شهادتان في حضرة الرحيل: شكرٌ واعتذار

عمار حماد

كاتب وروائي فلسطيني

بقلم عمار حماد 
27-9-2022 

ستكثر الكلمات المحقة في فضل وأثر الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله فلا غرو في ذلك، فواقعٌ يغيب عنه فارس العلماء المجددين لابد وأن يُحزن المخالفين والمتفقين معه، وهو الذي كان كلمة الفصل عندما يجبُن البعض أو يحيد الآخرون عن جادّة الصواب، لكنني سأخرج عن مألوف ذلك فأذهب أولا إلى حيث تعرفي عليه عن قرب في أواسط التسعينات من القرن العشرين، ونحن في آتون المعركة مع قوى العالم أجمع بقيادة أمريكا والعدو الصهيوني، الذي اجتمع في شرم الشيخ لوسم عملياتنا الاستشهادية بالإرهاب والانتحار، مما ضيّق الخناق علينا في الميدان, وتحديدًا من جانب السلطة الفلسطينية التي نقلت قرارات شرم الشيخ إلى حيز التنفيذ العملي بالاعتقالات والمطاردات، والنظري بنزع الشرعية الدينية عن عملياتنا الدفاعية، عبر استخدام أشباه العلماء، مما دفع بالشيخ يوسف القرضاوي لتصدير فتواه الشهيرة، باعتبار عملياتنا الاستشهادية ضد العدو الصهيوني كأعظم أنواع الجهاد, ولا زلت أرى إبتسامة النصر لدى الاستشهاديين قبل إنطلاقهم للعمليات مصحوبة بالدعاء والشكر لمجتهد العصر الشيخ القرضاوي، الذي حمى ظهورهم من سكاكين الفتاوى المنحرفة, فشكرًا سيدي.

أمّا ثانياً فاعتذارٌ بأثرٍ رجعي يعود إلى عام 2001، عندما أخفق وعيُنا القاصر عن إدراك ما ذهب إليه العلامة القرضاوي برفض استهداف البرجين في نيويورك على أيدي تنظيم القاعدة، فذهبت عاطفتنا المنجرفة ضد الولايات المتحدة الداعمة للاحتلال حدَّ مهاجمة موقف الشيخ، الذي خالف به مزاج الأمة الناقم على أمريكا, فأثار غضبنا ونحن نرى شعبنا تصليه حمم الطائرات الأمريكية على أيدي الصهاينة.

لنكتشف بعد مدة بسيطة, وقد حطّم الأمريكان العراق وأفغانستان وبسطوا جيوشهم على طول وعرض الوطن العربي، بدعوى محاربة الإرهاب أن هذا الشيخ لم يكن مجرد فقيه لامع ومجتهد يتقدم على عصره، إنما عالمٌ يقرأ السياسة جيدًا ويستشرف المستقبل، ولا يتهاون عندما يتعلق الأمر بالمبادئ الأخلاقية للجهاد. 

فعذرًا سيدي ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، "إنا لله وإنا إليه راجعون".

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023