بقلم/ إبراهيم أبراش
إعلان الإدارة الأمريكية عن زيارة الرئيس بايدن، لمنطقة الشرق الأوسط في يونيو ثم تأجيلها إلى يوليو القادم، ثم حديث عن احتمالات تأجيلها مجدداً، هذه الزيارة أثارت كثيراً من القلق والتساؤلات حول هدف الزيارة، بل وجدواها في ظل أوضاع أمريكية داخلية غير مريحة، وخصوصاً الوضع الاقتصادي المترتب على حرب أوكرانيا، وتدني شعبية بايدن حسب آخر استطلاعات الرأي العام، وفي ظل حالة الإرباك التي تشهدها الساحة السياسية الداخلية لـ "إسرائيل"، واحتمالات عودة نتنياهو ،غير المُحبب من الرئيس بايدن، لرئاسة حكومة جديدة ، أيضاً تخوفات دول الشرق الأوسط وخصوصاً العربية من هذه الزيارة، حيث ما زالت زيارة ترامب في مايو 2017، حاضرة في أذهان كثير من القادة العرب، الذين أحرجتهم الزيارة وما صاحبها من ابتزاز مالي وسياسي وتحقير، ليس للقادة فقط بل وللعرب جميعاً.
قبل بايدن زار ثمانية رؤساء أمريكيين المنطقة، وبعضهم أكثر من مرة والثابت في كل هذه الزيارات، هو تأكيد كل الرؤساء على عمق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وكانت كل زيارة تتوج بمزيد من صفقات السلاح والدعم المالي لـ "إسرائيل"، وبعض الرؤساء مثل كارتر وكلنتون وأوباما وترامب، كانوا يحملون مشروعات تسوية سياسية لمشكلة الشرق الأوسط، وفي جوهرها القضية الفلسطينية، وهي مشروعات كان الهدف منها إدارة الصراع، وتسكين الوضع السياسي في المنطقة، وحماية الكيان الصهيوني، دون نية حقيقية لإنهاء الصراع، بما يحقق للفلسطينيين الحد الأدنى من مطالبهم السياسية، على أساس حل الدولتين.
في اعتقادنا أن العربية السعودية ومصر والأردن، أكثر قلقاً من هذه الزيارة من غيرهم، وجولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لدول المنطقة لها علاقة بزيارة بايدن، حيث يسعى بن سلمان لتجنب ما جرى في زيارة ترامب، ويريد التوصل لتفاهمات وحد أدنى من وحدة الموقف، في مواجهة ما سيكون في جعبة بايدن، من مخططات باتت شبه معروفة، وأهمها تنشيط وتفعيل حلف (الاتفاقات الإبراهيمية)، وإخراج دول المنطقة من حالة الحياد، لتصطف إلى جانب المعسكر الغربي في مواجهة روسيا، وتوظيف فزاعة الخطر الإيراني على دول المنطقة، لابتزاز دول الخليج مجدداً.
أما القضية الفلسطينية فلن تكون على سلم اهتمامات الرئيس بايدن؛ ولكن كنوع من رفع العتب والمخادعة، وفي حالة لقاء بايدن مع الرئيس أبو مازن، سيجري حديث مبهم عن حل الدولتين وفتح القنصلية الأمريكية في القدس، وتقديم بعض الإغراءات المالية، وباستثناء المساعدات المالية، التي هدفها الحفاظ على استمرار عمل السلطة والحيلولة دون انهيارها، فإن الوعود الأخرى ستتبخر مباشرة بعد انتهاء الزيارة، لأن الرئيس بايدن ضعيف؛ ولا يستطيع إغضاب "إسرائيل" واللوبي اليهودي في أمريكا، والانتخابات النصفية على الأبواب، ولأن هناك من وجهة النظر الأمريكية ملفات أخرى أكثر أهمية من الملف الفلسطيني، بالإضافة إلى غياب أي تهديدات أو ضغوط فلسطينية أو عربية أو دولية، تدفع الإدارة الأمريكية للاهتمام بالقضية الفلسطينية.
من الواضح أن القيادة الفلسطينية هي الجهة الوحيدة، التي رحبت بزيارة بايدن، والسبب في ذلك أن القيادة الفلسطينية تريد أية مبادرة أمريكية، ولو كانت مجرد تصريحات ووعود، حتى تبقي الأمل بتسوية سياسية، حيث رهنت القيادة الفلسطينية نفسها بهذه التسوية وبحل الدولتين، كما أن القيادة ومنذ توقف المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين عام 2010، ثم إعلان الرئيس أبو مازن، بعد أن طرح ترامب صفقة القرن ونقل السفارة الأمريكية للقدس، أنه يرفض أن تكون أمريكا الراعي الوحيد لعملية السلام، منذ ذلك التاريخ والاستيطان يتعاظم، والوضع الداخلي الفلسطيني يزداد تدهوراً، والوضع العربي ينحو نحو مزيد من التطبيع مع "إسرائيل"، كما لم يتقدم أي طرف دولي ليحل محل أمريكا، في تفعيل عملية التسوية السياسية، هذا بالإضافة إلى انشغال العالم بحرب أوكرانيا وتداعياتها، وهو الأمر الذي قد يدفع "إسرائيل" لاتخاذ خطوات غير مسبوقة، لتصفية القضية الفلسطينية دون أن يهتم العالم بما يجري؛ وقد شاهد العالم وخصوصاً العربي والإسلامي، مسيرة الأعلام واقتحامات الأقصى دون أن يحرك ساكناً.
قد لا يكون الرئيس بايدن خلال زيارته للمنطقة، في وقاحة ترامب في تعامله مع الزعماء العرب، ولكن على الفلسطينيين والعرب الخوف والحذر، لأن بايدن قد يتصرف كالأسد الجريح؛ ويجر المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه، للتغطية على ضعفه داخل بلاده.