سياسي تركي: لماذا تعارض أنقرة ضم الدول الإسكندنافية للناتو؟

نشر مدير البحوث في معهد أنقرة، الخبير السياسي التركي طه أوزهان، مقالا تناول فيه معارضة تركيا لانضمام السويد وفنلندا، إلى حلف الشمال الأطلسي الناتو.

وقال السياسي التركي السابق والباحث والأكاديمي الحالي، إن تجاهل الرفض التركي قد يفجر أزمة شاملة مع حلف الناتو، إذا لم يتم الرد على مخاوف أنقرة بشكل جاد.

وسبق لأوزهان أن شغل رئيسا للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، وهو يحمل درجة دكتوراه في السياسة والعلاقات الدولية.

وتاليا النص الكامل لمقاله كما ترجمته "عربي21":

خلال الشهور الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا، أدارت تركيا بعناية فائقة دورها في الأزمة عبر مختلف المناورات الجيوسياسية والدبلوماسية، ونتيجة لذلك، تمكنت حكومة أنقرة من موضعة نفسها كوسيط بين أوكرانيا وروسيا، متجنبة الضغوط المكثفة من قبل الجانبين الروسي والغربي، إلا أن تعقيدات برزت في شهر أيار/ مايو بعد أن عارضت تركيا توسيع حلف الناتو.

عندما تقدمت فنلندا والسويد بطلب الانضمام إلى الناتو، افترضت جميع الأطراف المعنية أن التصويت على العضوية سيكون مجرد إجراء روتيني، إلا أن كل ذلك تغير عندما عارضت تركيا مساعيهما، فسّرت تركيا تحركها المفاجئ من خلال الإشارة إلى ما زعمت، أنه دعم البلدان الاسكندنافية لحزب العمال الكردستاني (بي كا كا).

تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، جميعها تصنف رسمياً "بي كا كا" منظمة إرهابية؛ بسبب هجماتها القاتلة على المدنيين؛ ومع ذلك، لم يفتأ القادة الأتراك يتهمون البلدان الإسكندنافية، برعاية أعضاء من بي كا كا والسماح لهم بالنشاط.

رغم المخاطر الكبيرة، لن تسفر معارضة تركيا لتوسيع الناتو، إلا عن تقويض مصالحها الوطنية، ولكن فيما لو أدير الأمر بشكل جيد، فسوف توفر الأزمة فرصة لتعزيز الروابط بين أوروبا وتركيا، كما أن رد زعماء كل من السويد وفنلندا على مطالب أنقرة، بأن تحترم اهتماماتها الأمنية سوف يحدد مدى إمكانية إعادة ترتيب العلاقة الأوروبية التركية، والدفع نحو الأمام بالعمل المشترك.

يمكن لهذه المصالحة أن تترك أثراً إيجابياً على المناخ السياسي المحلي في تركيا، الذي قد يصبح أقل قومية وأقل عداءً لأوروبا، أما في الوقت الحالي، فيبدو أن عواصم بلدان الناتو وأنقرة جميعها تعتقد بأن المفاوضات واعدة.


التاريخ الطويل للحرب

بعث الغزو الروسي لأوكرانيا الحياة في أوروبا كوحدة جيوسياسية وفي الناتو، المنظمة العابرة للأطلسي، والتي أضيف لها أعضاء جدد ثمان مرات منذ تأسيسها، والتي ردت على الغزو الروسي بإطلاق إجراءات إضافة كل من السويد وفنلندا.

لم يأت هذا التوسع مفاجئاً إذا ما أخذنا بالاعتبار الخطر الروسي، الذي ما فتئ يهدد الجيران، وبينما ترى روسيا تهديداً في الناتو، تعتبر أيضاً كلا من البلدان المجاورة لها مصدر تهديد بغض النظر عن وضعها، سواء كانت عضوا في الناتو أم لم تكن.

