بعيدًا عن المثالية- ستفوق الحسابات الكمية تلك الجودوية في الجبهة والأحزاب العربية

فالح حبيب

محلل سياسي


مكان

الكاتب فالح حبيب


بعيدًا عن المثالية المفرطة حتى الثمالة واعتباراتها الكثيرة، هذه المرة الأحزاب العربية سواءً بقائمتين، المشتركة بمركباتها الثلاثة حتى لو على مضض، أو بثلاث قوائم، سيلعب "الايچو الحزبي" دورًا كبيرًا فيها وكل حزب سيسعى للحصول على كل صوت من دائرة مَن قرّروا وسيقرّرون التصويت حتى الانتخابات، "حرب ضروس" على كل صوت سيكون، خاصة بين الجبهة والموحدة لتُثبت كل قائمة منها مَن هي القوة الأكبر سياسيًا على الساحة في المجتمع العربي.

ولأن الحسابات ستكون كمية تفوق نوعا ما الجودوية ستُهمل حسابات واعتبارات كثيرة اعتدنا عليها حاولت الأحزاب ترسيخها على مدار الأعوام السابقة ولن تكون في رأس سلم الاعتبارات في هذه الانتخابات، فمثلا ربما لن نجد تمثيل نسائي في جميع القوائم بمكان واقعي ومضمون، والحديث عن التمثيل النسائي حتما سيكون ما بعد المقعد الرابع، وبالحال الأمثل من الثالث وطالع!

في الجبهة، كغيرها، حساباتها ستفوق هذه المرة "الجغرافيا" و "الشرائح المجتمعية"، وبالذات إذا ذهبت مستقلة، لن تراهن حتى وإن كانت انتخاباتها الداخلية "ديمقراطية"، سيكون هناك توجيه ونعلم بالضبط ما يجري بشكل عام في الانتخابات الداخلية للأحزاب، روح القائد تبقى موجودة عالقة في الاذهان، لن تراهن وتقامر على شخصيات حضورها الجماهيري قليل على الأقل مقارنة بالموجودين بخصوص الرئاسة والمقعد الأول.  

لهذا ربما يكون مثلا هناك إطاحة بالنائبة المخضرمة عايدة توما أو الدفع بها هذه المرة ليس إلى الأمام كما جرت العادة بل إلى الخلف، خاصة وهناك من داخل الحزب مَن يحملها مسؤولية نفور شرائح مجتمعية كثيرة محافظة وأصوات كثيرة من المحافظين والتقليديين، وهؤلاء لهم وزنهم الكمي في المجتمع العربي، ولا أريد أن أُتهم بالمبالغة إذا قلت هم السّواد الأعظم.

يوسف جبارين كل يوم يمر دون حسمه لموقفه مخسر له ويُعتبر تفويت لتوقيت نقطة الانطلاق والزخم!

في ظل التوجه الكمي المتبلور لدى الأحزاب الكبيرة، انتخابات الجبهة هذه المرة سيكون لها اعتبارات خاصة، وستشهد ربما كسر لقواعد نمطية اعتدنا عليها، وبالتالي سيكون لها انعكاسات مباشرة على أنماط التصويت التقليدية التي ترسّخت في الجبهة.  

الجميع، أو بمعنى أدق الغالبية، يدركون أهمية وضرورة وجود النائب السابق بروفيسور يوسف جبارين في مكان متقدم في القائمة، ليس فقط لمهنيته وكونه برلماني مهني مع تجربة مثبتة جديرة بالاحترام وللأبعاد الجغرافية، بل الكمية نظرا لمخاطبته بالمعنى المجازي أوساط محافظة كثيرة في المجتمع، وبالتالي الحفاظ على 'البيت" وقوة الجبهة في الشارع.

