كيف نحمي العرين من ضربات المحتلين؟

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

بقلم/ عبد الله أمين


إنها نابلس؛ زاوية رأس مثلث الرعب الفلسطيني في شمال الضفة الغربية، حيث جنين الصمود شمالاً، وطول كرم الرجولة غرباً، هذا المثلث الذي بدأ يقض مضطجع العدو؛ ففي الوقت الذي كان وما زال يتحسب ويرهب من جنين ومخيمها؛ وإذ بنابلس ومخيمها تنضم إلى مسيرة التراكم المقاوم، الذي بدأ يتسع جغرافيا ويفرض وجوده على العدو، كبداية لتكون بؤر تهديد ينذر، استمرارها ونموها وتراكم خبرات المقاومين فيها؛ ينذر بانتقالها إلى درجة متقدمة من الخطورة على سلم التصنيف المعادي؛ بحيث تصبح تهديداً ذا مصداقية عليه، مما يفرض على العدو أن يخصص لهذا التهديد القدرات، ويجند له الطاقات.

وأمام هذا الموقف المستجد؛ فإننا كمراقبين عن بعد لهذا الظاهرة الآخذة بالتصاعد، وكوننا لسنا تحت عامل الضغط الذي يفقد التركيز وحسن القراءة والتقدير، المطلوب لاستخلاص العبر والدروس، لأننا كذلك؛ فمطلوب من كل ذي فن أو تخصص أو صاحب رأي في أي مسألة من شأنها حفظ أرواح المقاومين وتحسين أدائهم ليثخنوا في عدوهم، مطلوب أن ندلي بدلائنا وأن نقدم رأينا ونسدي نصحنا، علّنا بذلك نسهم في حفظ نفس ونمنع سفك دم، ونزيد من فاعلية وكفاءة فعل المقاومة وإجراءاتها، فنصيب نصيباً من الأجر، ونخرج من تحت سقف صفة القاعدين لنلتحق في سياق المقاومين؛ حتى ولو كنا في ساقتهم وخدمتهم.

لذلك فإن هذه المقالة ستعنى بتقديم بعض الأمور والنصائح والإجراءات، التي نعتقد أنها تساهم وتساعد في حفظ المقاومين في عرين أسود نابلس وغيرها من مدننا وقرانا المحتلة، ومن النصائح وأهمها ما يأتي:

1. المعلومات: هي لازمة كل عمل؛ تأتي قبله، لتقول كيف نقوم بالفعل؟ ومعه، لتعديل المسار إذا اقتضى الموقف تغيير الخيار، وبعده؛ للتقييم وأخذ الدروس وتحسيناً للفعل مستقبلاً وزيادة في جدواه وتقليلاً من أكلافه، وهي المعلومات الواجب الذي لا يتم الواجب إلا به، وهي فرض الوقت المطلوب تأديته في كل حين، وهي عين المقاومين التي يرون بها، وهي ولأهميتها يخصص لها عدونا أفضل كوادره، وينفق عليها وعلى تطويرها المال الكثير، ويخصص لها الوقت والجهد، وهي التي تقود فعله، وتحدد مسار عمله، لذلك لا بد لنا من أن نوليها الأهمية القصوى؛ ونخصص لها القدرات البشرية والمادية ما يحسن من جودتها، ويرفع من مستوى صدقها وموثوقيتها، وهي التي يجب أن تبقى الشغل الشاغل للمسؤولين والمقاومين، فكيف نقاوم عدواً لا نعرفه، وخصماً نجهل نقاط ضعفه وقوته؟.  

