فتح وعملية التغيير

إسلام حامد

باحث وأسير فلسطيني

بسم الله الرحمن الرحيم

لجنة الطوارئ العليا- الأسرى الفلسطينيين وتغيير المعادلة رقم (3)

"فتح وعملية التغيير"

مثلت عملية "نفق الحرية" في السادس من أيلول سبتمبر من عام 2021م، لحظة فارقة في السياق السابق لحركة فتح داخل السجون إلى حدٍ كبير  فمصحلة السجون الصهيونية في هجمتها وردات فعلها على الأسرى الفلسطينيين لم تميز أحداً، وقامت بالإنقضاض على الجميع لتَسهل "حركة فتح" ومعظم مركباتها في السجون في وقفة مع النفس والسؤال عن الذات الوطنية وكيفية تشكيلها وإعادة ضبطها بما يتوافق مع الكل الإعتقالي الذي يتجهز لصد هجمة مصلحة السجون الشرسة؛ لتعلن "حركة فتح" من خلال تنسيقها المباشر مع "حركة حماس" عن إنشاء -لجنة الطوارئ العليا- التي تشمل فصائل العمل الوطني والإسلامي في السجون، في مواجهة مشتركة غيّرت القواعد والمعادلات القائمة نحو وفعل وطني مقاوم ضد مصلحة السجون رداً على ارتدادات "نفق الحرية" العقابية على الأسرى الفلسطينيين؛ ليمثل هذا الإعلان الاستجابة الفاعلة للظروف التي فرضتها مصلحة السجون من عقوبات وهجمة شرسة على الأسرى الفلسطينيين.

لذلك أعلنت "فتح" بأنها تحررت من كل القبضات المتعددة المفروضة عليها من عديد الجهات، لتمتلك زمام المبادرة ويصبح لديها نوع من الاستقلالية في اتخاذ القرار والفعل الوطني المقاوم في ميدان المواجهة مع مصلحة السجون الصهيونية، هذا وقد إعتبرت "حركة فتح" أن الشراكة مع "حركة حماس" يعتبر حجر الزاوية في البناء المقاوم الجديد الذي سيعمل على الزّود عن الأسرى الفلسطينيين.

ومثلت هذه الشراكة بين الحركتين الحضور الوطني الجديد والمميز الذي لم تعهده السجون منذ الإضراب عن الطعام عام 2004م، بمشاركة كافة الفصائل الفلسطينية في حينه، هذا وما أعاد للأذهان وتحديداً في الداخل "الفتحاوي" أن حركة حماس في هيئتها القوية المنظمة وبنيتها الصلبة وعناصرها المنضبطين واعتمادها أيضاً على كتلة المقاومة المتعاظمة في "قطاع غزة" وحضورها الجماهيري في الضفة الفلسطينية تعتبر الرُكن الأساس في صناعة وصياغة الحدث والفعل المقاوم داخل السجون والقدرة على إدارته ومده بكامل عوامل الصمود والنجاح.

من هنا كانت الانطلاقة فقوة حركة حماس أصبحت دافعاً لإعادة تشكيل "حركة فتح" من جديد داخل السجون كقوة تنظيمية فاعلة مؤثرة وموحدة داخليًا؛ لينعكس ذلك على الكل الفصائلي في خارج السجون للتوحد في سبيل دعم الأسرى الفلسطينيين في مسعاهم النضالي أمام غطرسة وجبروت مصلحة السجون.  

إن الفعل والمسار الفتحاوي الجديد داخل السجون جعل زمام حركة فتح بيديها صانعًا لها راية متساوية على مستوى الأفراد وبعض المركبات المتوافقة مع هذا المسار داخل فتح في السجون أمام حركة حماس ورايتها القوية إلى حدٍ مقبول، فهذا التحالف أصبح بكل تألقه الثوري فاعلاً بحضور الجسم الوطني الأكبر جماهيريًا على الساحة الفلسطينية ليأخذ حضوره الحقيقي في الفعل المقاوم وصناعة القرار فيه مع التأكيد هنا أن قبل إنشاء لجنة الطوارئ العليا لم يكن هناك تفاعل مشترك بين الكل الاعتقالي مما ساهم بإطلاق الأيادي الخفية لتفعل فعلها في الداخل الفتحاوي بشكل رئيسي الذي كان له تأثير مباشر على السياق الوطني العام داخل السجون الصهيونية؛ ليكون الفارق بين الفرقة والوحدة هو "لجنة الطوارئ العليا" التي عملت على توحيد الكلمة داخل السجون مما انعكس بشكل تلقائي على خارج السجون رغم معارضة بعض الأطراف في "سلطة رام الله" ومركباتها المتناقضة التي لا ترغب بهذا الفعل الوطني المشترك مع حركة حماس في السجون؛ لتأثيره بشكل مباشر على مشروع اللامقاومة الذي تمثله سلطة رام الله وتعمل على تثبيته بكل الوسائل أمام الفعل المقاوم الشعبي الشامل والمتصاعد خلال الأشهر الماضية أمام الإحتلال الصهيوني.  

