ثلاثة أسباب حالت دون مشاركة حماس في الهجوم الأخير على غزة

د. علي الأعور

باحث وخبير في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية

منتدى التفكير الإقليمي

يقفون على الحياد

في العملية العسكرية في غزة التي استمرت ثلاثة أيام فقط، تمكنت "إسرائيل" من تحقيق إنجازات عسكرية واستراتيجية من خلال خطة عسكرية معدة بالكامل تم تحديد الغرض منها بالتعاون بين الجيش الإسرائيلي والشاباك.

وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن عملية عسكرية نفذت ووصفتها بالمفاجأة والمخادعة، بهدف اغتيال قادة ميدانيين في سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، حتى أن وسائل إعلام إسرائيلية أضافت أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق هذا الإنجاز قبل خمس سنوات في العملية العسكرية -في ذلك الوقت- التي لم يُقتل فيها أي إسرائيلي واحد.

بعد كل عملية عسكرية، هناك من يبدأ تقييم العملية عندما تكون المواجهة في ذروتها، وهناك من لا يهتم بهذا التقييم، ربما لأنهم يعتقدون أنهم بعيدون عن الهدف الإسرائيلي.

على أي حال، يعتبر التقييم عملية مهمة في الأدبيات العسكرية والسياسية لاستخلاص دروس مفيدة للمستقبل.

إذا أجرينا عملية تقييم سياسي بموضوعية وتحليل سياسي للعملية العسكرية في قطاع غزة، سنكتشف لاعبين مهمين في هذه الحرب على المستويين السياسي والعسكري.

أما الجانب الاقتصادي فلا بد من طرح الأسئلة الرئيسية في هذا المقال: لماذا لم تشارك حماس وكتائب عز الدين القسام في العملية العسكرية في غزة؟ وما هي نتائج وتداعيات عدم مشاركة حماس في حرب غزة الأخيرة على المديين القصير والمتوسط؟

ثلاثة أسباب منعت حماس من المشاركة في الحرب الأخيرة على غزة، وتتعلق هذه الأسباب بمصالح حماس وأجندتها المحلية والإقليمية والدولية:

أولاً: الازدهار الاقتصادي في قطاع غزة نتيجة فترة الهدوء، مما ساهم في زيادة عدد تصاريح العمال والتجار ورجال الأعمال في القطاع_حتى 15 ألف تصريح، وساهمت هذه التصاريح والدخل الذي يوفره العاملون في قطاع غزة بحوالي ستة ملايين شيكل يومياً أي ما يعادل مليوني دولار أمريكي.

سمحت هذه السيولة لقطاع غزة بالازدهار ولو جزئياً، وزيادة القوة الشرائية والحركة التجارية فيه، كما سمحت بإدخال مواد أولية للبناء، والقدرة على تصدير المحاصيل الزراعية المحلية خارج القطاع، وكذلك جلب في البضائع والديزل إلى محطة توليد الكهرباء في القطاع.

ومن المعروف أن نسبة الفقر في غزة بلغت 85٪ قبل التصاريح، ونسبة البطالة 65٪، فمن الممكن أن تكون التصاريح والانتعاش الاقتصادي قد ساهمت في التخفيف من نسبة الفقر وخفض معدل البطالة في قطاع غزة.

ثانيًا: تحولت حماس إلى البنى التحتية الشعبية وغيرت استراتيجيتها إلى نشاط مجتمعي شعبي وعمل الجمعيات الخيرية، مع تجنب حرب تكلفها تعد انتقامًا ضد سكان قطاع غزة من قتل وتدمير المباني والمنازل، ومع ذلك، قُتل 15 طفلاً فلسطينياً وأربع نساء نتيجة العملية العسكرية الأخيرة في قطاع غزة.

ثالثًا: الدبلوماسية والاستراتيجية السياسية الجديدة لحماس في تقديم صورة دبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي، عندما يؤكد الحراك السياسي والدبلوماسي لرئيس حماس في الخارج إسماعيل هنية أن الزيارات السياسية التي قام بها إلى عدة دول إقليمية وعربية تمثل مقاربة سياسية جديدة لحركة حماس، حيث تلعب الحركة دورًا مهمًا سياسيًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتريد حجز مكان لها في أي عملية سياسية في المستقبل، على الرغم من اقتناعها بعد زيارة بايدن إلى الشرق الاوسط أن العملية السياسية برمتها قد انتهت، خاصة بعد أن ادعى بايدن أن "دولة فلسطينية مستقلة تبدو بعيدة المنال، لكن حماس لا تزال ترى نفسها جزءًا من النظام السياسي الفلسطيني وقد تصبح عضوًا في منظمة التحرير الفلسطينية في المستقبل القريب.





في ضوء هذه الأسباب وقراءة متأنية للعواقب المحتملة لعدم مشاركة حماس في العملية العسكرية الأخيرة في قطاع غزة، نجد أن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة ساهم بشكل كبير في استمرار الهدوء، من خلال التفاهمات التي تم التوصل إليها بين "إسرائيل" وحماس عبر وسطاء مصريين وقطريين.

والنتيجة هي أن حماس وحدها في قطاع غزة هي التي تقرر الحرب والسلام والهدوء مع الجانب الإسرائيلي.

أخيرًا، لا يعني عدم مشاركة حماس في الحرب الأخيرة على غزة أن حماس لم تعد هدفًا للجيش الإسرائيلي، ولكنها لا تزال في طليعة بنك الأهداف الإسرائيلية، لكن "إسرائيل" نجحت في تجسيد هدف جديد - معادلة في الصراع مع حماس: الهدوء مقابل الهدوء والهدوء مقابل الاقتصاد.

لكننا ما زلنا في بداية الطريق، وربما الجولة القادمة ستكون بين القسام والجيش الإسرائيلي.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023