من المفارقات أن روسيا، تمتعت بواحدة من أكثر الحقب في تاريخها، هدوءاً واستقرار خلال السبعين عاماً من وجود الناتو، ومع ذلك، فقد هاجمت روسيا جيراناً لها مثل جورجيا وأوكرانيا، وضمت إليها واحتلت مساحات من أراضيهم، ما دفع جيراناً آخرين محاذين لروسيا، إلى التفكير حول ما إذا كانوا في نهاية المطاف سيلقون المصير ذاته.

أحد الأسباب التي تذرعت بها روسيا بشكل دائم لغزو أوكرانيا، كان التوسع المحتمل للناتو بمحاذاة حدودها، تمتد حدود روسيا البرية على مدى ما يزيد على عشرين ألف كيلومترا، مشتركة مع أربعة عشر بلداً، خمسة منها فقط أعضاء في الناتو.

مضى ثمانية عشر عاماً منذ انضمام البلدان المجاورة لروسيا – أستونيا ولاتفيا – إلى الناتو، وفيما لو تمت عملية التوسيع الأخرى للناتو فإن الحدود الفنلندية، التي يبلغ طولها 1300 كيلومتر سوف تضاف إلى حدود روسيا مع الناتو، مع التذكير بأن لفنلندا تاريخا من الحرب مع روسيا.

أحدث غزو روسيا لأوكرانيا حالة من الهلع في البلدان الإسكندنافية؛ بسبب تاريخهم الطويل من الحرب مع روسيا، وهذا ما دفعهم إلى التقدم بطلبات انضمام إلى الناتو.


مخاوف أمنية

ينبغي أن ينظر إلى رد تركيا على طلب فنلندا والسويد الانضمام إلى الناتو، باعتباره جزءاً من خط زمني من الأحداث.

على الرغم من أن تركيا لديها نقص ديمقراطي ومشكلة قومية، لا بد مع ذلك من الإقرار بأن وضعها الأمني المتقلقل لم يزل مؤلماً، ويلحق أضراراً جمة بمجتمعها.

يزيد من التوترات بين تركيا وأوروبا ما لدى تركيا، من مخاوف حول نشاطات بي كا كا المتنامية في تلك البلدان، ينبغي على أوروبا التمييز بين انتقاداتها لمدى جودة الديمقراطية في تركيا، والنشاطات التي تدعم الإرهاب بشكل علني.

لم يعد هذا التمييز مهماً فقط في العلاقات الثنائية، بل لقد توسع ليشمل الناتو. وثانياً، يجب على أوروبا وتركيا أن تقررا أين تريان بعضهما البعض من الناحية الجيوسياسية؟. كان من الممكن الإجابة عن ذلك، بشكل أسهل بكثير خلال الفترة من 2002 إلى 2010، عندما كانت العلاقة بين الطرفين تقف على أرض أمتن وأصلب.

من وجهة نظر تركيا، لم يتم منح أهمية كافية لإجراءات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، لا من قبل بروكسيل ولا من قبل الولايات المتحدة كفاعل خارجي، وفي شهر مارس/ آذار، طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الاتحاد الأوروبي، إعادة إطلاق المفاوضات حول مسألة العضوية.

يمكن حتى القول إن عضوية تركيا، لم تزل أهم تحرك جيوسياسي وأمني بالنسبة للاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه، كعضو في الاتحاد الأوروبي كان يمكن لتركيا، أن تعزز من حماية الحدود الجيوسياسية للاتحاد الأوروبي في الجهة الجنوبية الشرقية، كما كان يمكن لها أن تساعد في ترسيخ الأدوار التي تناط بالاتحاد الأوروبي وبتركيا، لو أن هذا الأمر حصل خلال العقد الأول من هذا القرن، لربما لم يشهد العالم مثل هذا الحجم من التهديد الروسي للمنطقة منذ عام 2008.

وبالسياق ذاته، ما كانت تركيا لتحتاج إلى تطوير علاقتها مع روسيا، حتى تتمكن من إدارة الأخطار التي تتهددها في سوريا، فعلى الرغم من أن مصالحهما تكاد تكون متناقضة تماماً، في كل واحدة من النقاط الساخنة تقريباً من ليبيا إلى ناغورنو كاراباخ، ومن أوكرانيا إلى سوريا، انتهى الأمر بتركيا لأن تشتري منظومة صواريخ أس400 من روسيا، زاد ذلك من الأضرار التي لحقت بعلاقاتها مع الغرب، وأضعف ديمقراطيتها في الداخل، ولم يكن له أدنى تأثير على تبدل السياسات الروسية.


