معهد بحوث الأمن القومي
راز تسميت
ترجمة حضارات
اشتدت الخلافات في الأسابيع الأخيرة، بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وخصومه السياسيين في المعسكر المحافظ، لم تعد انتقادات الرئيس مقتصرة على الدوائر التابعة للمعسكر البراغماتي الإصلاحي، وأنصار الرئيس السابق حسن روحاني، بل أصبحت تسمع أيضًا بين السياسيين والإعلام ورجال الدين المحافظين، يعكس هذا الانتقاد استياءً متزايداً من سلوك الرئيس، لا سيما في الأمور الاقتصادية، وفشله في تحسين الوضع الاقتصادي.
إلى جانب بعض المؤشرات الاقتصادية الإيجابية، بما في ذلك الارتفاع المستمر في صادرات النفط الإيراني وأسعار النفط، في أعقاب الحرب في أوكرانيا، والنمو الاقتصادي المعتدل، لا تزال إيران تواجه أزمة اقتصادية حادة تتجلى، من بين أمور أخرى، في 40 % التضخم والدين القومي المتضخم وعجز الميزانية، حيث انتقد عدد من السياسيين المحافظين مؤخرا سلوك الرئيس وحكومته.
وهكذا، على سبيل المثال، ادعى الناشط السياسي، أبو القاسم روفيان، في مقابلة مع الموقع الإخباري خابر أونلاين، أن حكومة رئيسي لا تملك الخبرة والمعرفة اللازمتين لإدارة شؤون الدولة، واتهم الرئيس بعدم الاستعداد للتعاون مع سياسيين ليسوا من بين مؤيديه الواضحين، والاعتماد فقط على "شباب ثوريين" عديمي الخبرة، مما ألحق أضرارًا جسيمة بالدولة.
كما هاجم عضو المجلس علام علي جعفر زاده، إيمان العبادي، السلوك الفاشل للحكومة؛ الذي قال: إنه "يتسبب في معاناة المواطنين"، وأشار إلى أن فهم الرئيس للشؤون الاقتصادية غير كاف، والحكومة تفتقر إلى سياسة اقتصادية واضحة، والمشقات المتفاقمة للمواطنين لا يمكن حلها بالشعارات.
استشهد الناشط السياسي المحافظ محمد محجري، بحكومة رئيسي، كواحدة من أضعف الحكومات في إيران منذ الثورة الإسلامية.
وقال: إن تجربة رئيسي كرئيس سابق للسلطة القضائية، لم تكن كافية لإدارة شؤون الدولة؛ وأن أعضاء المجلس ليس لديهم خيار، سوى الوقوف في وجه الحكومة والعمل كمعارضة.
وبحسبه، لن يتمكن رئيسي من النجاح في منصبه إلا إذا ضم موظفين حكوميين يتمتعون بالخبرة والمعرفة، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
الرئيس نفسه رفض الانتقادات الموجهة إليه، وهو مستمر في تحميل المسؤولية عن الوضع، على عاتق الإدارة السابقة، وقال رئيسي في لقاء مع رجال الدين (11 نيسان / أبريل): إن "الحكومة تحترم الجميع، لكن لا يمكن تعيين المسؤولين عن الوضع الراهن، الذي لا يقبله المواطنون في المناصب الإدارية".
في غضون ذلك، اندلعت في الأشهر الأخيرة خلافات بين الحكومة ومجلس النواب حول عدد من القضايا، من بينها اقتراح رئيس الجمهورية إلغاء سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية، والمخصص لاستيراد المواد الغذائية الأساسية والأدوية.
وبحسب منتقدي الاقتراح، فإن إلغاء سعر الصرف الرسمي، يمكن أن يؤدي إلى زيادة أخرى في أسعار المنتجات الأساسية، وتفاقم الضائقة بين الشرائح الضعيفة.
كما نشأت خلافات بين السلطات حول مشروع قانون لمجلس النواب، يقيد الوصول إلى الشبكات الاجتماعية ، يخشى منتقدوه، بمن فيهم الرئيس، من تأثيره على العديد من الشركات الإيرانية، التي توفر الوظائف وتعتمد على الوصول إلى الشبكات الاجتماعية الأجنبية.
يضاف إلى كل ذلك، ادعاءات أعضاء مجلس النواب بأن الحكومة لا تتصرف بشفافية، فيما يتعلق بالمحادثات النووية، وأن المفاوضين النوويين، لم يلتزموا بالخطوط الحمراء التي وضعها النظام.
على خلفية الخلافات المتزايدة بين الحكومة والمجلس، أفادت وسائل إعلام إيرانية عن مبادرة ناشئة في المجلس، لتعزيز إقالة عدد من الوزراء في حكومة الرئيس؛ بمن فيهم وزيرا العمل والرفاهية، ووزير الصناعة والتجارة.
كما انضمت إلى الانتقادات المتزايدة للرئيس من قبل وسائل الإعلام، بما في ذلك تلك التابعة للمعسكر المحافظ، التي حذرت من الأزمة الاقتصادية المستمرة، وتأثيرها على حياة المواطنين.
وانتقدت صحيفة "جوان" المقربة من "الحرس الثوري" (14 أبريل)، بيان الرئيس، وحملت من خلف الكواليس مسؤولية استمرار ارتفاع الأسعار، وفقًا للصحيفة، فإن شركاء رئيسي، الذين يشغلون مناصب إدارية مسؤولون أيضًا عن زيادة الأسعار.
