معركة وحدة الساحات ... قراءة نقدية

إسلام حامد

باحث وأسير فلسطيني

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة الأولى للشهداء الأكرم منَّا جميعًا، الرحمة والخلود لتلك الشموس المنيرة، العبرة في الانتصار وليس الحرب ذاتها.

بعد سنوات من المواجهة المفتوحة بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني وكثير من التجارب والممارسات القتالية واستجلاب تجارب الثورات العالمية المعاصرة، تقدم الشعب الفلسطيني وفصائله الوطنية والإسلامية في مقاومته، وأصبح صانعًا للصمود الأسطوري المقاوم من خلال أقلية متمسكة بسلاحها وحقها في الوجود على هذه الأرض أمام الأغلبية القاهرة ذات القوة النووية وجيشها الجرار المستعمر لبلادنا فلسطين.

التقدم الملحوظ في السلوك المقاوم الفلسطيني من إلقاءٍ للحجارة، وصولًا إلى إطلاق الصواريخ، رافقه تطور نوعي في ممارسة التكتيك وصياغة الاستراتيجيات، مما أعطاه الأفضلية في حرب المستضعفين التي يخوضها ضد العدو الصهيوني.

وكان من أبرز النماذج التي قدمتها المقاومة الفلسطينية من ضبط الفعاليات الميدانية وربطها بأبعاد استراتيجية وتكتيكية مرحلية، كان في معركة سيف القدس آيار 2021م، لترسم المقاومة الفلسطينية مشهدًا جديدًا أمام العدو الصهيوني، وتحديات لا يمكن تجاوزها وإغفالها، من ضمنها دخول الامتداد الشعبي الفلسطيني في كل قطاعاته بالمواجهة المفتوحة مع العدو الصهيوني، هذا التحريك المهم جدًّا كان ثمرة للخطاب الموجه بأبعاد محددة تم تبنيه من قبل فصائل المقاومة وقدمته للجمهور الفلسطيني الذي عمل بمقتضاه.

النجاح في تقديم ذلك الخطاب كان مرهونًا بوحدة الفصائل المقاومة في الغرفة المشتركة ووحدة الهدف والمصير، هذا المركب أعطى الفصائل الفلسطينية المقاومة أفضلية لا بأس بها أمام التقدم العسكري والتكنولوجي الصهيوني والآلة الأمنية الطاغية.

ما سبق ولفرادته اعتبر فرادة كبيرة في مشروع التحرر الفلسطيني وعلامة فارقة فيه، ليتم تبنيه كاستراتيجية وطنية جامعة يجب عدم الخروج عليها، هذا وفي إسقاطات ما سبق على الجولة الأخيرة "الفجر الصادق صهيونيًّا" و"معركة وحدة الساحات فلسطينيًّا"، يتبين لنا أن ما تم بناؤه على مدى السنوات الماضية والذي توج في معركة سيف القدس بالانتصار ذهب أدراج الرياح إلى حدٍّ كبير، وتم تجاوزه باجتهادات مجتزأة وردات فعل مورست من قبل ولم تحقق المرجو منها.

وعليه، إن استئناف ما لم يحقق الهدف من مقصده يبدو زيادة في التأكيد على أن ذلك ما هو إلا مسار عبثي يجب عدم الوقوع فيه مجددًا، إن ذلك المسار العبثي المعنون بـ "ردَّات الفعل" هو سلسلة طويلة ضمن برامج الفشل التي وقع فيها الشعب الفلسطيني ومقاومته بشكل متكرر، كونها "أي ردَّات الفعل" قد أوجدت أزمات في المشروع الفلسطيني التحرري أكثر مما قدمت من إنجازات يمكن أن يتم البناء عليها.

وفي إرباك للصورة أكثر، يدخل أصحاب تلك الممارسات في دوامة الاتهام والنقد، باعتبار أن المشهد الذي تم بناؤه في سيف القدس لم يكن قناعات مؤصلة في عقول أصحاب ردات الفعل، لذلك إن ما تم تأصيله في سيف القدس من استراتيجيات مهمة يجب أن تعتبر دائمًا مفتاح العمل الذي يمكن لها أن تنتج استئنافًا للإنجاز الاستراتيجي الحاصل في سيف القدس.

كما أن الجولة الأخيرة أوقعت المسار المقاوم في حالة من التخبط والضعف وهدر الوقت وأدوات القوة لحساب استراتيجية العدو التي يجب الحذر من الوقوع فيها، وهي أداة استنزاف تحت عنوان "المعركة بين الحروب" التي تعمل على خلخلة الإعداد وإنهاك المقاومة وزعزعة الصفوف من خلال استهداف القيادات والعناصر والإمكانيات الحربية.

ومن خلال النتاجات الأخيرة يجب الوقوف والبحث بشكل حقيقي في كمين الأزمة التي وقعت فيه بعض فصائل المقاومة الفلسطينية في حين كان يمكن تجاوزها ومعالجة الحدث بأدوات وإمكانيات أكثر حكمة وموضوعية حتى لا يتم الوقوع بما حصل مؤخرًا من خسائر بشرية ومادية كبيرة في معركة كان المفترض عدم خوضها والانجرار إليها.

وحتى لا نغرق في التفاصيل، فإن الأساس الذي بنيت عليه المعركة الأخيرة لم تكن ذات مسار مشترك أو أرضية تكاملية ضمن المشروع الاستراتيجي بقدر ما كانت اجتهادات جزئية لقيادة محدودة في الإطار المقاوم الذين كانوا نوعًا ما انعكاسًا للمسار القديم الذي تم تجاوزه بعدما تطور الفعل المقاوم نحو المعارك الاستراتيجية على الممارسات البسيطة والإشغالية.

وعليه، للعودة إلى السياق المقاوم الاستراتيجي يجب البدء من جديد مع تلك العقول التي استأنفت ممارسات تم تجاوزها، وأن نكون راديكاليين في البحث والتقصي عن الأسباب التي أدت إلى ما حصل، وعلاج ذلك بشكل جذري وموضوعي، وليس نقدًا لغويًّا حول ما حصل، كون الأمر ليس فعل وانعكاس سطحي لتلك القيادة، بل هو استئناف لمسار العبث والاستنزاف للمشروع المقاوم، ولتكون حالة البحث والتقص ناجحة يجب أن تكون الراديكالية ثورية حتى يتم إعادة ضبط السياق المقاوم بالاتجاه الاستراتيجي، وأيضًا حتى يتم التغيير في قصور تلك القيادة فكرًا ومنهجًا وإعادة ضبط المشروع التحرري المقاوم بمنطلقات

أكثر عمقًا وقناعةً من سطحية البعض المقاوم.

وعليه، يجب أن يقف الجميع أمام أي محاولة لزعزعة السياق الاستراتيجي للمشروع المقاوم الذي تم بناؤه وإعادة ضبطه بما يخدم المشروع أو تحييده للخطورة التي قد يشكلها من خلال أي استئناف للمسار القديم الذي تم تجاوزه، وإبقاء المشروع الاستراتيجي المقاوم حاضرًا وبقوة حتى تحقيق أهدافه.  

الأسير الكاتب/ إسلام حسن مرعي 13/8/2022م

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023