وهل تآكلت قوة الردع الإسرائيلية أمام التهديدات الإيرانية بالرد بقوة؟

   وللإجابة على هذه التساؤلات: لا بد من المقارنة بين الفعل الإسرائيلي في حالة المفاعل النووي العراقي، والمفاعل النووي السوري والفعل الإسرائيلي في حالة المفاعل النووي الإيراني، حيث إن ما قامت به "إسرائيل" في المفاعلين العراقي والسوري هو الضرب المباشر للمفاعلين وبكل قوة وبدون تردد، أما في حالة المفاعل النووي الإيراني فإنها عمدت إلى التخريب من خلال عمليات سرية للمنشآت الإيرانية المنتشرة على الأراضي الإيرانية، سواءً باستهداف المباني، أو أجهزة الطرد المركزي، أو حتى العلماء الإيرانيين المسؤولين عن إنشاء وتطوير البرنامج النووي الإيراني ومنظومة شهاب الصاروخية، وواقع الأمر أن التآكل في قوة الردع الإسرائيلية واضح للعيان دون أي لبس، وإلا فما الذي يمنع "إسرائيل" من تسيير طائراتها الحربية لتقصف المنشآت النووية الإيرانية كما فعلت مع المشروعين العراقي والسوري؟ إن ما يمنعها من ذلك هو الخوف الشديد من ردة الفعل الإيرانية غير المحسوبة والتي يتوقع أن تكون ضربة شديدة تكلف "إسرائيل" ثمناً باهظاً، سواءً في الخسائر البشرية، أو الخسائر المادية في بعضمواقعها الإستراتيجية.

   وهنا يبقى السؤال معلقاً ويحتاج إلى إجابة واضحة، هل ستجرؤ "إسرائيل" على استهداف المشروع النووي الإيراني كما استهدفت المشروعين النوويين العراقي والسوري؟، و هل مازالت (عقيدة بيغن) سارية المفعول أم أنها قبرت في العام 2007 مع ضرب مفاعل دير الزور في عملية البستان؟.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023