الأسير الكاتب/
إسلام حسن مرعي
28/7/2022م
لطالما كان للشركات والمؤسسات شعارًا يمثل جوهرها ليختصر على الجمهور كثير شرح ونقاش مضمون تلك الشركات بأبسط العبارات، في الحالة الفلسطينية تعتبر السلطة الوليدة بغرابتها، والناتجة عن سفاح بين المحتل والضحية إثر اتفاق أوسلو بين المنظمة والكيان الصهيوني من أبرز مظاهر خدمة العبد للسيد، ويأتي ذلك في إطار علاقة تبعية ما بين صاحب رأس المال "وهو هنا الاحتلال الصهيوني" المتحكم والمشغل لشركته الخاصة "أي سلطة أوسلو"، وبين المنتمين لتلك السلطة من موظفين وعناصر، وبذلك تبدو السلطة نفسها كوريث للاحتلال الصهيوني ومؤسساته العاملة في مناطق سيطرته السابقة، في حدود ما سمح لها وعلى امتداد بقايا الجغرافيا الفلسطينية في الضفة الغربية "وقطاع غزة قبل الحسم العسكري 2007م" تحت شعارات ترويجية عدة على رأسها أنها الممثل السياسي الشرعي والوطني الوحيد لكل الفلسطينيين الذين يتواجدون تحت سيطرتها، إلا أنه قد يكون صعود هذه الشركة الجديدة عند إنشائها في تسعينيات القرن الماضي شعبيًّا مرده وجود سلطة تتحدث اللغة العربية بالنيابة عن سابقتها التي تتحدث اللغة العبرية.
لكن ومع سنوات من الممارسة الاحتلالية بثوب جديد على يد السلطة الوليدة، كُشف الغطاء الذي ظلل العقل الفلسطيني على عدم مصداقية الشعارات المرفوعة، وأنها بلا رصيد، ليظهر للعلن ما كان مغلفًا سابقًا بشعارات وطنية وهمية، عدة مسلكيات وهي ليست بثورية، من أهمها الاعتقال السياسي للمقاومين والنشطاء الفلسطينيين من جميع الفصائل دون استثناء تحت مظلة التنسيق الأمني المقدس -عند أصحابه طبعًا-.
أعيش هذه الأيام الذكرى السنوية السابعة لإنهاء تلك السلطة اعتقالي السياسي الظالم الذي امتد لقرابة الخمس سنوات، بعد إضرابٍ عن الطعام ناهز المائة يوم، ذلك الاعتقال الذي بدأ منذ حصار قوات الأمن الوطني وعناصر من جهاز مخابرات ماجد فرج لبيتي في شهر 10/ 2010م، إثر موجة عمليات بطولية قامت بها كتائب القسام تحت مسمى عمليات "سيل النار ضد الصهاينة الغاصبين"، هذا ولم يكن غريبًا على عائلتي الاعتقال السياسي، فلقد اعتقل من قبل عمي الشيخ المجاهد إبراهيم حامد، وأبناء عمومتي، وكان أخي خليل قبلي بعدة أشهر في نفس الزنازين لدى جهاز المخابرات التي ستستضيفني لعدة أشهرٍ في جولة تحقيق قاسية، ويتبع ذلك نقلي لعدة سجون، أقساها سجن أريحا المعروف بـ "المسلخ"، وسجن جنيد الموروث من حقبة الاحتلال الصهيوني المباشر، لأُمضي سنواتٍ طويلة مؤلمة حفرت الوجع في ذاكرتي إلى الأبد، ليتم اعتقالي لاحقًا عند الاحتلال الصهيوني ضمن معادلة الباب الدوار على نفس القضية والتهم الموجهة لي عند سلطة رام الله.
وهنا الحديث يطول، لكني أضيف بعجالة على بعض النقاط حول الاعتقال السياسي:
أولًا:
في حين كان اعتقالي بالكامل على خلفية مقاومة الاحتلال الصهيوني، تم تقديم لائحة اتهام بحقي "منشورة على الشبكة العنكبوتية" من قبل القضاء العسكري خلال أقل من خمس جلسات قضائية في المحكمة العسكرية الخاصة التي أنشأها محمود عباس، وتم إصدار الحكم بحقي بثلاث سنوات اعتقال، وأضيف لاحقًا سنتين اعتقال احترازي على ذمة محمود عباس.
ونرى اليوم "بخلاف ما حصل معي سابقًا" المجرمون الذين قتلوا الأخ الحبيب الشهيد نزار بنات يقضون الأشهر القليلة برفاهية خاصة، ويتم إطلاق سراحهم للأسباب المعروفة للجميع، وهنا أقول وللأسف أن استهداف العدو الصهيوني يقتضي التحقيق والضرب والتعذيب ومن ثم المكوث سنوات طويلة في الأسر حكمًا وعقابًا عند سلطة رام الله، في حين قتلة أبناء الشعب الفلسطيني يفرج عنهم دون أي ضمير ووازع وطني أو ذرة خجل.
ثانيًا:
ضمن التعريف بالسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية في نشراتها الرسمية، فهي يجب أن تعمل على حماية المواطن الفلسطيني من كل المخاطر، لكن يتبين أن السلطة تلك وأجهزتها تشكل أهم وأول المخاطر على المواطن الفلسطيني من خلال قتله وتعذيبه كما حصل مع الشهيد نزار بنات، أو اعتقال المقاومين لسنوات طويلة ومن ثم تحويلهم لسنوات أطول في سجون الاحتلال الصهيوني، وهذا في سبيل حماية الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه وعدم الإضرار بمشروعهم الاستعماري.
ثالثًا:
اعتقالي الطويل لخمس سنوات أعطاني القدرة على فهم سلوك عناصر الأجهزة الأمنية من خلال التجربة والمشاهدة، وفيه حديث يطول، لكن أقدم هنا أهم عناصر ضعف تلك الأجهزة:
1. الخوف من الامتداد العائلي والعشائري، وعليه على المعتقل السياسي وأهله مواجهة أبناء الأجهزة داخل عائلة المعتقل السياسي، والضغط عليهم من خلال نبذهم من العائلة والمجتمع.
2. الضغط الإعلامي بأنواعه -ومنه الدولي- يشكل حرجًا واسعًا لهذه السلطة وأجهزتها.
3. الإضراب عن الطعام والفعاليات المرافقة له من اعتصامات ومظاهرات.
4. التوجه للسفارات الأجنبية في المناطق وتقديم رسائل باسم المعتقل السياسي لدول تلك السفارات.
5. التوجه لجميع مؤسسات حقوق الإنسان التي لها دور مهم جدًا في إبراز مظلومية الشعب الفلسطيني عند هذه السلطة وأجهزتها.
وأخيرًا، إن دعم الأهل وعموم الشعب الفلسطيني من فصائل ومؤسسات أهلية وغيرها للمعتقل السياسي، يساهم بشكل جذري بتقصير مدة معاناته في الاعتقال الظالم والغير قانوني، والأهم من كل ما سابق هو عدم الوقوع في الأسر لدى تلك السلطة وأجهزتها الأمنية.
الفرج لكل المعتقلين السياسيين
الرحمة لروح الشهيد نزار بنات