كما أنها جسدت الهيئة الوطنية المشتركة بين الأسرى الفلسطينيين ليكون لها بصمتها الخاصة في المواجهة والتحدي ضمن إطار الفعاليات المشتركة المتوافق عليها بين جميع مركبات العمل الوطني والإسلامي داخل السجون؛ لتواجه بوحدتها الإجراءات التعسفية التي أقدمت عليها مصلحة السجون بعد "عملية نفق الحرية"، من تغيير تعليمات النظام اليومي إلى تقديم ساعات "الفورات"، والتدخل في تنظيمها وصولاً إلى استهداف الأسيرات الماجدات والذي تم الرد عليه بواسطة أحد مجاهدي "حماس" في سجن نفحة الصحراوي عبر عملية طعن أحد عناصر مصلحة السجون وصولاً إلى المطالب المتعلقة بوضع الأسرى المرضى في مستشفى "سجن الرملة" وآخرها العقوبات الجماعية وعلى رأسها نقل الأسرى المؤبدات من غرفهم وأقسامهم إلى مواقع اعتقالية أخرى.

وعليه تأتي لجنة الطوارئ نموذجاً مشرقاً من الوحدة الوطنية بين الأسرى الفلسطينيين المبني على مواجهة السجان ورص الصفوف لتشكل بذلك سداً منيعًا أمام كل المؤامرات والإستهدافات التي تعمل عليها مصلحة السجون الصهيونية ليل نهار؛ لينتقل كل ذلك إلى الشارع الفلسطيني، ومؤسساته في الضفة الفلسطينية، وقطاع غزة في تناغم مشترك واستعداد للمواجهة من أجل الأسرى وقضاياهم العادلة.

وعليه السؤال هنا: لماذا انتصر الأسرى الفلسطينيين في جولاتهم الأخيرة أمام مصلحة السجون؟

الجواب هو:  "الوحدة"، لكن ما تم اكتشافه بمسار الوحدة رغم كل الآلام من خلال لجنة الطوارئ العليا أن هذه الحالة لم تَرق بكل تأكيد للشباك الصهيوني وعملائه، ولمصلحة السجون أيضًا؛ ليخرج بعض الأشخاص الذين تغلغلوا بشكل خبيث في داخل "حركة فتح" لأجندات غير الوحدة الوطنية وقد تضرروا من الحالة التمثيلية العليا الجديدة؛ لذلك هاجموها وحاولوا إفشالها والتأثير عليها، فنجاح تجربة الأكثرية في فتح وممثليهم ضمن سياق الوحدة الوطنية يكشف عيوب "عناصر فتح" الآخرين، كما أن هؤلاء الموتورين الذين خرجوا من جحورهم وساروا في مسالك الظلام ليكونوا "فئران مُبللة" ما هم إلا إشارة مؤرقة إلى تغلغل بُنى استعمارية مأجورة في تشكيلات الحركة الوطنية الفلسطينية.

وهذا ما يجعل الأخيرة غير قادرة على العمل الجّدي والقيام بدورها التحرري الواجب أن يكون، إن هذا البعض الموتور يحاول خلق صراعات داخلية في فتح من أجل إجهاض أي نموذج وحدوي وطني مع حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية؛ ليقف أمام هؤلاء النموذج الوطني المشرف الذي تم بناؤه في لجنة الطوارئ العليا يقف سداً منيعاً أمام كل المؤامرات ومن كل الجهات وبكل قوة من أجل الدفاع عن هذه التجربة الفريدة بكل مكوناتها دون استسلام حتى النصر والفرج القريب بإذن المولى تعالى.  

الأسير الكاتب/ إسلام حسن حامد 13/10/2022م


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023