انتفاضة الأقصى: المرحلة التي غيّرت وجه الصراع


شكلت انتفاضة الأقصى التي يوافق اليوم الذكرى الثانية والعشرين لاندلاعها محطةً مهمةً في تاريخ القضية الفلسطينية، وأسست لمرحة جديدة في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وقلبت موازينه رأساً على عقب.


ففي الثامن والعشرين من سبتمبر عام 2000م، دنس رئيس حزب الليكود آنذاك المجرم آرئيل شارون المسجد الأقصى المبارك حين اقتحمه بحماية أكثر من ألفين جندي، ليخرج شعبنا بانتفاضة عارمة دفاعًا عن القدس والمسجد الأقصى.

وتجوّل شارون في ساحات الأقصى، ما أثار استفزاز الفلسطينيين، فاندلعت المواجهات بين المصلين وجنود الاحتلال، ما أدى إلى استشهاد سبعة فلسطينيين وإصابة أكثر من 250 آخرين، كما أُصيب خلال المواجهات 13 جنديًا صهيونيًا.

وسارعت حركة حماس في إشعال الانتفاضة وإذكائها من خلال التحشيد للمقاومة الشعبية، مستندة إلى حق شعبنا الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بجميع الأشكال.


تطور المقاومة


شهدت انتفاضة الأقصى تطورًا لافتًا في قدرات المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، فالانتفاضة التي بدأت برشق الحجارة على جنود الاحتلال ومواقعه العسكرية المنتشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، انتهت بتفكيك عدد كبير من هذه المستوطنات في الضفة ورحيل الاحتلال عن قطاع غزة، على وقع تصاعد المقاومة وتطورها الكبير خلال هذه السنوات.

ومن قبل عانت فصائل المقاومة الفلسطينية المناوئة لمسار التسوية، والرافضة لاتفاق أوسلو وما نتج عنه، من قمع أجهزة السلطة الأمنية وملاحقتها الدائمة، وتعرضت قيادات الحركة للاعتقال والإقامة الجبرية، وعُذّب مقاتلوها في السجون، وفككت بنيتها التنظيمية، وصودرت الأسلحة من مقاتليها، الأمر الذي أضرّ بنسق التصاعد في تطور المقاومة الفلسطينية.

وما إن بدأت انتفاضة الأقصى، حتى سارعت حركة حماس إلى إعادة تنظيم صفوفها وقيادتها للحالة الثورية وللأعمال المقاومة التي اندلعت ردًا على اقتحام شارون للأقصى.


العمليات الاستشهادية


ولم تمضِ أسابيع على بدء الانتفاضة حتى بدأت العمليات الاستشهادية وعمليات إطلاق النار وتفجير العبوات الناسفة، ونفذت فصائل المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام مئات العمليات المسلحة، والتي أدت إلى مقتل 1069 صهيونيًا خلال سنوات الانتفاضة، وجرح نحو 4500 آخرين، ودمرت أكثر من 50 دبابة، كما نفذت كتائب القسام العهدة القسامية العشرية، وهي عشر عمليات استشهادية وعد بها مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين ردًا على اقتحام شارون للمسجد الأقصى.


الصواريخ وقذائف الهاون


شهدت الانتفاضة منذ عامها الأول تطورًا ملحوظًا في أداء المقاومة الفلسطينية حيث كانت مغتصبة "سديروت"، شمال قطاع غزة، على موعد مع تلقي أول صاروخ فلسطيني محلي الصنع، أطلقته كتائب القسام، في يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2001، لتطور الكتائب بعد ذلك وعلى نحو متسارع من قدراتها في تصنيع الصواريخ، حتى باتت اليوم صواريخها سلاح ردع يحسب له العدو ألف حساب.

في الوقت ذاته كانت المستوطنات المنتشرة في قطاع غزة تعاني يوميًا من تساقط عشرات قذائف الهاون المصنعة محليًا، التي دبت الرعب في قلوب المستوطنين، وأجبرت الاحتلال على التفكير في الانسحاب من غزة.


سلاح الأنفاق


وفي سبتمبر عام 2001م نفذت كتائب القسام عملية تفجير موقع ترميد العسكري شرق رفح، وهي أول عملية تفجير عبر الأنفاق لتوثق تطورًا جديدًا وسلاحًا استراتيجيًا غيّر من شكل الصراع، وضرب نظرية الأمن الصهيوني في مقتل، تلت هذه العملية سلسلة عمليات عُرفت بـ "حرب الأنفاق" والتي استهدفت فيها القسام المواقع العسكرية التي تحرس المغتصبات.

وشكّل سلاح الأنفاق رعبًا لا يحتمل لجيش الاحتلال ومستوطنيه، وضاعفت من فاتورة حماية المستوطنين في غزة وهو ما دفع بالاحتلال للفرار من غزة يجر أذيال الخيبة والهزيمة.


محطة فاصلة


ومثّلت الانتفاضة الثانية محطة فاصلة في تطوير مقاومة الشعب الفلسطيني من الأدوات البسيطة إلى الأسلحة الفعالة، وهي مرحلة كان لها الأثر الكبير فيما وصلت إليه المقاومة الفلسطينية اليوم، حيث تغطي صواريخها كل مساحة فلسطين المحتلة.

وسيبقى شعبنا الفلسطيني ومقاومته البطلة السد المنيع أمام كل المخططات الصهيونية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتهويد القدس والأقصى، وصولًا إلى دحر الاحتلال عن أرضنا.



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023