كل المطبات والأزمات من خلفهم إلا مطب الزمن وما يُخفيه القدر!

فالح حبيب

محلل سياسي

بقلم/ فالح حبيب


مقال تحليلي يتطرق إلى أزمة الائتلاف الحكومي وتذبذبه، ويسلط الضوء على مواضيع مختلفة بينها: المنح الدراسية لمن أنهوا خدمتهم بالوحدات القتالية، ومسيرة الأعلام المرتقبة.


لا داعيَ أن تكون محللا سياسيا بارعا، لتُدرك أن موضوع تفكك الائتلاف الحكومي مسألة وقت ليس إلا، فالموضوع ليس على لماذا وماذا بل متى؟، متى سيرفع أياديه والراية البيضاء أحد أحزاب الائتلاف أو أحد نواب الائتلاف، خاصة وهم في دوامة من المطبات والأزمات، التي تُضعضع مركب الائتلاف كلما مر فوقها، وتحتاج لسياسيين من طينة وجبلة فولاذية، ونفس طويل في مارتون بحاجة لقدرة صمود كبيرة، ليُسأل السؤال كم ستكون مقدرة كل حزب وحزب ونائب ونائبة على الصمود، وقدرة أنصارهم وجمهورهم على التحمل، بما فيه أحيانا ما يفوق قدرة احتوائهم واستيعابهم، نظرا للاختلافات والفجوات الايديولوجية للوهلة الأولى بينهم؟ ولكن يبدو أن للقدر حسابات أخرى، ففي كل مرة اعتقد فيها الجمهور أن الائتلاف أوشك على التفكك، وأن الحجر الذي يسنده قد انسحب من أسفله، يأتي القدر بحلول خاصة من عنده، فمن قضية تجميد عضوية الموحدة إلى عودتها عن قرارها بعد التفاهمات، إلى قضية غيداء التي بدت وبدأت وانتهت كقضية شخصية، كقضية "أنا" والضرب على الطاولة "أنا هنا"، قضية شخصية أكثر من كونها جماهيرية وإن غلفتها بغطاء الوطنية، إلى "ليلة المناورات"، والتي في نهايتها تمكن الائتلاف من عبور أحد أبرز المطبات بسلام إلى حد ما، عندما تمكّنوا من تمرير قانون "من العسكرية للأكاديمية" الذي يقضي بمنح مِنحٍ تعليمية لخريجي وحدات الجيش القتالية، كان دائما للقدر حساباته وللسياسيين اعتباراتهم الآنية.


ماذا الذي حدث وكيف يمكن قراءة "تسوية جانتس"؟

هي مناورة جاءت كرد على مناروة بدأت بمناورة، والحديث يدور عن ثلاثة مناورات وأكثر:

الأولى بدأت عندما وظّف قادة الائتلاف الحرج الجماهيري، من خلال تمهيد الطريق وتأليب الرأي العام والجنود على الليكود بحالة، وفشلوا بتمرير القانون كورقة ضغط، ليُحملوهم هم والمعارضة المسؤولية، فجاءت المناروة الثانية، عندما قرّر الليكود المطالبة برفع نسبة المنحة من 66٪ إلى 75٪، مع علمهم المسبق أن المالية لن تقبل بذلك، والدولة غير قادرة على تحمل هذا العبء المادي.

فقط من أجل تفويت فرصة إحراجهم جماهيريا، لتُرَد عليهم المناورة بمناورة أكبر منها، تعقد موقفهم وتزيدهم إحراجا، إذ بعد جلسة شارك فيها لبيد جانتس بينيت واليكن وجينزبورغ، في مكتب رئيس الحكومة في الكنيست، وجدوا أنفسهم دون أغلبية وعقارب الساعة تدور والوقت يمر، ودقات قلوبهم تكاد تُسمع من شدة الخفقان، والسؤال المطروح "ماذا سنفعل"؟ طرح القانون رغم عدم توفر أغلبية له تُتيح تمريره، وتحميل المسؤولية لليكود جماهيريا الأمر الذي رفضه جانتس، ليخرج جينزبورغ في مقترح التسوية، وهو رفع نسبة المِنحة إلى 75٪، وبذلك تكون الصفقة رابحة لكل الأطراف، ومن خلالها يمكنهم جميعا تسجيل "صورة النصر" المنشودة، فسُرّبت هذه التسوية كجس نبض وبالون تجارب، وعندما أدرك قادة الائتلاف أن الليكود تلقفها، وتعاطى معها بجدية هو الآخر، نظر لاعتباراته السياسية، خرج جانتس مُعلنا عن ذلك في الكنيست بشكل رسمي، ليُوفر بذلك سلم آمن لليكود وهذا ما حدث فعلا؛ وعلى الرغم من المناروة التي قادها النائب الطيبي، من خلال تحويل القانون لحجب ثقة عن الحكومة ليكون المكسب الوحيد فقط هو ظهور المشتركة كالقائمة الوحيدة، التي تُعارض القانون إلا أن ذلك لم يؤثر فعليا على التصويت، لأن المعارضة دعمته، وبذلك تمكّن قادة الائتلاف من تمرير القانون، والليكود يخرج ليقول رفعنا نسبة المِنحة والموحدة، ماذا الذي حدث معها؟

