تعددية أم خرق للانضباط وقرارات الكتلة .. مازن للبلدية!

فالح حبيب

محلل سياسي

بقلم: فالح حبيب


انتهى التصويت يوم الإثنين، على قانون "تجديد سريان مفعول أنظمة الطوارئ الجنائية خارج الخط الأخضر" بسقوطه، لتبدأ أزمة جديدة، هذه المرة، داخل الموحدة، إذ بدأت ضغوطات على قادتها والإسلامية، بخصوص تحركات النائب مازن غنايم، واتخاذه قرارات مستقلة، وبالتالي المطالبة بإنهاء الأزمة، أزمة تراكمية استقلالية نهجه وقراراته وخرقه للانضباط الكتلوي، وعدم الاكتفاء بادارتها.

في الأونة الأخيرة بمنطق الانضباط الحزبي والكتلوي، ما يراه المتابع هو أن النائب مازن غنايم، ومع الاحترام لاعتباراته ومواقفه وهناك احترام، يتمسك بمقعده وتمثليه كرهينة، تُطوع وتُوظف لخدمة اعتباراته السياسية المحلية، حتى وإن جاءت على حساب مصالح الموحدة ككتلة سياسية برلمانية، لها مصالحها المجتمعية والسياسية في السياقين العام والخاص بمنطقها.

هناك انطباع عام لدى جمهور الموحدة والجمهور بشكل عام، أنه يُنسّق مع المشتركة أكثر من الموحدة، وحقيقة لطالما كان موجودا في الموحدة، لكن قلبه في المشتركة وعلى وجه الخصوص العربية للتغيير، وبالتالي في بلدية سخنين، وكم كان يتمنى أن يكون في المشتركة، لأن ذلك أفضل له وأسلم لما يتماشى مع مصالحه من وجهة نظره، إذ لا داعي أن تكون حاذق البصر والبصيرة، كي تُدرك أن عمل النائب مازن غنايم، مؤخرا، يبدو كمن يسير بين النقاط والهدف، عدم توفير وتزويد مواد خام، وتوثيقات لمنافسيه محليا يهاجمونه من خلالها واعتبارات أخرى.

ما حصل يوم الإثنين الماضي، وبغض النظر عن الموقف المبدئي الذي أراد تسجيله لاعتباراته الخاصة، وبغض النظر عن محاولات تقزيم حجم الحدث، لا يمكن فهمه إلا تمردا، وبمعنى أدق، تصدعات وخلافات داخل الموحدة تعدّت مرحلة النقاشات الداخلية، وهذا في السياق السياسي العام، ومناوراته بدون أدنى شك، يُحرجها ويُضعف موقفها ويُظهرها كقائمة متخبطة وضعيفة، حالها كحال "يمينا" مع الأخذ بعين الاعتبار الفوارق الكبيرة والعميقة بين الجانبين، ودون وجه مقارنة.

لتبدو الموحدة تبحث عن السبل الأسلم كي تعود أكثر قوة، لهذا هناك من يرى أنه لا خيار آخر أمامها، إلى أن تُنهي أزمة مازن غنايم، بطريقة تُرضي وتفيد جميع الأطراف بعملية جراحية حساسة وحكمة، وليس مواصلة إدارتها.

ولسان حالها يقول: لا تكن صلبا فتكسر ويكون لديك "شيكلي جديد"، ولا تكن لينا فتعصر فيكون لديك "سليمان وغيداء" جديدتين.

