الأسير الكاتب/ إسلام حسن حامد
رقم (2)
للإجابة على تساؤل كيف تعامل الأسرى الأبطال، وتصرفوا اتجاه الهجمة الشرسة التي تقوم بها مصلحة السجون الصهيونية؟،
إذاً يجب علينا تقديم تركيبة الأسرى والأجسام الاعتقالية، وعلى رأسها "حركتي حماس وفتح" على وجه الخصوص؛ باعتبارهما أكثر عدداً والأقدر على التأثير داخل السجون وخارجها بما يملكان من مقومات المواجهة والتحريك الميداني، تلك المقومات التي ميّزتهُما عن باقي المجموع الوطني الفلسطيني دون الانتقاص منه بكل تأكيد؛ فحركة حماس ومنذ عام (2005م) قد أنشأت جسماً جامعاً لها باسم (الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة حماس في السجون الصهيونية)،مما شكل أداة ربطٍ وضبطٍ داخل السجون، ومساراً طويلاً من التطوير القانوني والتشريعي لإكمال البنية وصقلها بكافة عوامل الاستقرار والقوة، وعليه طوى تحت قيادة الهيئة العليا كافة المواقع التنظيمية الاعتقالية في السجون؛ يأتمرون وينتهون بما تقدمه الهيئة من تعليمات وأوامر لا يمكن مخالفتها كونها تتم بشكل شوري ديمقراطي، متوافق مع اللوائح القانونية المنظِمة لكافة الفعاليات والمهمات الجهادية داخل السجون؛ وبذلك حازت على الجسم الصلب الذي يحقق الصمود المضاعف أمام أيّ هجمة أو استهداف من قبل مصلحة السجون الصهيونية ضد الأسرى الفلسطينيين، وخصوصاً الأسرى الذين يعيشون تحت مظلة الهيئة العليا أو المتحالفين معها من فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني داخل السجون، كما أنها تمتلك القدرة على بث روح المقاومة والنضال داخل السجون، ورفع منسوب التضحية عند عناصرها من خلال اللجان المتخصصة في ذلك؛ كاللجان السياسية، والثقافية، والدعوية التي تقدم المواد والأدوات التحريضية والتوعوية لكل ما سبق.
فهي إذاّ قيادة يمكن أن تقرر الفعاليات النضالية بشكل شوري، وتذهب إلى تطبيقها بالوسائل المتاحة، كالإضراب عن الطعام أو حرق الأقسام وصولاً إلى استهداف عناصر مصلحة للسجون وتعريض حياتهم للخطر كما حصل في أكثر من واقعة، في حين تُعتبر "حركة فتح" التنظيم الأكبر عدداً في السجون؛ الأمر الذي بفعله الموحد يمكن له صناعة المعجزات داخل السجون وحتى خارجها، فعدم إغفال المواضيع الذي سيتم تقديمها حول حركة فتح في السجون، وهي مدار هذه الأوراق في محاولة لقراءة المشهد الفتحاوي داخل السجون، وانعكاسه على المجموع الوطني الفلسطيني، وامتداد ذلك الانعكاس على الخارج من تأثير وتأثر به وعليه.
وفي السياق التالي نقدم عدة أفكار لعلنا جميعاً نستخلص العبر منها، لتجاوزها ولنمضي قُدماً نحو الوحدة والتّحرر:
1. تعتبر حركة فتح الأكثر عراقة في السياق التنظيمي والفعالياتي؛ لكنها ومع مرور الزمن ابتعدت عن المركز، وتشعبت من معادلات القوى المتداخلة في التنظيم الذي أثر بشكل سلبي على قوة واستقرار التنظيم في السجون وخارجها؛ هذا ومع امتلاكها مراكز التّفوق والتأثير إلا أن غياب هيئة قيادية عليا لها داخل السجون أفقدها الكثير من الأدوات والفعالية الميدانية عدا عن إمكانية التأثير على الواقع الاعتقالي بشكل عام، وكل هذا يمكن إيعازه إلى حالة التفرق والتشرذم الداخلي في الحركة، الذي أدى إلى غياب الحالة التنظيمية الجامعة والوحدوية داخل الإطار الفتحاوي، ليقود ذلك أيضاً إلى مشكلة مستعصية تشكلت والتي تتعلق بمسألة التمثيل الفتحاوي داخل السجون، وكما يبدو فإنه لا أفق لحلها في المدى المنظور مع وجود بنية مفككة في كافة المواقع الاعتقالية.