الموحدة ناورت حتى اللحظة الأخيرة لكسب الوقت؛ علّ وعسى يد القدر والتحركات تُعفيهم، من إبداء موقف علني صريح في قضية، لطالما تحدتهم بها جماهيريا المشتركة، في معركة محمومة بين كل الأطراف على كسب الرأي العام، في الموحدة كان نقاشا معقدا، وهناك كالنائب مازن غنايم وغيره مَن رفض تمرير القانون بأي شكل من الأشكال بشكل صريح، ليجتازوا هم الآخرون هذا المطب بسلام، دون إحداث قلاقل أيضا، داخل الائتلاف تعود عليهم سلبا مستقبلا.

وهكذا مِن يوم لآخر، يصمد الائتلاف ويتجاوز المطبات، إلا مطب واحد وهو الزمن وما يُخفيه القدر، فبكل لحظة ربما يأتي بشيء يُفاجئ به الجميع، ويخلط لهم أوراقهم ويقلب طاولتهم.


الموحدة تتنفس الصعداء بحذر، فهي الأخرى قلقة من المستقبل والقدر!

دخول النائب منصور عباس، على خط الوساطة بين النائبة غيداء وقادة الائتلاف، لإعادتها له وتوفير آلية تعاون معها لم يكن صدفة؛ بل لأن المصلحة جماعية ومشتركة؛ فمن مصلحة الموحدة والمجتمع العربي كان ذلك، فهم كانوا يعلمون أن مسألة تحويل الميزانيات، التي ترى بها إنجاز خالصا لها مسألة وقت ليس إلا.

فها هي الميزانيات بدأت تهطل وتنزل على المجتمع العربي، كمطر في يوم شتائي عاصف، وإن كانت حق ليست منّة، إلا أن تحصيلها ألزم الاشتباك، مع واقع مركب ثناياه مجدولة ومعقدة غير مفهومة ضمنا: 75 مليون شيكل، لدعم قطاع التنظيم والبناء والدفع بالخوارط الهيكلية إلى الأمام، إلى لجنة المالية التي صادقت على نحو 740 مليون شيكل، مُخصصة للسلطات المحلية العربي، ولمجالات كتطوير البنى التحتية والشوارع ومحاربة العنف والجريمة والفقر، ومجال الثقافة والعلوم والأبحاث ودعم الشباب إلخ، كلها جاءت تطبيقا للاتفاقات الائتلافية معها، وتنفيذا لتفاهمات عودة الموحدة عن قرار تجميد عضويتها، بعد مفاوضات قادها بنجاح النائب وليد طه، هي ميزانيات تتماشى وطموحات الموحدة، التي تعيش أيام من الارتياح و "التقاط النفس"، وقد عملت بمبدأ: من تأنى نال ما تمنى ومن صبر ظفر، ولكن هل هذا الارتياح سيدوم والمطب القادم بات على الأبواب! أي مطب؟


مسيرة الأعلام

"مسيرة الاعلام" التي ستقام في أحياء وشوارع القدس القديمة، والحي المسلم فيها، فجميع نواب المركز يسار كغيرهم، بل أكثر لحساسية موقعهم وموقفهم، يعدّون الساعات بل الدقائق والثواني لانتهائها دون وقوع أحداث، تفوق قدرة تحمل جمهورهم السياسي، وبالتالي تستدعي منهم تحركات تليق بحجم ما سيحدث، وعندها هذا الارتياح سيتحول بين ليلة وضحاها لكابوس يؤرق استكمال انجازاتها، لكن عندئذ، على الأقل، ستعود وهناك فواتير مصروفة بيدها حاليا لا محالة.

انظروا هذا التصريح الاستباقي للنائب وليد طه مثلا:

"نحن جزء من الشعب الفلسطيني، نفرح لفرحه ونغضب لغضبه، وبالتالي نرفض هذه المسيرة المستفزة ونرى بها تصرفاً وضيعا، وتحركاتنا لا يمكن التنبؤ بها حاليا، فهي رهينة التطورات".

لهذا التصريح عدة تفسيرات أبرزها، هو مادة يمكن استخدامها كمبرر لأي خطوة، قد تتخذها الموحدة مجبرة أخاك لا بطلا، بحالة وحدث مكروه خلال المسيرة، ناهيك عن أنها تلاطف وتتماشى مع ما يُريد سماعه جمهورها.

بالمحصلة، وحتى اللحظة، يتمّكن الائتلاف والموحدة من تجاوز المطبات بسلاسة، وأقل خسائر من أزمة لأزمة، لكن تبقى أهم أزمة بالنسبة لهم الوقت والزمن وما يُخفيه القدر، لهذا جميع الكتل البرلمانية تعمل ضمن مساحة مناروة ما قبل الانتخابات، وتعمل بحذر، حذر شديد فلا تدري ما يخُفيه لها القدر!

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023