إذاً ما الذي حصل؟ هناك من حاول الدفع باتجاه التوصل لشبه اتفاق مفهوم ضمنا، "اتفاق وفاق" يُرضي الطرفين ويخدم مصالحهما، اتفاق يُتيح لمازن، أن لا يقع دائما وفقا لمنطقه بمطب الحرج الجماهيري، الذي لا يتماشى وأهدافه السياسية المحلية، وبالمقابل الموحدة تواصل عملها بثبات دون خرق "الانضباط الكتلوي"، وبالتالي الانضباط الائتلافي الذي قد يُعرّض مصالح المجتمع العربي، وبالتالي مصالح الموحدة الفئوية السياسية للخطر من وجهة نظرها وبمنطقها، فالموحدة تُدرك أن فرم الانضباط الائتلافي حتما سيكون له ثمنا إذا استمر، وهي تُدرك أيضا أن عليها مواصلة تحقيق منجزات تُحسب لها، وتصب في "ثروتها السياسية" الجماهيرية بنهاية المطاف لماذا؟


الإنجازات تكاد لا تُذكر مقارنة بعدد الضربات!

جهات في الإسلامية والموحدة تهمس حاليا، لكن سرعان ما سيكون مسألة وقت حتى ربما تتحدث بصوت عالٍ، وتؤكد على فشل التجربة السياسية نظرا للتناقضات الكثيرة، هناك مَن بدأ يفهم أن الجمهور لا تهمه الميزانيات، أو بمعنى أدق، غير مكترث لها بقدر ما هو مكترث لمطبات الحرج وما يقف خلفها من قضايا مبدئية، نفس الجهات تُشير إلى أن ما حققته الموحدة نظرا لما تتلقاه من ضربات وحرج يكاد لا يذكر، ناهيك عن أنهم اعتقدوا أن العمل سيتمحور فقط في الجانب المدني، ناهيك أيضا عن كشف تراجع باستطلاعات الرأي الداخلية، وهذا المقلق بالنسبة لهم، لهذا الضغوطات الداخلية على جميع أشكالها، ستفرض النغمة والوتيرة وتدفع باتجاه تطبيق "اتفاق الوفاق"، المفهوم ضمنا غير المبرم.

ولكن، قادة الموحدة يحاولون تحييد هذه الضغوطات، وأن لا يسمحوا لها بالتأثير على طبيعة قراراتهم، ليُديروا الأزمة وإنهائها بحكمة وبعملية جراحية قد لا تكون معقدة، لكن تحتاج لدقة وحساسية مفرطة وحكمة، ليبدو هناك انقسام حول ترك مازن الموحدة، فأمس مثلا تحدث معي أحد كبار قادة الإسلامية والموحدة، وأكد لي بشكل واضح أنه سيعمل بكل قوة على عدم حدوث ذلك معللا أن البلاد، بالمفهوم المجازي، ذاهبة لانتخابات بعد يومين وخروج مازن، في هذا التوقيت سيحدث بلبلة وضعضعة وهزة لا مُبرر لها، وانسحاب مازن أو إقالته، بالتالي هو تصريح واضح صريح لفشل نهج الموحدة السياسي، بإشارة واضحة منه أن هذا الأمر سيخدم المنافسين، الذين حتما سيستغلون ذلك.

وقبل إنهاء كتابة هذا المقال بثواني معدودة، وصلني تصريح آخر من رئيس العربية الموحدة النائب منصور عباس، الذي يحاول من خلاله توضيح موقف الموحدة، لحسم الجدل واللغط القائم وقد جاء فيه:

"لم ولن أطلب من الأخ والزميل مازن غنايم، أن يستقيل من الكنيست، بدأنا الطريق معا وسويّا وسننهي الطريق معا وسويّا".

هذه الردود هي مؤشر أن الموضوع لم يُحسم بعد، داخل مؤسسات الحركة الإسلامية الجنوبية.


مازن للبلدية وحتى ذلك الحين، الموحدة تعمل باستقرار وثبات، دون خرق لقراراتها الكتلوية.