2. السيطرة والاتصالات: ولكي يتم استثمار هذه المعلومات والاستفادة منها على أكمل وجه؛ لا بد من حمايتها؛ أثناء الجمع والتحليل والتقييم، وأثناء النقل والتبادل بين مختلف المقاومين، وهذا أمر حفظ المعلومات يقع في صلب عملية القيادة والسيطرة، فكلما حسن وارتفع منسوب أمن المعلومات جمعاً ونقلاً وتداولاً حسن بالمقابل مستوى القيادة والسيطرة على مجريات الأحداث والفعاليات، وهنا لابد من البحث عن البدائل الآمنة لما هو متوفر من وسائط الاتصالات وأجهزتها، خاصة الذكية منها، فهي في الوقت الذي تسهل عملية التواصل الأفقي والرأسي بين المقاومين، والربط الجغرافي بين المناطق؛ فإنها في الوقت نفسه تشير إلى هوية الهدف، وكيف يتصرف ؟ ومع من جلس؟ وأين ومتى وفي أي مسار يتحرك؟ وهي كلها معلومات توضع على طبق من ذهب بين يدي العدو، فيستثمرها في تحقيق أهدافه، بأقل الخسائر وأسرع الأوقات.

3. التعرض للعدو والمواجهة معه: إن ظاهرة تعاظم فعل المقاومة في الضفة الغربية من حيث الشكل والنوع وطرق العمل، تزداد درجة خطورتها على العدو يوماً بعد يوم؛ حتى وإن بدا للمتابع أن العدو يتعامل معها بـ (كفاءة) من حيث تحييد نشطائها والحد من حركتهم ومناورتهم ومحاولة توسيع رقعة عملهم إلى أماكن أخرى، حتى وإن بدا الأمر كذلك؛ تبقى هذه الظاهرة غير معروفة التفاصيل والماهية بشكل دقيق لدى العدو، مما يعني أنه ما زال يضع هذه المقاومة نشطاء وقدرات وطرق عمل على طاولة التشريح، ليعرف كل خلية من خلاياها، وكل مكون من مكوناتها، ليحسّن من طرق عمله في مواجهتها،.

وهذا يعني أنه العدو يقوم ببعض مناوراته واقتحاماته للمناطق وعلى جدول أعماله عدة أهدافها، أهمها تحييد المقاومين، ثم بناء قاعدة معرفية لفهم سلوكهم وكيف يفكرون ويتصرفون، لذلك يجب تجنب كشف كامل القدرات أمام هذا العدو والتعرض له هجوماً ودفعاً بالقدر المعقول والمطلوب لمنعه من تحقيق أهدافه، وعدم الزج بكامل قدرات المقاومة أو كشف أوراق فعلها كاملة في كل تعرّض للعدو أو تصدٍ له، يجب أن نصل بالمقاومة ومن خلال ما تجمعه وتراكمه من معلومات عن هذا العدو إلى المستوى الذي نعرف فيه نواياه، ومتى يخرج في عمل الهدف منه جمع المعلومات استطلاع قتالي ومتى يخرج لتحييد هدف أو القضاء على قدرات، فنختفي في الأولى، ونحشد  للتعرض له في الثانية.    

4. عدم التظاهر والخروج في تجمعات ومسيرات: ومن الأمور التي تساعد في حماية المقاومين في عرائنهم؛ الحد من التظاهرات والمسيرات المسلحة، فهي تقدم للعدو معلومات ومعطيات لا تقدر بثمن، وهنا قد يجادل البعض في أن مثل هذه الأعمال المظاهرات المسلحة ترفع من معنويات المواطنين وتقوي الروح النفسية لدى الحاضنة الشعبية، وهذا أمر صحيح ومقدر ومفهوم، ولكنه يمثل أحد أوجه (العملة)؛ حيث أن الوجه الآخر لها هو ما تقدمه هذه الإجراءات من (هدايا) معلوماتية يلتقطها العدو بشكل مباشر بذاته، أو غير مباشر عبر عملائه المنتشرين على حواف هذه المظاهرات، فيكوّن بذلك فهماً يساعده في تحديد مراكز ثقل هذه المقاومة ـالبشرية والمادية فيعمد إلى ضربها وسحقها بأسرع الأوقات وأقل الأثمان، إن هذه التظاهرات سيف ذو حدين وإجراء يجب أن يوزن بميزان الجدوى منها والأكلاف المترتبة عليها، وهنا تتقدم قاعدة "درء المفاسد أولى من جلب المصالح"، وأي مفسدة أعظم من سفك دم مقاوم أو اعتقال مطارد؟  .  