علاوة على ذلك، حيث تعمل يد خفية من وراء الكواليس، فهذا يعني أن الحكومة لا تسيطر على اقتصاد البلاد، ودعت الصحيفة الرئيس إلى عدم إضاعة المزيد من الوقت، والوفاء بوعوده الانتخابية، الأمر الذي رفع التوقعات لدى الجمهور بتحسين الوضع.
كما انتقدت صحيفة "رسالات" المحافظة (13 أبريل) الرئيس، بسبب أزمة التضخم؛ ورأت الصحيفة أن الحكومة هي المسؤولة عن السياسة الاقتصادية، التي أدت إلى تسريع التضخم، وأنه بالرغم من الجهود الكثيرة التي بذلتها، إلا أن النتيجة المرجوة في التعامل مع الأزمة لم تتحقق بعد.
كما سُمع انتقاد ضمني لسلوك الرئيس من كبار رجال الدين، قال خطيب صلاة الجمعة في طهران، رجل الدين المتطرف أحمد خاتمي، في خطبة يوم 22 أبريل / نيسان: إن "الرئيس يجب أن يتصرف بشكل أكثر فاعلية لمكافحة ارتفاع الأسعار؛ لأن المواطنين غير قادرين على التخطيط لمستقبلهم؛ وقد يتسبب ذلك في اضطرابات".
على خلفية صراعات السلطة السياسية الداخلية، يواجه رئيس المجلس محمد بكر كاليباف، أيضًا تحديات قد تؤثر على وضعه السياسي.
في نهاية أبريل، كان كاليباف، في وسط عاصفة عامة وسياسية، بعد أن تم تسجيل زوجته وابنته وصهره على الكاميرا في مطار إسطنبول، وهم يحملون معدات ثقيلة للأطفال الرضع، مخصصة لحفيد كاليباف، الذي من المتوقع أن يكون ولد قريبا.
وانتشرت الوثائق على نطاق واسع ووجهت انتقادات لاذعة، تضمنت اتهامات بإسراف وتفاخر كاليباف وعائلته، ودعوات لاستقالته.
سارع إلياس، نجل كاليباف، في شرح ملابسات الحادث، في منشور نشره على حسابه على الإنستجرام.
وزعم أن والده اعترض على رحلة عائلته إلى تركيا، وأن الرحلة لم تكن تهدف على الإطلاق لشراء معدات أطفال، لكنه اعترف بأن سلوك أفراد أسرته، كان "خطأ لا يغتفر" واعتذر.
وعقب نشر القضية، ادعى أنصار كاليباف، أن توثيق أفراد عائلته في تركيا، قد تم تسريبه لأسباب سياسية من قبل خصومه من اليمين المتطرف، وأنصار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، لإزاحته من قيادة المجلس.
في فبراير 2022، تورط كاليباف، في قضية أخرى بعد إصدار شريط صوتي، وثق لقاءً بين القائد السابق للحرس الثوري محمد علي جعفري، ونائبه للبناء والاقتصاد.
وثق الشريط الاثنين، اللذين يناقشان تورط كاليباف المزعوم في الفساد، خلال فترة عمله كرئيس لبلدية طهران (2017-2005).
وفي أعقاب هذه القضية أيضًا، ادعى معاونو المجلس أن الشريط المسرب، كان مرتبطًا بصراع داخلي على السلطة السياسية في القيادة الإيرانية، وأن السلطات ولا يمكن للجمهور قبول أن مسؤولية الوضع الاقتصادي، تقع فقط على عاتق الحكومة أو المجلس.
في اجتماع مع ممثلي الحكومة، قال كاليباف: إنه "يجب على السلطتين التنفيذية والتشريعية العمل معًا، لحل مشاكل المواطنين".
الخلافات الداخلية هي سمة ثابتة ومستمرة للنظام السياسي الإيراني، واجه جميع الرؤساء الإيرانيين تحديات سياسية كبيرة، وتعرضوا أحيانًا لانتقادات حادة من مختلف مراكز السلطة، بما في ذلك مكتب المرشد الأعلى، والسلطة التشريعية، والقضاء، والحرس الثوري.
يوفر التوتر المتزايد بين الرئيس رئيسي وخصومه، في المعسكر المحافظ بعد أقل من عام على تشكيل حكومته دليلاً آخر، على أن المعسكر المحافظ ليس موحداً، وأن عودة السيطرة السياسية إلى المحافظين بعد الانتخابات البرلمانية (فبراير 2020)، والانتخابات الرئاسية (يونيو 2021)، لا تضمن التماسك.
إن تضييق النخبة السياسية من خلال قمع التيارات المتنافسة، من المؤسسات السياسية المنتخبة قد ضمن، باعتراف الجميع، هيمنة التيار المحافظ على جميع مؤسسات الحكم، لكنه لا يمنع الخلافات الداخلية بين المحافظين.
علاوة على ذلك، في أعقاب قمع الدوائر الإصلاحية البراغماتية، يجد المحافظون صعوبة في توجيه أصابع الاتهام، إلى خصومهم السياسيين التقليديين، وهذا يخلق احتمالًا لتفاقم صراعات السلطة داخل المعسكر المحافظ.
قد تتصاعد الخلافات الداخلية مع فشل الرئيس، في جهوده لحل المصاعب الاقتصادية والاجتماعية لمواطني بلاده.
وفي ظل غياب تحسن كبير في الوضع الاقتصادي، من المتوقع أن تتزايد الانتقادات لرئيس الجمهورية وحكومته، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، المقرر إجراؤها خلال نحو عامين.