هناك مَن يُحاول من قبل جهات سياسية، وبالذات يهودية، استخدام مسميات مثل "فقدان سيطرة داخل الموحدة" إلخ، بشكل بات واضحا أنه يرمي لخدمة أجندات تهدف لإبراز ذلك، وتوظيفه لضرب الائتلاف من خلال إبراز هشاشته وضعفه، إذ لم يعد الضعف يقتصر على الائتلاف، بل بدأ يضرب بكل أركانه وكتله البرلمانية بما فيها الموحدة، ومع ذلك منذ متى كان النائب منصور عباس، يسعى إلى أن يُحكم قبضته ويتسلط بقراراته؟! هو ليس كذلك، وحتى إن أراد، لن يتمكن من ذلك لأن الإسلامية تحكمها مؤسسات، تعتمد باتخاذها للقرارات "الشورى" كآلية، وفقا لمبدأ الأغلبية وإن منحته الدعم دائما، وأتاحت له هامش مناورة كبير كونه رئيس القائمة، ومن حقه أن يكون له خط خاص فيه مغاير لسابقيه، ولكن بين هذا والانفراد بالقرار والتسلط، بون شاسع لا يمكن للموحدة وباقي قادتها، أن يقبلوا به ويتعايشوا معه.

ما يحدث ليس فقدان سيطرة، وإنما هو نتاج مساحة التعبير عن الرأي داخل الموحدة، النابعة من كونها حركة ديمقراطية، والتعبير عن الرأي، أي تعددية الرأي، هو ذاته الذي سيحسم القرار بخصوص النائب مازن غنايم بنهاية المطاف والأمر.


لا داعي للاستمرار والبقاء، باتت غيداء شوكة في الحلق.

هناك محاولات يضبطها التنسيق ويحكمها الوقت، تسعى لكسر النائبة غيداء ريناوي زعبي، للضغط عليها ودفعها لتقدم استقالتها، فكل التصريحات التي يُدلي بها الوزراء لبيد وهورفيتس وعيساوي فريج، هي نتاج تنسيق يهدف إلى أن ترى باب الخروج من الحياة السياسية، والدفع بها نحو الاستقالة، ولربما ستكون هناك حملات ممنهجة ضدها، في شبكات التواصل الاجتماعي وخارجه للضغط عليها، ولكن النائبة غيداء ريناوي زعبي، تعلم أن دورها انتهى في ميرتس ليس من الأن، بل منذ أن وضعت بنفسها الحد الرسمي والنهائي لهذا الارتباط، عندما استقالت من الائتلاف بشكل "مفاجئ" لهم، كما أنه لا يوجد لها "بيت سياسي" آخر، يمكنها الانتقال إليه ولا يوجد ما تخسره، فما الذي سيدفع بها لترك الكنيست والاستقالة، إلا إذا كان هناك ما هو أفضل لها.

ربما يمكنها الاستقالة من الائتلاف، أما الكنيست لماذا؟ لأن هورفيتس وغيره يريدونها أن تستقيل؟ لا أراها تُقدم على ذلك، بل ربما بسبب الضغط تبقى لهم "شوكة في حلوقهم" كما يرونها، لهذا كل التساؤلات التي تصلني حول إمكانية استقالتها من الكنيست، أرد عليها: الاستقالة ستكون لها مكلفة أكثر من بقائها، لهذا ستمتنع عن ذلك، أما إذا فكّرت بمنطق الائتلاف ومصلحة المجتمع العربي ربما تفعلها، ولا أراها تفعلها؛ فقط لأنهم يريدونها أن تفعلها بل بثمن.

أما عن الغضب داخل "يش عتيد"، فأكتفي بالقول أن لبيد، غاضب بالتحديد على النائبة غيداء ريناوي زعبي وعملها المستقل، ليس فقط لأنه أخذ "الوصاية عليها" والتنسيق معها، منذ تعثر العلاقات بينها وبين حزبها ونيتسان هورفيتس، بل لأنها محسوبة على معسكره؛ وربما بسببها وغيرها يخسر إمكانية توليه منصب رئاسة الحكومة الانتقالية، رغم أن مصادري الخاصة همست لي أنه لم يعد يكترث كثيرا لذلك.