5. تقليل مستوى بصمة المقاومين: يجب أن يُعمل على تقليل مستوى (بصمة) المقاومين في مختلف أشكالها؛ الالكترونية والجغرافية والخدمية، فتقل الأولى عبر الحد من استخدام أجهزة الاتصال والتواصل الذكية؛ من هواتف وأجهزة لوحية، وكل ما هو متصل بالشبكة العنكبوتية، فهي كلها عبارة عن أجهزة (اقرأ جواسيس) يصحبها المقاوم حيث حل وارتحل، ولو علم المقاومون ما تقدمه هذه الأجهزة من خدمات ومعلومات للعدو في كل عمل يقوم به عدوهم ضدهم؛ لحرقوها الأجهزة و(نعفوا) رمادها في الهواء.

كما تقل بصمتهم الجغرافية والتي تستتبع خفض البصمة الخدمية حكماً عبر تقليل عدد المجموعات المقاتلة، ونشرها في أكثر من مكان جغرافي في مخيماتنا ومدننا المحتلة، فدرجة أمن المجموعات المقاتلة يتناسب تناسباً طردياً مع صغر حجمها وتعدد أماكن انتشارها، حيث تبرز هنا أهمية تأمين وسائل الاتصال والتواصل الآمن بين هذه المجموعات لحشد وجمع العدد المناسب في المكان المناسب للتصدي لأي تهديد أو تجاوز من العدو.  

6. الاستنساخ: يجب العمل على استنساخ التجارب أفراد ومجموعات  الناجحة للمقاومة، وتكثير عددها، وجعلها في كل مكان وكل تجمع من تجمعاتنا، فبهذه الوسيلة نضيّق على العدو الخناق، ونفرض عليه نحن المعركة؛ زماناً ومكاناً، ونجبره بهذا التوالد والتكاثر للمقاومين أفراداً ومجموعات على استقدام المزيد من القوات، الأمر الذي يعني ثقل الحركة وكشف الإجراء، وزيادة الأهداف، وكلها أمور مطلوبة لذاتها عند التعرض للعدو، وهنا ينتصر الصغير؛ لمرونته وخفة حركته، على الكبير؛ لثقل وزنه وبطء حركته وانعطافته، وتصيب كل ضربة من المقاومة مقتلاً في العدو.

كما تفرض زيادة بقع المقاومة والاحتكاك مع العدو، تفرض عليه حالة اللاثقة والشك في كل شيء، فيتحول عنده العدو سؤال: من أين العدو؟ إلى من العدو؟ عندها ستضيع (طاسته) ويطيش سهمه، وتكثر خسائره.

7. استخلاص العبر والدروس: ولا بد من الجلوس بعد كل عملية واشتباك في مكان ما وفي زمن ما لاستخلاص العبر والدروس من هذه العملية، وأين أخطأت المقاومة وأين أصابت؟ وكيف يمكن تجاوز الإخفاقات التي ظهرت في العملية؟ وما هي الإجراءات العملية الأفضل التي تمكن المقاومين من استثمار قدراتهم بأفضل شكل؟ بحيث يوقعون في عدوهم أكبر الخسائر بأقل الأكلاف. إن استخلاص العبر من كل عملية واشتباك واحتكاك يمثل الختم الذي يوضع في نهاية صفحتها ليغلق ملفها، وبدون مثل هذه الإجراءات استخلاص الدروس والعبر يُخشى أن تكرر الأخطاء، وتضيع الفوائد، فتُستنزف القدرات حيث كان يمكن أن تخرج أفضل الطاقات.    

هذه بعض النقاط والنصائح التي نعتقد أنها تفيد في حماية بؤر المقاومة في الضفة الغربية وتحولها إلى مصادر إزعاج حقيقي، تتحول مع الزمن إلى تهديد ذي مصداقية على العدو، يفرض عليه حالة من عدم الاستقرار والاستنفار الدائم، موقعة في نفسه حالة من الرعب والهلع، مكبدة هذا العدو الخسائر البشرية والمادية، على طريق النصر والتحرير. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023