2. غياب الحالة التنظيمية الديموقراطية أدى أيضاً إلى ظهور بدائل تم التصالح معها، واعتبارها قدراً لا يمكن تجاوزه لتقود التجمعات الفتحاوية على مدى انتشارها داخل السجون، هذه البدائل تشكلت ضمن مفهوم ومنطق الشّللية والبلدية، التي أنتجت ممثليها في نوع من محاكاة النظام الأبوي القّبلي في السيطرة والحكم، وتستمد هذه الظاهرة قوتها وشرعيتها من خلال زيادة عدد الأسرى لمنطقة ما داخل تجمعها الخاص بقسم ما في السجون الصهيونية، وللأسف يعمل "جهاز الاستخبارات السجون الصهيونية" على تغذية هذه الحالة الداخلية في أقسام "فتح"، وتوفر نوعاً من الحماية لممثلي هذه الحالة من خلال تقديم بعض الإمتيازات والإنجازات لها وإبعاد أي منافس لها لهذا الممثل أو ذاك، والمحصلة ضمان عدم مشاركتها في أي نشاط معادي لمصلحة السجون الصهيونية، أو خوض خطوات نضالية مشتركة مع عموم الأسرى الفلسطينيين على تنوع فصائلهم في مواجهة مصلحة السجون؛ ليؤدي هذا البديل أو الحالة المعنية إلى الاتكالية وغياب المسئولية باعتبار أن اهتمام أسرى منطقة ما في فتح لا يتوافق مع أسرى منطقة أخرى، حتى وإن حصل استهداف لها من إدارة مصلحة السجون بالقمع والتخريب.
3. كما أننا لا يمكن تجاوز أزمة الإنقسام الفلسطيني التي حلت على الأسرى الفلسطينيين وأثرت بشكل مباشر عليهم؛ ليتم الفصل بين الأسرى مكانياً ويخرج بذلك على السطح أقسام خاصة "لحركة حماس" ومن يتفق معها وأقسام أخرى "لحركة فتح" ومن يتفق معها أيضاً، ليتم صناعة التجمعات الشّللية القبلية المذكورة في النقطة السابقة في أقسام "حركة فتح"، هذا وفي الوقت أدى الانقسام إلى الفصل بين المقومات الاعتقالية بالرؤى والأهداف والمشاريع النضالية وأدوات المواجهة، لتكون حسابات فصيلي الانقسام متناقضة ومتعارضة في مجمل الأحيان بما يخدم بشكل غير مباشر وأحياناً وللأسف بشكل مباشر، مصلحة السجون الصهيونية ومخططاتها العنصرية.
4. وأيضاً كما أن "حركة فتح" وسلطتها في رام الله تسعى لعدم التصعيد في الضفة الفلسطينية، فإنها ولذات الأسباب والضوابط تسعى لعدم التصعيد داخل السجون الصهيونية، كون أي تصعيد داخل السجون سيقود إلى تغيير الشارع الفلسطيني في الخارج، وهذا ما لا تريده سلطة رام الله بشكل مؤكد ودائم.
5. ليتشكل بذلك عدة مؤثرات خارجية، والتي أهمها تأثير مصلحة السجون على التشكيلات المحلية لحركة فتح، داخل مواقعها المنتشرة في كافة السجون الصهيونية وابتزازها من خلال التهديد بإلغاء اعتماد الممثل (المتحدث باسم الأسرى في القسم)، واستبداله بآخر يعمل على صنع الهدوء وعدم إدخال منطقة صلاحياته في مواجهة مع الإدارة، تجنباً لسحب الامتيازات الخاصة به، هذا من جهةٍ ومن جهةٍ أخرى تأثير السلطة في رام الله، وأجهزتها الأمنية بالشكل الناعم على قرارات القيادات المحلية المنتشرة داخل السجون؛ لتكون ضمن فلك وإطار ورغبات الحالة الأمنية السائدة في الضفة الفلسطينية التي تعمل على الهدوء والتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، في إطار مواجهة "حركة حماس" وإمكانية صعودها في الضفة الفلسطينية أو السعي الدائم خلف سراب السلام الذي استنزف قدرات الشعب الفلسطيني لصالح احتياجات ورغبات العدو الصهيوني، مع ذلك حصل التّحول في "فتح" التي غيّرت المعادلة.
.... يتبع رقم (3)