يوم الثلاثاء، وفي تلفزيون "ديموقراط تي ڤي"، بعث رسالة واضحة لها ولغيرها، عندما أشار إلى أنه لا يمكن أن تكون في الائتلاف، وفي نفس الوقت خارجه، إما أن تكون فيه وبالتالي تلتزم بقراراته وإما أن تتركه.

هناك مَن يعتقد أن لبيد، يفتعل هذه الأزمة لإرضاء بينيت وأورباخ، ربما، لكن هي حقيقية ولسان حال لبيد لمقربيه: فاض بيّ ومليت.


حتى تتضح لكم الصورة أكثر بورصة استغلال موضوع الاستقالات تبدأ!

موضوع النائبة غيداء ريناوي زعبي، هو بمثابة بورصة استغلال، في ميرتس هناك موازين قوى يجب أن لا نغفلها وأكثر من تيار، تيار يُريد لها أن تستقيل أمس قبل اليوم والغد، كونه يتحمل مسؤولية حرجها وجلبها ويقوده الوزير هورفيتس، وتيار آخر مستفيد من بقائها لإحراج هورفيتس، تقف على رأسه الوزيرة زاندبرغ، ففي الوقت الذي فيه هناك ضغط عليها من تيار هورڤيتس للاستقالة، هناك مَن صمتا مستفيد من بقائها، ويعمل ويدفع بها للبقاء للنيل من هورڤتيس سياسيا، وبالتالي إحراجه وتحميله مسؤولية جلبها للحزب، ولسان حالهم يقول: هذا ما طبخته وجلبته سقي!

ناهيك عن وجود أطراف أخرى مستفيدة من بقائها ،وتعثر الائتلاف من خارج ميرتس، تضغط عليها أيضا ولها مصلحة ببقائها.

نفس الأمر ينطبق على النائب مازن غنايم، الذي في بداية الأزمة، أكد أن أمر استقالته بتعلق بقرار قادة الموحدة، وأنه لن يكون لديه أي مانع، لكن سرعان ما تراجع عن تصريحاته، إذ أكدت لي مصادري: النائب مازن غنايم لن يستقيل، موضوع استقالته غير وارد، وإذا أراد ذلك في وقت ما، هو مَن سيُحدد توقيتها وشكلها وجمهوره فقط.

هذه المعلومات بصراحة غير مفاجئة لي ولكثيرين، ولا أعتقد أنها جديدة، فتصريحات النائب مازن غنايم، كان فيها نوعا من التراجع عن ما ورد منذ يومين، من كونها مُسلّمة مُسالمة إلى أكثر حدة.

ودعونا كما أشرت لا ننسى؛ أن هناك أطراف مستفيدة من بقائه للكثير من الاعتبارات، ولكن إذا نظرنا "لنصف الكأس الملان" ربما يكون ويلعب مازن حلقة الوصل بين الموحدة والمشتركة، ويكون جسر التعاون بينها في الكثير من المحطات ونقاط الالتقاء، إذ هناك جهات أيضا من داخل المشتركة دفعت به هي الأخرى، للتمسك بمقعده وعدم تقديمه لاستقالته، فهو الآخر أيضا هناك أطراف مستفيدة من بقائه، لهذا تضغط عليه للبقاء؛ وإلا كيف يمكن تفسير تصريحاته التي يبدو فيها نوع من التراجع والحدية، مقارنة بتصريحاته الاولى في هذا الصدد. سياسة ولا داعي للعجب.

ليبقى موضوع استقالة مازن غنايم وغيداء، يشغل الائتلاف والشارع، وهناك من يرجو لهم عدم البقاء ويتمنى لهم التوفيق في أماكن أخرى، يخدمون شعبهم من خلالها.

وكل هذه التحركات تسقط سريعا، وتتحول لغير واقعية بحالة وأورباخ وشاكيد، أنهوا الصفقة مع الليكود، وحققوا حلم طفولتهم بالقضاء على أحلام الحكومة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023