وليس صدفة كتبت قبل نحو أسبوع تقريبا في أحد المقالات أن كلمة سر الانتخابات الداخلية في الجبهة سيكون يوسف جبارين نظرا للانعكاسات المترتبة على ترشحه داخليا وخارجيا وسأوضح هذه المرة وأعطيكم عينة لمثل هذا الانعكاس:

بروفيسور يوسف جبارين حتى اللحظة لم يحسم أمره وأتفهم دواعي انتظاره نضوج بعض التحركات الداخلية واختمار عملية جس النبض ومَن مع مَن ومَن ضد مَن والهواجس التي تُداهم كل مرشح محتمل قبيل كل انتخابات داخلية، وهي مشروعة ومفهومة، مثل: هل هناك مَن يريد أن يُضحي بي والزج بي ضمن صراعات موازين القوى، وبالتالي استخدامي كأداة الخ؟! ولا بد أنه يعلم، خاصة وهو سياسي لديه ما يكفي من تجربة لفهم ذلك، أن منافسة رئيس حالي وموجود في رأس القائمة، وليس فقط، بل في رأس المشتركة كالنائب أيمن عودة وما حظي به من أضواء أيضا ليس بالأمر الهين، فإنصافا النائب أيمن عودة قيادي ميداني نشيط وليس "قيادي صالونات"، يوميا وبصمت يجوب البلاد من شمالها إلى جنوبها ويحتك بكوادر الجبهة ومؤسساتها الحزبية بشكل يومي دون انقطاع، ناهيك عن تمكنه من تكوين أغلبية له طيلة فترة ولايته في الكثير من الأماكن منها مجلس السكرتارية وفي كل فرع تقريبا، وتمكنه من تعزيز حضوره الجماهيري في الوعي داخليا وخارجيا.

لهذا أتفهّم تردد/ترقب، وهناك من يرى به "تخبط"، بروفيسور يوسف جبارين وعدم الإعلان عن منافسته على المقعد الأول، لكن ملاحظة لا بد منها، وعلى الرغم من أن الانتظار في السياسة حتى ساعة الصفر في حالات كثيرة خادم ومفيد، إلا في حالته.  

فبوجود رئيس للحزب مثل النائب أيمن عودة، كل يوم بعد الإعلان الرسمي عن موعد الانتخابات الذي لا يُعلن فيه عن المنافسة سيُحسب ضده وليس له وسيُعمّق "تخلفه" الزمني عن بدء الاحتكاك بناس الجبهة ويُفوّت عليه نقطة توقيت الانطلاقة القوية والزخم، فإما أن تكون في رأس الموجة وتعتلي شرارة الثورة الأولى وتوجهها، وإما سيفقد ناسها الثقة بك.


لهذا ربما يقوده ذلك إلى التفكير بالترشح على المقعد الثاني أو الثالث، الأمر الذي سيزيد من تمسك الجبهة بطرحها الحالي بخصوص المشتركة، تركيبة 4/6 (الحصول على 4 مقاعد من المقاعد الستة الأولى) والتعنت على معادلة "هذا الموجود" أمام التجمع والتغيير لضمان إدخاله للكنيست.

اختيار جبارين سيؤثر على تحركات الموحدة بخصوص مرشحيها "المستقلين"!..

لن يؤثر اختيار يوسف جبارين على شكل المشتركة النهائي بحالة وتشكّلت فحسب، بل بالمقابل لا بد، وبالمنطق السياسي، أن يؤثر اختيار بروفيسور جبارين على تحركات القائمة الموحدة بخصوص قائمة مرشحيها "المستقلين"، خاصة وهي تسعى أن تكون قائمتها شعبية أي مفتوحة لتضم أوسع شرائح من المجتمع.  