قيمة أنقرة الجيوسياسية

مع التوسيع الجاري للناتو، يمكن أن تتفجر أزمة شاملة فيما لو لم تتلق تركيا، رداً ذا معنى بشأن مخاوفها الأمنية.

بالنسبة للناتو، سوف يعني ذلك عدم القدرة على الرد على تهديدات روسيا ما بعد الحرب الباردة، بينما يعني بالنسبة لتركيا المخاطرة بآخر علاقاتها المجدية مع البلدان الغربية.

بينما تستمر تركيا في مواجهة العديد من المخاطر الإقليمية، آن للناتو وللاتحاد الأوروبي وللولايات المتحدة المبادرة بإطلاق حوار مع أنقرة، فلا مفر من عمل شيء إزاء وجود روسيا المستمر في سوريا وإزاء استفزازاتها المستمرة.

في الوقت ذاته، لم تزل واشنطن صامتة، تجاه تهديدات الحكومة اليونانية بعسكرة جزر بحر إيجة، بينما يصرح رئيس الوزراء كرياكوس ميتسوتاكيس بأن تركيا ليس لها مكان في قبرص، تحتاج تركيا لأن تعرف بأن الرئيس بايدن يسمع، وثمة حاجة إلى وجود تعاون أكبر بين الولايات المتحدة وتركيا، تتحمل تركيا بعض المسؤولية عن تدهور العلاقات، لكن أردوغان أعرب عن استعداده للحديث.

منذ غزو روسيا لأوكرانيا، تمكنت تركيا من موضعة نفسها في الأزمة العالمية الحالية، ولكنها تحتاج إلى ضمانات من الحلفاء بأن مخاوف البلد الأمنية سوف تعالج.

لطالما شكل موضعها الجيوسياسي مصاعب للبلد، وفي الوقت ذاته أتاح فرصاً للعب دور دبلوماسي حيوي، فما من شك في أن قدرة تركيا على تطوير علاقة مع روسيا، بالرغم من عضويتها في الناتو، أتاحت لها موقعاً فريداً من نوعه.

يظهر تحرك أنقرة الأخير بهدف معارضة توسيع الناتو، مخاطر التواجد في عين العاصفة بينما هي تتشكل، انتقل النقاش الآن إلى الحديث عن حل تركيا لمشاكلها مع الولايات المتحدة، إلا أن ذلك يزداد تعقيداً بسبب حقيقة أن حل مشكلة توسيع الناتو قد يترك تركيا، مكشوفة أمام التهديد الروسي.

لا ينبغي حصر أي فائدة تجنى من مسألة توسيع الناتو بالمكاسب المتواضعة، التي تحققها الحرب التي تشنها البلد ضد الإرهاب، وينبغي بدلا من ذلك أن تكون ذات أبعاد استراتيجية، قد يشتمل ذلك على مبيعات طائرات مقاتلة من طراز إف 16، والعودة إلى برنامج تصنيع طائرات إف 35، ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على تركيا، فيما لو تم الوفاء بهذه الشروط، ستكون تركيا قد حققت نصراً دبلوماسياً مؤزراً، وكانت إدارة بايدن قد أشارت مؤخراً إلى استعدادها للمضي قدماً، في إبرام صفقة سلاح جديدة مع تركيا.

ولكن، هناك مخاطر تتجاوز الإشكالات، التي تشوب حالياً العلاقة مع الناتو، وقد يصل ذلك إلى مرحلة يصبح عندها وضع تركيا، داخل الناتو عرضة للتهديد.

من المحتمل أن تستمر مشكلة روسيا وتمتد إلى المستقبل القريب، ويجب على أنقرة الحفاظ على موقعها داخل الناتو، من أجل حماية مصالحها الأمنية.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023