تأثير وجود يوسف جبارين سيُساهم بتعزيز اعتبارات ضرورة إيجاد مرشح جدير من منطقة المثلث الشمالي و "محافظ" ليكون ندًا قويًا هناك، هناك اسم يتم تداوله ويتردد في الغرف المغلقة ويُهمس باسمه صمتًا هنا وهناك رغم أن الأطراف جميعها لا تتحدث عن ذلك بشكل رسمي وعلني ولا يوجد شيء مطبوخ حاليًا بشكل رسمي، وجود مثلا المهندس تيسير سليمان إغبارية الحاصل على اللقب الأول في موضوع "الهندسة الميكانيكية" ولقب ثاني في فض النزاعات وعمل ويعمل في سلك التربية والتعليم كمدير لمدرسة وكان مرشحًا لبلدية أم الفحم، بالمنطق السياسي، سيكون أحد أبرز الأسماء التي ربما الموحدة تحاول استقطابها كدعم من الخارج لتُشكّل "جبهة" في منطقة أم الفحم ووادي عارة أمام الجبهة ويوسف جبارين، ولِما لا؟ وهو قريب جدا من "الدي أن ايه" الخاص بالإسلامية الجنوبية والموحدة، وبعد صدمة النائب مازن غنيام لن تتعاون الموحدة مع أي شخص لا يقبل نهجها السياسي الحالي، لهذا ربما ترجح كفة المهندس تيسير إغبارية في بورصة الأسماء المطروحة والمتداولة.


(مرة أخرى لا يوجد شيء رسمي وإنما كل ما أذكره هو تحليل بالمنطق السياسي).


أما محاولات الدفع برئيس مجلس كفر ياسيف المحامي شادي شويري من قبل جهات داخل الجبهة للترشح على المقعد الثاني ومحاولات إقناعه، فلها حساباتها ليس بالضرورة المتعلقة بتركيبة الشرائح المجتمعية كما يعتقد البعض، وبالتحديد على المقعد الثاني (اسمحوا لي، لا أُفضل استخدام "الطائفية")، بل حسابات داخلية وتعزيز تيارات مقابل تيارات أخرى ضمن موازين القوى الداخلية، وهناك مَن يريد ضرب أكثر من عصفور بحجر واللبيب من الاشارة يفهم!.

أما النائب عوفر كاسيف فلربما إذا تم اختياره ضمن القائمة أن يكون في موقع متأخر نظرا للنقد الذي ليس بالضرورة صحيحا، لكنه موجودًا داخل أوساط في الجبهة التي وصفته بنهجه "ممثلا أكثر لأبناء البلد وليس الجبهة" ولا يأتي بأصوات كثيرة من الشارع اليهودي، ولكن لا تتفاجؤوا، لِما سيحصل في ميرتس سيكون له انعكاس غير مباشر على حسابات موقعه أو أي مرشح أو مرشحة يهودي ويهودية، فتخبط ميرتس ومحاولات الاستنجاد بزهافا جلؤون للعودة إلى زعامة الحزب، وهناك مصادر مقربة منها كانت قد أكدت لي أنها لن تسارع باتخاذ قرارها حاليًا وعلى الأقل لن يكون لديها قرارا مختمرا وناضجا قبل السبت، عدم عودتها سيكون فرج للمشتركة وغيرها لحسابات كثيرة لست بصدد التعمق فيها حاليا. "أصوات اليسار" ستبحث عن بديل.


المنافسة ستكون شرسة


على كل، أتفهم حاجة كل حزب من أخذ تركيبة المجتمع وشرائحه والجغرافيا بالحسبان وعين الاعتبار لضمان أوسع تأييد، وبالتالي تمثيل رغم أن توزيع المقاعد يجب أن يكون بناءً على تعبك وجهدك وماذا قدمت ومَن أنت وليس مِن أين أنت! ولكن هذا هو الحال عندما قبلت على نفسها الأحزاب أن تلعب هذه اللعبة وشرّعتها عند تركيب المشتركة الأساسية.

ما هو مؤكد أن لقائمة الجبهة النهائية سيكون انعكاسات مباشرة على تركيبة المشتركة ولا بد أنها ستؤخذ بعين الاعتبار أيضا من قبل منافسيهم في الموحدة في وقت ستكون هذه المرة الانتخابات فيه شرسة وشرسة جدا "تحت الحزام" وفقًا للمؤشرات، والحسابات الكمية تفوق الاعتبارات الجودوية.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023